بازگشت

انتفاضه عبدالله بن عفيف الازدي


ولمـّا قـام طـارق بـن المـبـارك لعـنـه اللّه بتقوير الرأس المقدّس امتثالاً لامر ابن زياد، أمر هذا الطـاغـيـه بـالرأس الشريف فنُصب علي باب داره، ثمّ إنَّ ابن زياد نادي في الناس فجمعهم فـي المسجد الاعظم، ثم خرج ودخل المسجد، وصعد المنبر، ((فحمد اللّه وأثني عليه، فكان من بـعـض كـلامـه أن قـال: الحـمـدُ للّه الذي أظـهـر الحـقّ وأهله! ونصر أميرالمؤمنين وأ شياعه! وقتل الكذّاب بن الكذّاب!!

قـال فـمـا زاد عـلي هـذا شيئاً حتّي وثب إليه عبداللّه بن عفيف الازدي ثمّ


العامري - [1] أحـد بـنـي والبـه ـ وكـان مـن رؤسـاء الشـيـعـه وخـيـارهـم، وكـان قـد ذهـبـت عـيـنـه اليسري يوم الجـمـل، والاخـري يـوم صـفـّيـن، وكـان لايـكـاد يـفـارق المـسـجـد الاعـظـم، يـصـلّي فـيـه إلي الليل ثمّ ينصرف إلي منزله..

فـلمـّا سـمـع مـقـاله ابـن زيـاد وثـب إليه وقال: يا ابن مرجانه! إنَّ الكذّاب وابن الكذّاب أنت وأبـوك! ومـن اسـتعملك وأبوه! يا عدوَّ اللّه ورسوله! أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام علي منابر المسلمين!؟

فغضب عبيداللّه بن زياد وقال: من المتكلّم!؟

فـقـال: أنا المتكلّم يا عدوّ اللّه! أتقتل الذريّه الطاهرة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس في كتابه وتـزعـم أنـّك عـلي ديـن الاسـلام!؟ وا غـوثـاه! أيـن أولاد المهاجرين والانصار لينتقموا من هذا الطاغيه اللعين بن اللعين علي لسان رسول اللّه ربّ العالمين!؟

فازداد غضب ابن زياد حتّي انتفخت أوداجه، فقال: عليَّ به!

فوثب إليه الجلاوزة فأخذوه، فنادي بشعار الازد: يا مبرور.

وكـان عـبـدالرحـمـن بـن مـخـنـف الازدي [2] فـي المـسـجـد، فقال: ويح نفسك!


أهلكتها وأهلكت قومك.

وحـاضـر الكـوفـه يـومـئذٍ سـبـعمائه مقاتل من الازد، فوثبت إليه فتيه من الازد فانتزعوه منهم وانطلقوا به إلي منزله!

ونزل ابن زياد عن المنبر ودخل القصر، ودخلت عليه أشراف الناس!

فقال: أرأيتم ما صنع هؤلاء القوم!؟

قـالوا: رأيـنـا أ صـلح اللّه الامـيـر، إنـّمـا فـعـل ذلك الازد، فـَشـُدَّ يـدَك بساداتهم فهم الذين استنقذوه من يدك!

فـأ رسـل عـبـيـداللّه إلي عـبـدالرحـمـن بـن مـخـنف الازدي فأخذه، وأخذ جماعه من أشراف الازد فحبسهم، وقال: لاخرجتم من يدي أو تأتوني بعبداللّه بن عفيف!

ثمّ دعا بع مرو بن الحجّاج الزبيدي، ومحمّد بن الاشعث، وشبث بن ربعي، وجماعه من أصحابه، فقال لهم: إذهبوا إلي هذا الاعمي الذي أعمي اللّه قلبه كما أعمي عينيه، فأتوني به!

فـانـطـلقـوا يـريـدون عـبـداللّه بـن عـفـيـف، وبـلغ الازد ذلك، فـاجـتـمـعـوا وانـضـمـّت إليـهـم قبائل من اليمن ليمنعوا صاحبهم.

فـبـلغ ذلك ابـن زيـاد، فـجـمـع قـبـائل مـضـر وضـمـّهـم إلي مـحـمـّد بـن الاشـعـث، وأمـره أن يُقاتل القوم!

