بازگشت

خطبة بطلة كربلاء


ولمـّا رأت العـقـيـله زيـنـب (س) الحـشود الكثيرة من أهالي الكوفه قد ملات الشوارع والطرق والسـكـك انـدفـعـت إلي الخـطـابـه وإلي التـبـليـغ وإلي تـبـيـان مـا جـري عـلي أهـل بـيـت النـبـوّة، وأخـذت تـحـمـّل أهـل الكـوفـه مـسـؤوليـه نـقـض العـهـد والبـيـعـه وقتل ريحانه رسول اللّه (ص)، وتوخز ضمائرهم وتحرق قلوبهم بتعريفهم عظم ما اجترحوا من جُرم، وقبح ما ألبسوا أنفسهم من عارٍ لايُغسل أبد الدهر!

قـال السـيـّد ابـن طـاووس (ره): ((قـال بـشـيـر بـن خزيم الاسدي: ونظرتُ إلي زينب بنت عليّ يومئذٍ، ولم أر خفرةً واللّه أنطق منها! كأنّها تُفرغ من لسان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)! وقد أومأت إلي النّاس أنِ اسكتوا فارتدّت الانفاس


وسكنت الاجراس!! ثمّ قالت:

الحـمـدُ للّه، والصـلاة عـلي أبـي مـحـمـّد وآله الطـيـبـيـن الاخـيـار! أمـّا بـعـدُ يـا أهـل الكـوفـه! يـا أهـل الخـتل والغدر! أتبكون!؟ فلارقأت الدمعه، ولاهدأت الرنّه! إنّما مـثـلكـم كـمـثـل التـي نـقـضـت غـزلهـا مـن بـعـد قـوّة أنـكـاثـاً، تـتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم! أ لاوهـل فـيـكم إلاّ الصَّلفُ النَّطِفُ، والصدر الشَّنِف، وملق الاماء، وغمز الاعداء، أو كمرعي علي دمـنه، أو كفضّه (كقصه خ ل) علي ملحودة!؟ أ لاساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون!

أتـبـكـون وتـنـتـحبون!؟ إيِ واللّه فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن تـرحـضـوهـا بـغـُسـل بـعـدهـا أبـداً! وأنـّي تـرحـضـون قـتـل سـليـل خـاتـم النـبـوّة، ومـعـدن الرسـاله، وسـيـّد شـبـاب أهـل الجـنـّه، ومـلاذ خـيـرتـكـم، ومـفـزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدره ألسنتكم!؟ ألاساء ما تـزرون، وبـعـداً لكـم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الايدي، وخسرت الصفقه، وبؤتم بغضب من اللّه، وضُربت عليكم الذّله والمسكنه!

ويلكم يا أهل الكوفه! أتدرون أيَّ كبد لرسول اللّه فريتم!؟ وأ يَّ كريمه له أبرزتم!؟ وأيَّ دم له سـفـكـتـم!؟ وأيَّ حـرمه له انتهكتم!؟ ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء ـ وفي بعضها ـ خرقاء شوهاء، كطلاع الارض أو ملاء السماء!

أفـعـجـبـتـم أن مـطرت السماء دماً!؟ ولعذاب الاخرة أخزي وأنتم لاتُنصرون! فلايستخفّنكم المهل، فإنّه لايحفزه البدار، ولايخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد!


قال الراوي: فواللّه لقد رأيت النّاس يومئذٍ حياري يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم! ورأيـت شـيـخـاً واقـفـاً إلي جـنـبـي يـبـكـي حـتـّي اخـضـلّت لحـيـتـه! وهـو يـقـول: بـأبـي أنـتـم وأمـّي كـهـولكـم خـيـر الكهول! وشبابكم خير الشباب! ونساؤكم خير النساء! ونسلكم خير نسل، لايخزي ولايُبزي!)). [1] .



پاورقي

[1] اللهـوف: 192 وانـظـر: أمـالي المـفـيد: 321 والفتوح: 5: 139 وأمالي الطوسي: 1:90 ومثير الاحزان: 86 ومناقب آل أبي طالب (ع) 4:115 والبحار: 45: 162.

وروي المـرحـوم الطـبـرسـي هـذه الخـطـبـه الغـرّاء، بـتـفـاوت وفـيـه زيـادة: ثـمّ أنـشـأت تقول:

ماذا تقولون إنْ قال النبيُّ لکم ماذا صنعتم وأنتم آخرُ الاُمم

بأهل بيتي وأولادي وتکرمتي منهم أساري ومنهم ضُرِّجوا بدم

ما کان ذاک جزائي اذ نصحت لکم أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي

إنّي لاخشي عليکم أن يحلَّ بکم مثلُ العذاب الذي أودي علي إرَمِ

ثمّ ولّت عنهم.

وفيه أيضاً: فقال علي بن الحسين (ع):

يا عمّه اسکتي! ففي الباقي عن الماضي اعتبار، وأنتِ بحمد اللّه عالمه غير مُعلَّمه، فهمةٌ غير مفهّمة، إنّ البکاء والحنين لايردّان من قد أباده الدهر!

فـسـکـتـت، ثـمّ نـزل (ع) وضـرب فـسـطـاطـه، وأنـزل نـسـاءه، ودخل الفسطاط.

الاحـتـجـاج: 2:109 / ويـلاحـظ فـي إضـافـه الطـبـرسـي (ره) أنّ قـوله: ((ثـم نـزل وضـرب فـسـطـاطـه وأنـزل نـسـاءه ودخـل الفـسـطـاط)) کـاشـف عـن أنّ مـا نـقـله مـن قـول الامـام السـجـاد(ع)، کـان قـد صـدر مـنـه إلي عـمّته (س) عند مشارف المدينه المنوّرة حين العودة إليها ـ علي احتمال أقوي ـ أو في کربلاء عند عودتهم إليها من الشام، ذلک لانّه (ع) لم يـکـن له فـسـطـاط فـي مـسـيـر السـبـي والاسـر، ولم يـکـن له أن يُنزل النساء باختياره حيث يشاء! فتأمّل!.