بازگشت

مقتل ولدي مسلم بن عقيل


روي الشـيـخ الصـدوق (ره) بـسـنـدٍ إلي حـمـران بـن أعـيـن (ره)، عـن أبـي مـحـمـّد شـيـخ لاهـل الكـوفـه قـال: ((لمّا قُتل الحسين بن عليّ (ع) أُسِرَ من عسكره غُلامان صغيران، فأُتي بهما عـبـيـداللّه ابـن زيـاد، فـدعـا سـجـّانـاً له فـقال: خُذ هذين الغلامين إليك، فمِنْ طيّب الطعام فلاتطعهما، ومن البارد فلاتسقهما، وضيّق عليهما سجنهما!

وكان الغلامان يصومان النهار، فإذا جنّهما الليل أُتيا بقرصين من شعير، وكوز من ماء القراح! فـلمـّا طـال بـالغـلامـيـن المـكـث حـتـّي صـارا فـي السـنـّه! قـال أحـدهـما لصاحبه: يا أخي، قد طال بنا مكثنا، ويوشك أن تفني أعمارنا وتبلي أبداننا! فـإذا جـاء الشـيـخ فـأعـلمـه مـكـانـنـا وتـقـرّب إليه بمحمّد (ص) لعلّه يوسّع علينا في طعامنا ويزيدنا في شرابنا!

فلمّا جنّهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح.

فقال له الغلام الصغير: يا شيخ، أتعرف محمّداً؟

قال: فكيف لاأعرف محمّداً، وهو نبيي!؟


قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟

قال: وكيف لاأعرف جعفراً، وقد أنبت اللّه له جناحين يطير بهما مع الملائكه كيف يشاء!؟

قال: أفتعرف عليَّ بن ابي طالب (ع)؟

قال: وكيف لاأعرف عليّاً، وهو ابن عمّ نبيي وأخو نبيّي!؟

قـال له: يـا شـيـخ، فـنـحـن مـن عـتـرة نـبـيـّك مـحـمـّد (ص)، ونـحـن مـن وُلدِ مـسـلم بـن عـقـيـل بـن أبـي طالب، بيدك أُساري، نسألك من طيّب الطعام فلاتطعمنا، ومن بارد الشراب فلاتسقينا، وقد ضيّقت علينا سجننا!!

فـانـكـبّ الشـيـخ علي أقدامهما يقبّلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء! ووجهي لوجهكما الوقاء يا عترة نبيّ اللّه المصطفي! هذا باب السجن بين يديكما مفتوح! فخذا في أيّ طريق شئتما!

فـلمـّا جـنـّهـمـا الليـل أتـاهـمـا بـقـرصـيـن من شعير وكوز من ماء القراح! ووقفهما علي الطريق، وقـال لهـمـا: سـيـرا يـا حـبـيـبـيّ الليـل، واكـمـُنـا النـهـار، حـتـّي يجعل اللّه عزّ وجلّ لكما من أمركما فرجاً ومخرجاً!

فـفـعـل الغـلامـان ذلك، فـلمـّا جـنـّهـما الليل انتهيا إلي عجوز علي باب فقالالها: يا عجوز، إنّا غـلامـان صـغـيـران غـريـبـان، حـدثـان غـيـر خـبـيـريـن بـالطـريـق، وهـذا الليل قد جنّنا، أضيفينا سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق!

فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبيّ؟ فقد شممت الروائح كلّها فما شممت رائحه أطيب من رائحتكما!

فـقـالالهـا: يـا عـجـوز، نـحـن مـن عـتـرة نـبـيـّك مـحـمـّد (ص)، هـربـنـا من سجن عبيداللّه ابن زياد من القتل!


قـالت: يـا حـبيبيّ إنّ لي ختناً قد شهد الواقعه مع عبيداللّه بن زياد، أتخوّف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما!

قالا: سواد ليلتنا هذه فإذا أصبحنا لزمنا الطريق.

فقالت: سآتيكما بطعام.

ثـمّ أ تـتـهـمـا بـطـعـام فـأكـلا وشـربـا، ولمـّا ولجـا الفـراش قـال الصـغـيـر للكـبـيـر: يـا أخـي، إنـّا نـرجـوا أن نـكـون قـد أمـنـا ليـلتـنـا هـذه، فـتـعـال حـتـّي أُعـانـقـك وتـعـانـقـنـي، وأشـمّ رائحـتـُك وتـشـمّ رائحـتـي، قبل أن يفرّق الموت بيننا!

