بازگشت

قصة الراهب مع الرأس المقدس


قـال سـبـط بـن الجـوزي فـي (تـذكرة الخواص): ((وذكر عبدالملك بن هاشم في كتاب (السيرة) الذي أخـبـرنـا القاضي الاسعد أبوالبركات عبدالقويّ بن أبي المعالي ابن الحبّار السعدي فـي جـُمـادي الاوّل سـنـه تـسـع وسـتـّمـائه بـالديـار المـصـريـه قـرأة عـليـه ونـحـن نـسـمـع قـال: أنـبـأنـا أبـومـحـمـّد عـبداللّه بن رفاعه بن غدير السعدي في جمادي الاولي سنه خمس وخمسين وخمسمائه قال: أنبأنا أبوالحسين عليّ بن الحسين الخلعي أنبأنا أبومحمد عبدالرحمن بـن عـمـر بـن سـعـيد النحّاس النحيي: أنبأنا أبومحمد عبداللّه بن جعفر بن محمد بن رنجويه البـغـدادي: أنـبأنا أ بوسعيد عبدالرحيم بن عبداللّه البرقي: أنبأنا أبومحمد عبدالملك بن هشام النحوي البصري [1] قال:


لمـّا أنـفـذ ابـن زيـاد رأس الحـسـيـن (ع) إلي يـزيـد بـن مـعـاويـه مـع الاسـاري، مـوثّقين في الحـبـال، مـنـهـم نـسـاء وصـبـيـان وصـبـيـّات مـن بـنـات رسـول اللّه (ص)، عـلي أقـتـاب الجـمـال، مـوثـقـيـن مـكـشـّفات الوجوه والرؤوس! وكلّما نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعـدّوه له، فـوضـعـوه عـلي رمـح وحـرسـوه طـول الليـل إلي وقـت الرحـيـل، ثـمّ يـعـيـدوه الي الصـنـدوق ويـرحـلوا، فـنـزلوا بـعـض المنازل، وفي ذلك المنزل ديرٌ فيه راهب، فأخرجوا الرأس علي عادتهم، ووضعوه علي الرمح وحرسه الحرس علي عادته، وأسندوا الرمح إلي الدير.

فـلمـّا كـان فـي نـصـف الليل رأي الراهب نوراً من مكان الرأس الي عنان السماء! فأشرف علي القوم وقال: من أنتم؟

قالوا: نحن أصحاب ابن زياد.

قال: وهذا رأس من!؟

قـالوا: رأس الحـسـيـن بـن عـليّ بـن أبـي طـالب، ابـن فـاطـمـه بـنـت رسول اللّه (ص)!

قال: نبيّكم!؟

قالوا: نعم!

قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولد لاسكنّاه أحداقنا!

ثم قال: هل لكم في شيء؟

قالوا: وماهو؟

قـال: عـنـدي عـشـرة آلاف ديـنـار، تـأخـذونـها وتعطوني الرأس يكون عندي تمام الليله، وإذا رحلتم تأخذونه!

قالوا: وما يضرّنا!؟

فـنـاولوه الرأس، وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسله وطيّبه، وتركه علي فخذه، وقعد يبكي الليل كلّه! فلمّا أسفر الصبح قال: يا رأس! لاأملك إلاّ نفسي،


وأنا أشهد أن لاإله إلاّ اللّه، وأنّ جدّك محمّداً رسول اللّه، وأُشهد اللّه أنني مولاك وعبدك!

ثمّ خرج عن الدير وما فيه، وصار يخدم أهل البيت!

قـال ابـن هـشـام فـي السـيـرة: ثـمّ إنـهـم أخـذوا الرأس وسـاروا، فـلمـّا قـربـوا مـن دمـشـق قال بعضهم لبعض: تعالوا حتّي نقسم الدنانير لايراها يزيد فيأخذها منّا!

فـأخـذوا الاكياس وفتحوها، وإذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً! وعلي أحد جانبي الدينار مكتوب: (ولاتحسبنّ اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون) الايه، وعلي الجانب الاخر: (وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقبلون) فرموها في بردي)). [2] [3] .

أمـّا الخـوارزمـي فـقـد روي نـظـيـر هـذه القـصـه، حـيـث قال: ((وروي: أنّ رأ س الحسين (ع) لمّا حـُمـل إلي الشـام، جـنَّ عليهم الليل فنزلوا عند رجلٍ من اليهودِ، فلمّا شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين!

فقال لهم: أروني إيّاه!

فـأروه إيـّاه بـصـنـدوق، يـسـطـع مـنـه النـور إلي السـماء! فعجب اليهودي، واستودعه منهم فـأودعـوه عـنـده، فـقـال اليـهـودي للرأس ـ وقـد رآه بـذلك الحـال ـ: إشـفـع لي عـنـد جـدّك! فـأنـطـق اللّه الرأس وقال: إنّما شفاعتي للمحمّدييّن، ولستَ بمحمّدي!


