لماذا تنصل من مسؤولية قتل الامام
عندما نتصفح تاريخ مأساة كربلاء نجد هناك كلمات صدرت من يزيد تثير الغرابة، و هي جديرة بالتأمل، من ذلك:
«ويلي علي ابن مرجانة، فعل الله به كذا، أما والله لو كانت بينه و بينه رحم ما فعل هذا» [1] و «لعن الله ابن مرجانة، لقد وجده بعيد الرحم منه» [2] ، «و ما علمت بخروج أبي عبدالله حين خرج و لا بقتله حين قتله» [3] ، «أحرزت أنفسكم عبيد أهل العراق و ما علمت بخروج أبي عبدالله و لا بقتله» [4] ، «لعن الله ابن مرجانة أما و الله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها اياه، و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدي، و لكن الله قضي ما رأيت!» [5] ، «كنت أرضي من طاعتهم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية، أما اني لو كنت صاحبه لعفوت عنه» [6] ، «.. لكن عبيدالله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك فعجل عليه بالقتل فقتله» [7] ، «أما والله يا حسين لو أنا صاحبك ما قتلتك» [8] ، «لو كان بينك و بين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت» [9] ، «لعن الله ابن مرجانة، فوالله ما أمرته بقتل أبيك و لو كنت
متوليا لقتاله ما قتلته» [10] ...
أن ما نجده من قبيل ذلك يرجع الي ثلاثة أمور:
الأول: كذبه، فان الرجل الذي يلهو و يفسق جهرا و يكفر بالرب عيانا ليس بغريب عنه أن يكذب، كيف يدعي الجهل و يجعل المسؤولية علي عاتق و اليه عبيدالله بن زياد و هو المسبب الأعلي لتلك الفاجعة العظمي؟!
أليس هو الذي كتب الي و اليه وليد يأمره بقتل الحسين اذا لم يبايع؟
أليس هو الذي أمر باغتيال الامام في موسم الحج؟
أليس هو الذي أرسل الكتب الي عبيدالله و أمره بقاتل الحسين عليه السلام و قتله؟
ان كل هذه الأدلة القوية و الشواهد القويمة تدل علي مدي كذب الرجل.
الثاني: انقلاب الأوضاع و خوفه علي زوال ملكه، و الدليل علي ذلك أنه فرح بقتل الحسين في بادي ء الأمر، لكنه بعد ذلك و حينما رأي بوادر الفتنة و المشاكل العديدة في ملكه و في قلب عاصمته و حتي في بيته التجأ الي ابراز الندم، و قد صرح بذلك المؤرخون؛ قال ابن الأثير: «قيل و لما وصل رأس الحسين الي يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده و وصله و سره ما فعل، ثم لم يلبث الا يسيرا حتي بلغه بغض الناس له و لعنهم و سبهم، فندم علي قتل الحسين». [11] .
و نقل نحوه الذهبي عن محمد بن جرير باسناده عن يونس بن حبيب قال: «لما قتل عبيدالله الحسين و أهله بعث برؤوسهم الي يزيد فسر بقتلهم أولا ثم لم يلبث حتي ندم علي قتلهم» [12] .
و قال الشيخ محمد الصبان: «ثم ندم لما مقته المسلمون علي ذلك و أبغضه العالم و في هذه القصة تصديق لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: ان أهل بيتي سيلقون بعدي في امتي قتلا و تشريدا، و ان أشر قومنا لنا بغضا بنوأمية و بنومخزوم، رواه الحاكم». [13] .
و ثم شواهد متقنة سنوافيك بها في مبحث «انقلاب المعادلة و خوف الفتنة».
الثالث: لا نستبعد أن هناك أيادي مرتزقة دسوا بعض ذلك في كتب التاريخ و السير، لأجل أن يطهروا يزيد و يبرئوه عن بعض ما فعل - مع أنه لا يطهر و لو بالقائه في ماء البحر - و يشوهوا الأمر بعد ذلك! و يفتحوا المجال لمثل ابن تميمة و أذنابه، و لكن دون ذلك خرط القتاد.
پاورقي
[1] أنساب الأشراف 424:3.
[2] المصدر 419:3.
[3] الامامة و السياسة 8:2.
[4] العقد الفريد 131:5.
[5] مقتل الخوارزمي 74:2؛ روضة الواعظين 192:1؛ بحارالانوار 131:45 و 146.
[6] تجارب الامم 74:2.
[7] مقتل الخوارزمي 80:2؛ بحارالانوار 326:45.
[8] تاريخ الطبري 352:4.
[9] مثير الأحزان: 99.
[10] بحارالأنوار 162:45.
[11] الکامل في التاريخ 87:4.
[12] سير أعلام النبلاء 37:3.
[13] اسعاف الراغبين: 188.