فـفـعـل الغـلامـان ذلك واعـتـنـقـا ونـامـا، فـلمـّا كـان فـي بـعـض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتّي قرع الباب خفيفاً، فقالت العجوز: من هذا؟

قال: أنا فلان!

قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعه، وليس هذا لك بوقت!؟

قـال: ويـحـك! إفـتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي جهد البلاء الذي قد نزل بي!

قالت: ويحك! ما الذي نزل بك؟!

قـال: هـرب غلامان صغيران من عسكر عبيداللّه بن زياد، فنادي الامير في معسكره: من جاء برأس واحـدٍ مـنـهـمـا فـله ألف درهـم! ومـن جـاء بـرأسـيـهـمـا فـله ألفا درهم! فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شيء!

فقالت العجوز: ياختني! إحذر أن يكون محمّد خصمك في القيامه!

قال: ويحكِ! إنّ الدنيا مُحرص عليها!

فقالت: وما تصنع بالدنيا وليست معها آخرة!؟

قال: إنّي لاراك تحامين عنهما، كأنّ عندك من طلب الامير شيء!؟ قومي فإنّ


الامير يدعوك!

قالت: ما يصنع الامير بي، وإنّما أنا عجوز في هذه البريّه!؟

قال: إنّما ليَ الطلب! إفتحي لي الباب حتي أُريح واستريح، فإذا أصبحتُ فكّرت في أيّ الطريق آخذُ في طلبهما.

فـفـتـحـت له البـاب، وأتـتـه بـطـعـام وشـراب، فـأكـل وشـرب، فـلمـّا كـان فـي بـعـض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف الليل، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، ويخور كما يخور الثور، ويلمس بكفّه جدار البيت حتي وقعت يده علي جنب الغلام الصغير!

فقال له: من هذا؟

قال: أمّا أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما!؟

فأقبل الصغير يحرّك الكبير ويقول: قم يا حبيبي، فقد واللّه وقعنا فيما كنّا نحاذره!

قال لهما: من أنتما!؟

قالاله: يا شيخ، إن نحن صدقناك فلنا الامان!؟

قال: نعم!

قالا: أمان اللّه وأمان رسوله، وذمّه اللّه وذمّه رسول اللّه؟

قال: نعم!

قالا: ومحمّد بن عبداللّه علي ذلك من الشاهدين؟

قال: نعم!

قالا: واللّه علي ما نقول وكيل وشهيد؟

قال: نعم!


قـالاله: يـا شـيـخ، فـنـحـن مـن عـتـرة نـبـيـّك مـحـمـّد (ص)، هـربـنـا مـن سـجن عبيداللّه بن زياد من القتل!

فقال لهما: من الموت هربتما، وإلي الموت وقعتما! الحمّد للّه الذي أظفرني بكما!

فـقـام إلي الغـلامين فشدّ أكتافهما، فبات الغلامان ليلتهما مكتّفين، فلمّا انفجر عمود الصبح دعـا غـلامـاً له أسـود يـُقـال له فـليـح، فـقـال: خـذ هـذيـن الغلامين فانطلق بهما إلي شاطيء الفرات وأضرب أعناقهما، وأئتني برؤسهما لانطلق بهما إلي عبيداللّه بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.

فـحـمـل الغـلام السـيـف، فـمـضـي بـهـمـا ومـشـي أمـام الغـلامـيـن، فـمـا مضي إلاّ غير بعيد حتّي قـال أحـد الغـلامـيـن: يـا أسـود، مـا أشـبـه سـوادك بـسـواد بلال مؤذّن رسول اللّه!!

قال: إنّ مولاي قد أمرني بقتلكما، فمن أنتما؟

قـالاله: يـا أسـود، نـحـن مـن عـتـرة نـبـيـّك مـحـمـّد (ص)، هـربـنـا مـن سـجـن عـبـيداللّه بن زياد من القتل، أضافتنا عجوزكم هذه، ويريد مولاك قتلنا!

فـانـكـبّ الاسـود علي أقدامهما يقبّلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء يا عترة نبيّ اللّه المصطفي! واللّه لايكون محمّد (ص) خصمي في القيامه.