فـجـمـع اليـهـودي أقـرباءه، ثمّ أ خذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثم قال لاولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد!

ثـمّ قـال: وا لهـفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم علي يديه! ثمّ وا لهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم علي يديك وأقاتل دونك! فلو أسلمت الان أتشفع لي يوم القيامه؟

فأنطق اللّه الراس، فقال بلسان فصيح: إن أسلمتَ فأنا لك شفيع!

قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه!

وقال الخوارزمي: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب ((قنسرين)) لانّه أسلم بسبب رأس الحسين (ع)، وجـاء ذكـره فـي الاشـعـار، وأورده الجـوهري والجرجاني في مراثي الحسين كما سيرد عليك في موضعه إن شاء اللّه.)). [4] .

ونقول: لامانع من أن تتكرر قصه اهتداء راهب يهودي أو نصراني، وتتشابه الواقعه في أكثر مـن مـنـزل، كـمـا أنـّه لادليـل عـلي انـحـصـارها في منزل واحد ومع راهب واحد! مع العلم أنّ الطرق الخارجيه التي تمتد بين المدن الرئيسه يومذاك كانت تكثر فيها الصوامع والاديرة!

ويـنـقـل السـيـد هـاشـم البـحـرانـي (ره) عـن الطـريـحـي (ره) فيقول: ((روي الثقاة عن أبي سعيد الشامي قال: كنت ذات يوم مع القوم اللئام الذين حملوا الرؤوس والسبي إلي دمشق، لمّا وصلوا إلي دير النصاري فوقع بينهم أنّ نصر الخزاعي قد جمع عـسـكـراً ويـريـد أن يـهـجـم عـليـهـم نـصـف الليـل، ويـقـتـل الابـطـال، ويـجـدّل الشـجـعـان، ويـأخـذ الرؤوس والسـبـي، فـقـال رؤسـاء العـسـكـر مـن عـِظـم اضطرابهم: نلجاء الليله إلي الدير ونجعله كهفاً لنا. لانّ الدير كان لايقدر أن يتسلّط عليه العدوّ.


فـوقـف الشـمـر وأصـحـابـه عـلي بـاب الديـر، وصـاح بـأعـلي صـوتـه: يـا أهل الدير!

فجأهم القسيس الكبير، فلمّا رأي العسكر قال لهم: من أنتم!؟ وما تريدون!؟

فقال الشمر: نحن من عسكر عبيداللّه بن زياد، ونحن سائرون من العراق إلي الشام.

فقال القسيس: لايّ غرض؟

قـال: كـان شـخـص بـالعـراق قد تباغي، وخرج علي يزيد، وجمع العساكر! فعقد يزيد عسكراً عظيماً فقتلوهم، وهذه رؤوسهم، وهؤلاء النساء سباياهم!

قـال الراوي: قـال: فـنظر القسيس إلي رأس الحسين (ع) وإذا بالنور ساطع منه! والضياء لامع قد لحق بالسماء! فوقع في قلبه هيبه منه.

فقال القسيس: ديرنا ما يسعكم، بل أدخلوا الرؤوس والسبي إلي الدير، وحيطوا أنتم من خارج، إن دهـمـكـم عـدوّ فـقـاتـلوه، ولاتـكـونـوا مـضـطـربـيـن عـلي السـبـي والرؤوس. قال: فاستحسنوا كلام القسيس صاحب الدير، وقالوا: هذا هو الرأي!

فـحـطـّوا رأس الحـسـيـن فـي صـنـدوق، وقـفـل عـليـه، وأدخـلوه إلي داخل الدير والنساء وزين العابدين (ع)، وصاحب الدير حطّهم في مكان يليق بهم.

قـال الراوي: ثـمّ إنّ صـاحـب الديـر أراد أن يـري الرأس الشـريـف، فـجـعـل يـنـظـر حـول البـيـت الذي فـيـه الصـنـدوق، وكان له رازونه، فحطّ رأسه في تلك الرازونـه فـرأي البـيـت يـُشـرق نـوراً! ورأي أنّ سـقـف البـيـت قـد انـشـقّ! ونـزل من السماء تخت عظيم والنور يسطع من جوانبه، وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسه علي التخت، وإذا بشخصٍ يصيح: أطرقوا ولاتنظروا، وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء، فإذا حوّاء، وصـفـيـّه، وزوجه إبراهيم أمّ اسماعيل، وراحيل أمّ يوسف، وأمّ موسي، وآسيه، ومريم، ونساء النبيّ.