فـأقـبـلت قـبـائل مـضـر، ودنـت مـنـهـم اليـمـن فـاقـتـتـلوا قـتـالاً شـديداً، وبلغ ذلك ابن


زياد فأ رسل إلي أصحابه يؤنّبهم ويضعفهم!

فـأرسل إليه عمرو بن الحجّاج يخبره باجتماع اليمن معهم، وبعث إليه شبث ابن ربعي: أ يها الامير! إنك بعثتنا إلي أسود الاجام فلاتعجل!

قـال: واشـتـدّ اقـتـتـال القـوم حـتـي قـُتـلت جـمـاعـه مـن العـرب، ووصل القوم إلي دار عبداللّه بن عفيف، فكسروا الباب واقتحموا عليه!

فصاحت ابنته: يا أبتي أتاك القوم من حيث تحذر!

فقال: لاعليكِ يا بنيّه! ناوليني سيفي.

فناولته السيف، فجعل يذبّ عن نفسه وهو يقول:



أنا ابن ذي الفضل عفيفِ الطاهرِ

عفيف شيخي وانا ابن عامرِ



كم دارعٍ من جمعكم وحاسرِ

وبطلٍ جدّلتُه مغاورِ



وجعلت ابنته تقول: ليتني كنتُ رجلاً فأقاتل بين يديك هؤلاء الفجرة، قاتلي العترة البررة!

وجـعـل القـوم يدورون عليه من يمينه وشماله وورائه، وهو يذبّ عن نفسه بسيفه فليس أحدٌ يقدم عـليـه، كـلّمـا جـاءوه مـن جـهـه قـالت ابـنـته: جاءوك يا أبتي من جهه كذا! حتّي تكاثروا عليه من كل ناحيه، وأحاطوا به، فقالت ابنته: واذلاّه! يُحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به!

وجعل عبداللّه يُدافع ويقول:



واللّه لو يُكشف لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري



ومازالوا به حتّي أخذوه


فـقـال جـنـدب بـن عـبـداللّه الازدي [3] صـاحـب رسـول اللّه (ص): إنـّا للّه وإنـّا إليـه
راجـعـون! أخـذوا واللّه عـبداللّه بن عفيف، فقبّح اللّه العيش بعده! فقام وجعل يُقاتل من دونه، فأُخذ أيضاً وانطُلق بهما، وابن عفيف يردّد: واللّهِ لو يكشف لي عن بصري...

فلمّا أُدخل علي عبيداللّه، قال له: الحمدُ للّه الذي أخزاك!

فقال ابن عفيف: يا عدوَّ اللّه! بماذا أخزاني!؟ واللّه لو يُكشف عن بصري...

فقال له: ما تقول في عثمان؟

فـقـال: يـا ابـن مـرجـانـه! يـا ابـن سميّه! يا عبد بني علاج! ما أنت وعثمان!؟ أحسنَ أم أساء، وأصـلح أم أفـسـد!؟ اللّه وليّ خـلقـه يـقـضـي بـيـنـهـم بالعدل والحق، ولكن سلني عنك وعن أبيك! وعن يزيد وأبيه!

فقال ابن زياد: لاسألتك عن شيء أو تذوق الموت!

فـقـال ابـن عـفـيـف: الحـمـدّ للّه ربّ العـالمـيـن، كـنـت أسـأل اللّه ان يـرزقـنـي الشـهـادة قـبـل أن تـلدك أمـّك مـرجـانـه، وسـألتـه أن يـجـعل الشهادة علي يدي ألعن خلقه وأشرّهم وأبـغـضهم إليه، ولمّا ذهب بصري آيست من الشهادة، أمّا الان فالحمدُ للّه


الذي رزقنيها بعد اليأس منها، وعرّفني الاستجابه منه لي في قديم دعائي!

فقال عبيداللّه: إضربوا عنقه! فضُربت، وصُلِب!