ثـمّ عـدا فـرمـي السيف من يده ناحيه، وطرح نفسه في الفرات وعبر إلي الجانب الاخر، فصاح به مولاه: يا غلام عصيتني!؟

فقال: يا مولاي! إنّما أطعتك ما دمت لاتعصي اللّه، فإذا عصيت اللّه فأنا منك بريء في الدنيا والاخرة!


فـدعـا إبنه فقال: يا بني! إنّما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك! والدنيا مُحرصٌ عليها، فخذ هـذيـن الغلامين إليك فانطلق بهما إلي شاطيء الفرات فاضرب أعناقهما، وائتني برؤسهما لانطلق بهما إلي عبيداللّه بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.

فـأخـذ الغـلام السـيـف، ومـشـي أمـام الغـلامـيـن، فـمـا مـضـي (فـمـا مـضـيـا) إلاّ غـير بعيد حتّي قال أحد الغلامين: يا شاب! ما أخوفني علي شبابك هذا من نار جهنّم!

فقال: يا حبيبيَّ فمن أنتما؟

قالا: من عترة نبيّك محمّد (ص) يريد والدك قتلنا!

فانكبّ الغلام علي أقدامهما يقبّلهما ويقول لهما مقاله الاسود، ورمي بالسيف ناحيه، وطرح نفسه في الفرات وعبر! فصاح به أبوه: يا بنيَّ! عصيتني!؟

قال: لان أطيع اللّه وأعصيك أحبّ إليّ من أن أعصي اللّه وأطيعك.

قـال الشـيـخ: لايـلي قـتـلكـمـا أحدٌ غيري! وأخذ السيف ومشي أمامهما، فلمّا صار إلي شاطيء الفرات سلّ السيف من جفنه، فلمّا نظر الغلامان إلي السيف مسلولاً اغرورقت أعينهما وقالاله: يا شـيـخ! انـطـلق بنا إلي السوق واستمتع بأثماننا، ولاترد أن يكون محمّد خصمك في القيامه غداً!

فقال: لا! ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما الي عبيداللّه بن زياد، وأخذ جائزة أ لفين!

فقالاله: يا شيخ! أما تحفظ قرابتنا من رسول اللّه (ص)!؟

فقال: ما لكما من رسول اللّه قرابه!!

قالا: يا شيخ! فائت بنا إلي عبيداللّه بن زياد حتي يحكم فينا بأمره!

قال: ما بي إلي ذلك سبيل إلاّ التقرّب إليه بدمكما!


قالاله: يا شيخ! أما ترحم صغر سننا!؟

قال: ما جعل اللّه لكما في قلبي من الرحمه شيئاً!

قالا: يا شيخ! إن كان ولابدّ فدعنا نصلّي ركعات!

قال: فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة!

فـصـلّي الغـلامـان أربـع ركـعـات، ثـمّ رفعا طرفيهما إلي السماء فناديا: يا حيّ يا حكيم يا أحكم الحاكمين! أحكم بيننا وبينه بالحقّ!

فـقـام إلي الاكـبـر فـضـرب عـنـقـه وأخـذ بـرأسـه ووضـعـه فـي المـخـلاة! وأقـبـل الغـلام الصـغـيـر يـتـمـرّغ فـي دم أخـيـه وهـو يـقـول: حـتـّي ألقـي رسول اللّه (ص) وأنا مختضب بدم أخي!

فقال: لاعليك، سوف أُلحقك بأخيك! ثمّ قام إلي الغلام الصغير فضرب عنقه وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة! ورمي ببدنيهما في الماء وهما يقطران دماً!

ومـرَّ حـتّي أتي بهما عبيداللّه بن زياد وهو قاعد علي كرسيّ له، وبيده قضيب خيزران، فوضع الرأسـيـن بـيـن يـديـه، فـلمـّا نـظـر إليـهـمـا قـام ثـمّ قـعـد ثـلاثـاً، ثـم قال: الويل لك! أين ظفرت بهما!

قال: أضافتهما عجوز لنا!

قال: فما عرفت حقّ الضيافه!؟

قال: لا!

قال: فأيّ شيء قالالك؟

قـال: قـالا: يـا شـيـخ! إذهـب بـنـا إلي السـوق فـبـعـنا فانتفع بأثماننا، فلانرد أن يكون محمّد (ص) خصمك في القيامه!