قـال الراوي: فـأخـرجوا الرأ س من الصندوق، وكلُّ من تلك النساء واحدة بعد واحدة يقبّلن الرأ س الشـريـف، فـلمـّا وقـعـت النوبه لمولاتي فاطمه الزهراء (س) غشي علي بصر صاحب الدير، وعـاد لايـنـظـر بـالعـيـن، بـل يـسـمـع الكـلام، وإذا قـائله تقول:

السـلام عـليـك يا قتيل الامّ، السلام عليك يا مظلوم الامّ، السلام عليك يا شهيد الامّ، السلام عليك يا روح الامّ، لايداخلك همّ وغمّ، فإنّ اللّه سيفرّج عنّي وعنك ويأخذ لي بثأرك.

قـال: فـلمـّا سـمع الديرانيّ البكاء من النساء اللاتي نزلن من السماء اندهش ووقع مغشيّاً عليه، فـلمـا أفـاق مـن ذلك البـكـاء وإذا بـالشـخـص نـزل إلي البـيـت وكـسـر القـفل والصندوق واستخرج الرأس وغسله بالكافور والمسك والزعفران، ووضعه في قبلته، وجعل ينظر إليه ويبكي ويقول: يا رأس رؤوس بني آدم، ويا عظيم، ويا كريم جميع العوالم! أظـنـّك أنـت مـن الذيـن مـدحـهـم اللّه فـي التـوراة والانـجـيـل، وأنـت الذي أعـطـاك فـضـل التـأويـل، لانّ خـواتين سادات الدنيا والاخرة يبكين عليك ويندبنك!

أمّا أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك!

فـنـطـق الرأس بـإذن اللّه وقـال: أنـا المـظـلوم! أنـا المـقـتـول! أنـا المـهـمـوم! وأنـا المـغـموم! وأنا الذي بسيف العدوان والظُلم قتلت! أنا الذي بحرب أهل الغيّ ظُلمت!

فقال صاحب الدير: باللّه أيها الرأس زدني!

فـقـال الرأس: إنْ كـنـت تـسـأل عـن حـالتـي ونـسـبـي؟ أنـا ابن محمّد المصطفي! أنا ابن عليّ المرتضي! أنا ابن فاطمه الزهراء! أنا ابن خديجه الكبري! وأنا ابن العروة الوثقي!

أنا شهيد كربلاء! أنا مظلوم كربلاء! أنا قتيل كربلاء! أنا عطشان كربلاء! أنا ظمآن كربلاء! أنا مهتوك كربلاء!


قـال الراوي: فـلمّا سمع صاحب الدير من رأس الحسين (ع) هذا الكلام جمع تلامذته ومريديه، وحـكـي لهـم هـذه الحـكـايـه، وكـانـوا سـبـعـيـن رجـلاً، فـضـجـّوا بـالبـكـاء والنـحـيـب، ونـادوا بالويل والثبور، ورموا العمائم من رؤوسهم، وشقّوا أزياقهم، وجاءوا إلي سيّدنا ومولانا علي بـن الحـسـيـن، زيـن العـابـديـن (ع)، ثـمّ قـطـعـوا الزنـّار وكـسـروا النـاقـوس! واجـتـنـبـوا أفـعـال اليـهـود والنـصـاري، وأسـلمـوا عـلي يـديـه، وقـالوا: يـا ابـن رسـول اللّه! مـُرنـا أن نخرج إلي هؤلاء القوم الكفرة ونقاتلهم ونجلي صداء قلوبنا ونأخذ بثاءر سيّدنا! فقال لهم الامام:

لاتفعلوا ذلك، فإنّهم عن قريب ينتقم اللّه منهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

فردّوا أصحاب الدير عن القتال.)). [5] .


پاورقي

[1] قـال الذهـبـي: ((عـبـدالمـلک بـن هـشام بن أيّوب، العلاّمه النحوي الاخباري، أبومحمد الذهـلي السـدوسـي، وقـيـل: الحـمـيـري، المـعـافـري، البـصـري، نزيل مصر، وتوفي سنه ثمان ومائتين)) (سير أ علام النبلاء: 10: 428 رقم 131).

[2] نهر بدمشق، مخرجه من الزبداني.

[3] تذکرة الخواص: 236 ـ 237 / وقد روي قطب الدين الراوندي (ره) بسند إلي سليمان بـن مـهـران الاعـمـش هذه القصّه بتفاوت، ولم يذکر مکان وقوعها، وذکر فيها أنّ أميرالرکب کان عـمـر ابـن سـعـد! (راجـع: الخـرائج والجـرائح: 2:577 ـ 580 رقـم 2) وقـد قال الشيخ عباس ‍ القمّي (ره): ((أقول: الذي يظهر من التواريخ والسير أنّ عمر بن سعد لم يکن مع القوم في سيرهم الي الشام، فکونه معهم بعيد..)). (نفس ‍ المهموم: 424).

[4] مقتل الحسين (ع) للخوارزمي: 2 :115 ـ 116 رقم 49.

[5] مدينه المعاجز: 4:126.