ثمّ دعا ابن زياد بجندب بن عبداللّه، فقال له: يا عدوَّ اللّه! ألستَ صاحب عليّ ابن أبي طالب يوم صفّين؟

قـال: نـعـم: ولازلتُ له وليـّاً ولكـم عـدوّاً! لاأبـراء مـن ذلك إليـك ولاأعـتـذر فـي ذلك وأتنصّل منه بين يديك!

فقال ابن زياد له: أما إنّي سأتقرب إلي اللّه بدمك!

فقال جندب: واللّه ما يقرّبك دمي إلي اللّه، ولكنّه يباعدك منه، وبعدُ: فإنّي لم يبق من عمري إلاّ أقلّه، وما أكره أن يكرمني اللّه بهوانك!

فقال: أخرجوه عنّي، فإنّه شيخ قد خرف وذهب عقله!

فأُخرج وخُلّي سبيله.)). [4] .


پاورقي

[1] أو الغامدي کما في أنساب الاشراف: 3: 413.

[2] قال النمازي (ره) في مستدرکات علم رجال الحديث: 4:421: ((عبدالرحمن بن مخنف الازدي الشـريـف الکريم، لم يذکروه، وهو من أصحاب أميرالمؤمنين (ع) يوم صفّين.))، وروي نصر بـن مـزاحـم المـنـقـري: ((أنَّ رايـه بـنـي نـهـد بـن زيـد أخـذهـا مـسـروق بـن الهـيـثـم بـن سـلمـه فـقـتـل، وأخـذ الرايـه صـخـر بـن سـُمـي فـارتـث، ثـمَّ أخـذهـا عـليّ بـن عـمـيـر فـقاتل حتّي ارتثّ، ثمّ أخذها عبداللّه بن کعب فقتل، ثمّ رجع إليهم سلمه بن حُذيم بن جرثومه وکـان يـحـرّض النـاس فـوجـد عـبداللّه بن کعب قد قتل، فأخذ رايته فارتثّ وصرع، فأخذها عـبـداللّه بـن عـمـر بـن کـبـشـه فـارتـثّ، ثـمّ أخـذهـا أبـومـسـبـّح ابـن عـمـرو الجـهـنـي فـقـتـل، ثـمّ أخـذهـا عـبـداللّه بـن النـزال فـقـتـل، ثـمّ أخـذهـا أخـوه عـبـدالرحـمـن بـن زهـيـر فقتل، ثمّ أخذها مولاه مخارق فقتل، حتي صارت إلي عبدالرحمن بن مخنف الازدي..)) (وقعه صفين: 261).

[3] جـنـدب بـن عـبـداللّه الازدي: قـال الذهـبـي: ((فـذاک جـنـدب بـن عـبـداللّه، ويـقـال: جـنـدب بـن کـعـب، أبـوعـبـداللّه الازدي صـاحـب النـبـيّ(ص).. ويـقـال له: جـنـدب الخـير، وهو الذي قتل المشعوذ، روي خالد الحذّاء، عن أبي عثمان النهدي: أنّ سـاحراً کان يلعب عند الوليد بن عقبه الامير، فکان يأخذ سيفه، فيذبح نفسه ولايضرّه، فقام جـنـدب إلي السـيـف فـأخـذه فـضرب عنقه، ثمّ قراء: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون.)) (سير أعلام النبلاء: 3 :175 ـ 176 رقم 31).

وقـال الشـيـخ المـفـيـد(ره): ((وروي أصـحـاب السـيـر، عـن جـنـدب بـن عـبـداللّه الازدي قـال: شـهـدتُ مـع عـليّ(ع) الجـمـل وصـفـّيـن لاأشـکّ فـي قتال من قاتله، حتي نزلنا النهروان فدخلني شک وقلت: قُرّاؤنا وخيارنا نقتلهم!؟ إنّ هذا لامرٌ عظيم!

