بازگشت

مسلم الجصاص يصف حال الكوفة يومذاك


قـال العـلاّمـه المـجلسي (ره): ((رأيت في بعض الكتب المعتبرة [1] روي مرسلاً عن مسلم الجـصاص قال: دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفه، فبينما أنا
أجصّص الابواب وإذا أنا بالزعقات [2] قد ارتفعت من جنبات الكوفه!

فأقبلت علي خادم كان معنا، فقلت: مالي أري الكوفه تضجُّ!؟

قال: الساعه أتوا برأس خارجيّ خرج علي يزيد.

فقلت من هذا الخارجي!؟

فقال: الحسين بن علي!

قال فتركت الخادم حتّي خرج ولطمتُ وجهي حتّي خشيتُ علي عيني أن تذهب! [3] وغسلت يدي مـن الجـصّ، وخـرجـت مـن ظـهـر القـصـر وأتـيـتُ إلي الكناس، فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصـول السـبـايـا والرؤوس، إذ أقـبـلت نـحـو أربـعـيـن شـقـّه [4] تـُحـمل علي أربعين جملاً، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمه (س)، وإذا بعليّ ابن الحسين (ع) عـلي بـعـيـر بـغـيـر وطـاء! وأوداجـه تـشـخـب دمـاً! وهـو مـع ذلك يـبـكـي ويقول:



يا أمّه السوء لاسقياً لربعكم

يا أمّه لم تراع جدَّنا فينا



لو أننا ورسول اللّه يجمعنا

يوم القيامه ما كنتم تقولونا



تسيّرونا علي الاقتاب عاريه

كأننا لم نشيّد فيكم دينا



بني أميَّه ما هذا الوقوف علي

تلك المصائب لاتُلبون داعينا [5] .



تصفّقون علينا كفّكم فرحاً

وأنتم في فجاج الارض تسبونا



أليس جدّي رسول اللّه ويلكم

أهدي البريّه من سُبْل المُضلِّينا






يا وقعه الطفّ قد أورثتني حزناً

واللّه يهتك أستار المسيئينا



قـال: وصـار أهـل الكـوفـه يـنـاولون الاطـفـال الذيـن عـلي المـحـامـل بـعـض التـمـر والخـبـز والجـوز، فـصـاحـت بـهـم أمُّ كـلثـوم وقـالت: يـا أهـل الكـوفـه! إنّ الصـدقـه عـليـنـا حـرام! وصـارت تـأخـذ ذلك مـن أيـدي الاطفال وأفواههم وترمي به إلي الارض.

قال كلّ ذلك والنّاس يبكون علي ما أصابهم!

ثمّ إنّ أمَّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم:

صـهٍ يـا أهـل الكـوفـه! تـقـتـلنـا رجالكم وتبكينا نساؤكم!؟ فالحاكم بيننا وبينكم اللّه يوم فصل القضاء!

فـبـيـنـمـا هـي تـخاطبهنّ إذا بضجّه قد ارتفعت، فإذاهم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (ع)، [6] وهـو رأسٌ زهـريُّ قـمـريُّ أشـبـه الخـلق بـرسـول اللّه (ص)، ولحـيـتـه كـسـواد السَّبـَج [7] قـد انـتـصـل مـنـهـا الخـضاب، ووجهه دارة قمر طالع! والرمح تلعب بها (كذا) يميناً وشمالاً، فالتفتت زيـنـب فـرأت رأس أخـيـها فنطحت جبينها بمقدَّم المحمل، حتّي رأينا الدّم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقه وجعلت تقول:



يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا

غاله خسفه فأبدي غروبا



ما توهمّت يا شقيق فؤادي

كان هذا مُقدَّراً مكتوبا



يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا






يا أخي قلبك الشفيق علينا

ماله قد قسي وصار صليبا؟



يا أخي لو تري عليّاً لدي الاسر

مع اليتم لايطيق وجوبا



كلّما أوجعوه بالضرب نادا

ك بذلّ يُغيض دمعاً سكوبا



يا أخي ضمّه إليك وقرّبه

وسكّن فؤاده المرعوبا



ما أذلّ اليتيم حين ينادي

بأبيه ولايراه مجيبا)) [8] .




پاورقي

[1] لايعرف السرَّ في عدم ذکر العلاّمه المجلسي (ره) إسم هذا الکتاب الذي وصفه من الکتب المعتبرة.

[2] قال ابن منظور: والزعق: الصياح. (لسان العرب: 6:46).

[3] وفـي هـذا إشـارة إلي أنّ مـسـلمـاً الجـصـاص کـان مـن مـحـبـيـّ أهل البيت (ع).

[4] والشِّقَّةُ: الشظيّة أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره. (لسان العرب: 10: 182).

[5] يُلاحظ في هذا البيت وما بعده ضعف ورکاکه ظاهرة، ولعلّ هذه الابيات من نظم آخرين ثمّ أُلحقت بالابيات الثلاثه الاولي، واللّه العالم.

[6] ظـاهـر هـذا الخـبـر يـخـالف الاخـبـار التـي مـضـت قـبـل هـذا، والمـصـرّحـه بأنّ رأس الامام (ع) أخذ من ساعته إلي ابن زياد بيد خولّي وحميد بن مسلم، إلاّ أن يُراد أنّ الرؤوس المقدّسه جيء من القصر بها إلي حيث يمرّ الرکب تلک الساعه داخل الکوفه. واللّه العالم.

[7] السَّبَج: حجر أسود شديد السواد برّاق.

[8] بحار الانوار: 45: 114 ـ 115.