مع الشيخ الشامي
قال ابن أعثم: «و أتي بحرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي أدخلوا من مدينة دمشق من باب يقال له «باب توما»، ثم أتي بهم حتي وقفوا علي درج باب المسجد حيث يقام السبي، و اذا بشيخ قد أقبل حتي دنا منهم و قال: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و أراح الرجال من سطوتكم، و أمكن أميرالمؤمنين! منكم.
فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟
فقال: نعم قرأته.
قال: فعرفت هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [1] ؟
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.
فقال علي بن الحسين رضي الله عنه: فنحن القربي يا شيخ!
قال: فهل قرأت في «بني اسرائيل»: (و آت ذاالقربي حقه) [2] ؟
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.
فقال علي رضي الله عنه: نحن القربي يا شيخ! و لكن هل قرأت هذه الآية: (واعلموا أنما غنمتم من شي ء فان لله خمسه و للرسول و لذي القربي) [3] فنحن ذو القربي يا شيخ، ولكن هل قرأت هذه الآية: (انما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [4] ؟
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.
فقال: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة.
قال: فبقي الشيخ ساعة ساكتا نادما علي ما تكلمه، ثم رفع رأسه السماء و قال: اللهم اني تائب اليك مما تكلمته و من بغض هؤلاء القوم، اللهم اني أبرأ اليك من عدو محمد و آل محمد من الجن و الانس». [5] .
و في اللهوف قال: قال الراوي: «بقي الشيخ ساكتا نادما علي ما تكلم به، و قال: «تالله انكم هم؟!» فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: تالله لنحن هم من غير شك، و حق جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله انا لنحن هم: قال: فبكي الشيخ و رمي عمامته، ثم رفع رأسه الي السماء، و قال: اللهم أني أبرأ اليك من عدو آل محمد صلي الله عليه و آله من الجن و الانس، ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، ان تبت تاب الله عليك و أنت
معنا، فقال: «أنا تائب». فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به فقتل». [6] .
تأمل و ملاحظات
نستنتج من هذا الخبر عدة أمور:
1- ان هذا أول موقف تكلم به الامام زين العابدين بعد تحمله شدة السفر و شقته، و بعد ما رأي من المعاناة، لأنه روي أن الامام عليه السلام لم يتكلم في الطريق - من الكوفة الي الشام - حتي وصل الشام. [7] .
2- الامام عليه السلام يقوم بأداء الرسالة في أول فرصة و أول نقطة يجد بها الطينة الطيبة. فمع أن ذاك الشيخ الشامي لم يكن الا رجلا عاش في كنف حكم الأمويين مدة طويلة، و لم ير عليا و لا أحدا من أبنائه و لكنه كان علي فطرة سليمة، بينما الذين قاموا بقتل الامام الحسين و سبي أهل بيته فقد كان كثير منهم ممن رأي عليا و الحسن و الحسين عليهم السلام و صلي خلفهم! و سلم عليهم و لكنهم كانوا خبثاء!
3- هذا الخبر يدل علي سيطرة الجو الاعلامي المسموم علي مجتمع و بيئة تربت في أحضان بني أمية، لقد أذاعوا بأن المقتول هو رجل خارجي خرج علي أميرالمؤمنين! و خليفة المسلمين! كان يريد بث الفتنة و الفرقة في المجتمع [8] ، و لذلك نري أن الشيخ الشامي حينما يواجه الامام عليه السلام أول مرة يحمدالله علي قتل
الحسين عليه السلام و يقول: «الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم و أراح الرجال من سطوتكم و أمكن أميرالمؤمنين منكم».
و لكن حينما ينكشف له الواقع يتوب الي الله من قوله و يتبرأ من قتلة أهل بيت رسول الله عليهم السلام و أعدائهم، و كانت أكثرية المجتمع الشامي، علي غرار هذا الشيخ، قد ضللتهم الدعاية الأموية و حجبتهم عن معرفة أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله؛ و من ثم لم يتحمل يزيد ذلك و أمر بقتل ذلك الشيخ، كي يظل مسيطرا علي الأوضاع في زعمه.
پاورقي
[1] الشوري: 23.
[2] الاسراء: 26.
[3] الأنفال: 41.
[4] الأحزاب: 33.
[5] الفتوح 183:2. و نحوه في: تفسير فرات الکوفي: 153 ح 191؛ أمالي الصدوق: 230؛ عنه بحارالأنوار 154:45؛ روضة الواعظين 191:1؛ الاحتجاج 120:2؛ عنه بحارالأنوار 166:45 ح 9؛ مقتل الخوارزمي 61:2؛ الدر المنثور ذليل آية 23: الشوري و 26: الاسراء بتفاوت يسير، و فيه: أن الشيخ الشامي قال - بعد ما رفع يده الي السماء -: اللهم اني أتوب اليک - ثلاث مرات - اللهم اني أبرأ اليک من عدو آل محمد و من قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.
[6] الملهوف: 211، و نحوه في تسلية المجالس 384:2. و روي الخبر ابنحجر (الصواعق المحرقة: 341 باب وصية النبي صلي الله عليه و آله بهم)؛ ينابيع المودة 302:2 عن الطبراني ملخصا.
[7] انظر: تاريخ الطبري 351:4؛ الکامل في التاريخ 83:4؛ جواهر المطالب 291:2؛ الارشاد 119:2؛ اعلام الوري: 248؛ مثير الأحزان: 97.
[8] و من هنا نجد أن الامام الحسين عليهالسلام يهتم بهذا الجانب بنفسه، حيث يقول: اني لم أخرج أشرا و لا بطرا.