فـخـرجـت غدوة أمشي ومعي إداوة ماء حتّي برزتُ عن الصفوف فرکزت رمحي ووضعت ترسي إليه واسـتـتـرتُ مـن الشـمـس، فـإنـي لجـالس حـتـّي ورد عـليَّ أمـيـرالمـؤمـنـيـن (ع) فـقـال: يـا أخـا الازد! أمـعـک طـهـور؟ قـلت: نـعم. فناولته الادواة، فمضي حتي لم أره ثمّ أقـبـل وقـد تـطـهـّر، فـجـلس فـي ظـلّ التـرس فـإذا فـارس يـسـأل عـنـه، فـقـلت: يـا أمـيـرالمـؤمـنـيـن، هـذا فـارس يـريـدک. قال: فأشِر إليه. فأشرت إليه فجاء فقال: يا أميرالمؤمنين، قد عبر القوم وقد قطعوا النـهـر. فـقـال: کـلاّ مـا عـبـروا! قـال: بـلي واللّه لقـد فـعـلوا. قال: کلاّ ما فعلوا!

قـال فـإنـّه لکـذلک إذ جـاء آخـر فـقـال: يـا أمـيـرالمـؤمـنـيـن قـد عـبـر القـوم. قـال: کـلاّ مـا عـبـروا! قـال: واللّه مـا جـئتـک حـتـّي رأيـت الرايـات فـي ذلک الجـانـب والاثقال. قال: واللّه ما فعلوا! وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم!

ثـمّ نـهـض ونـهـضـتُ مـعـه، فـقـلت فـي نـفـسـي: الحـمـدُ للّه الذي بـصـّرنـي هـذا الرجل وعرّفني أمره! هذا أحد رجلين: إمّا رجلٌ کذّابٌ جريء، أو علي بيّنه من ربّه وعهد من نبيّه! أللّهـمّ إنـّي أُعـطيک عهداً تسألني عنه يوم القيامه، إن أنا وجدتُ القوم قد عبروا أن أکون أوّل مـن يـقـاتـله وأوّل مـن يطعن بالرمح في عينه، وإن کانوا لم يعبروا أن أُقيم علي المناجزة والقتال.

فدُفعنا إلي الصفوف فوجدنا الرايات والاثقال کما هي!

فـأخـذ بـقـفـاي ودفـعـنـي ثـمّ قـال: يـا أخـا الازد! أتـبـيـّن لک الامـر؟ قـلت: أجـل يـا أمـيـرالمـؤمـنـين. قال: فشأنک بعدوّک. فقتلتُ رجلاً، ثم قتلت آخر، ثمّ أختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعاً، فاحتملني أصحابي، فأفقت حين أفقتُ وقد فرغ القـوم.)) (الارشـاد:1 :317 ـ 319 وانـظـر: الکـافـي: 1:180 رقـم 2 نـحـوه، وکـذا کـنـز العـمـّال: 11:289 عـن الطـبـرانـي فـي الاوسـط، وابـن أبـي الحديد في شرح النهج: 2:271، والبحار: 41: 284 رقم 2).

ولمـّا بـويع عثمان عن مؤامرة الشوري، وزويت الخلافه عن أميرالمؤمنين عليّ(ع) مرّة ثالثه، رجـع جـنـدب (ره) إلي العـراق، وکـان کـلّمـا ذکـر للنـاس ‍ شـيـئاً مـن فضائل عليّ(ع) ومناقبه وحقوقه زبروه ونهروه، حتّي رُفع ذلک من قوله إلي الوليد بن عُقبه والي الکـوفـه يـومـذاک، فـبـعث إليه فحبسه، حتّي کُلِّم فيه فخلّي سبيله. (راجع: الارشاد: 1 :241 ـ 243، وأمالي الطوسي: 1:239، وشرح ابن أبي الحديد: 9:57).

[4] مـقـتـل الحـسـيـن (ع) / للخـوارزمـي:ج 2 ص 59 ـ 62 وانظر: الفتوح: 5: 144 ـ 146 وتـاريـخ الطـبـري: 3:337 والکـامـل فـي التـاريـخ: 3:297، والارشـاد: 2:117 وفـيـه: ((فـقـال ابـن زيـاد: عـليَّ به. فأخذته الجلاوزة، فنادي بشعار الازد، فاجتمع منهم سبعمائه رجل فانتزعوه من الجلاوزة، فلمّا کان الليلُ أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته، فضرب عنقه وصلبه في السبخه رحمه اللّه)). وانظر: ((اللهوف: 203 وأنساب الاشراف: 3 :413 ـ 414 وتذکرة الخواص: 232 ـ 233.