قال: فأيّ شيء قلت لهما!؟


قال: قلت: لا! ولكن أقتلكما وانطلق برأسيكما إلي عبيداللّه بن زياد، وآخذ ألفي درهم.

قال: فأيّ شيء قالالك؟

قال: قالا: إئت بنا إلي عبيداللّه بن زياد حتّي يحكم فينا بأمره!

قال: فأي شيء قلت!؟

قال: قلت: ليس لي إلي ذلك سبيل إلاّ التقرّب إليك بدمهما!

قال: أفلاجئتني بهما حيَّيْن فكنت أضاعف لك الجائزة وأجعلها أربعه آلاف درهم!؟

قال: ما رأيت إلي ذلك سبيلاً إلاّ التقرّب إليك بدمهما!

قال: فأيّ شيء قالالك أيضاً؟

قال: قالا: يا شيخ! إحفظ قرابتنا من رسول اللّه!

قال: فأيّ شيء قلت لهما!؟

قال: قلت: مالكما من رسول اللّه قرابه!

قال: ويلك! فأيّ شيء قالالك أيضاً؟

قال: قالا: يا شيخ! إرحم صغر سننا!

قال: فما رحمتهما!؟

قال: قلت: ما جعل اللّه لكما من الرحمه في قلبي شيئاً!

قال: ويلك؟ فأيّ شيء قالالك أيضاً؟

قـال: قـالا: دعـنـا نصلّي ركعات. فقلت: فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة! فصلّي الغلامان أربع ركعات.

قال: فأيّ شيء قالافي آخر صلاتهما؟


قـال: رفـعـا طـرفيهما إلي السماء وقالا: يا حيّ يا حكيم يا أحكم الحاكمين! أحكم بيننا وبينه بالحقّ!

قال عبيداللّه بن زياد: فإنّ أحكم الحاكمين قد حكم بينكم وبين الفاسق!

قال فانتدب له رجل من أهل الشام فقال: أنا له!

قـال: فـانـطـلق به إلي الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه، ولاتترك أن يختلط دمـه بـدمـهـمـا، وعـجـّل بـرأسـه! فـفـعـل الرجـل ذلك، وجـاء بـرأسـه فـنـصـبـه عـلي قـنـاة، فـجـعـل الصـبـيـان يـرمـونـه بـالنـبـل والحـجـارة وهـم يـقـولون: هـذا قاتل ذريّه رسول اللّه (ص)!)). [1] .



پاورقي

[1] أمـالي الشـيـخ الصـدوق: 76 ـ 81، المـجـلس التـاسـع عـشـر، حديث رقم 2 / وروي الخـوارزمـي فـي (مـقـتـل الحسين (ع): 2 :54 ـ 58 حديث رقم 27) قصّه هذين الغلامين (ع) بتفاوت، وبـسـنـدٍ مـتّصل إلي محمّد بن يحيي الذهلي، ولکنه ذکر أن أحد هذين الغلامين إسمه إبراهيم، والاخر إسمه محمّد، وأنهما إبنان لجعفر الطيّار(ع)، وهذا خلاف الحقيقه التأريخيه لانّ جعفر بن أبي طالب (ع) کان قد استشهد في موقعه مؤته في سنه ثمانٍ من الهجرة، فبين يوم مؤته وبـيـن سـنـه مـقـتـل الحـسـيـن (ع) إثـنـتـان وخـمـسـون سـنـه! نـعـم، يـحـتـمـل أن يـقـال إنـهـمـا مـن أحـفـاد جـعـفـر(ع)، لکـنّ أحـداً ـ غـيـر مـا أورده الخـوارزمـي ـ لم يقل بذلک. فالاقوي ـ وهو المشهور ـ ما أورده الشيخ الصدوق (ره) من أنّ هذين الغلامين (ع) من أولاد مسلم بن عقيل (ع).

وحـادثـه قـتـلهـمـا ـ فـي ضـوء روايـه الصـدوق (ره) ـ کانت قد وقعت بعد سنه من اعتقالهما، وقد أوردنـاهـا في هذا الفصل لانها من جمله ما وقع من أحداث لبقيّه الرکب الحسينيّ في الکوفه، في أيام الطاغيه عبيداللّه بن زياد لعنه اللّه.