بازگشت

كيف استقبلت الكوفة بقية الركب الحسيني


كانت الكوفه قد خرجت عن بكرة أبيها لتشهد احتفال ابن زياد بمقدم جيشه الظافر في الظاهر! ولتشهد بقايا العسكر الذي قاتله جيش عمر بن سعد، ولتتصفّح وجوه السبايا!

ومـن أهـل الكـوفـه مـن كـان يعلم بحقيقه مجري الاحداث، ويُدرك عِظَم المصاب وفظاعه الجنايه التـي ارتـكـبـتـهـا الكوفه بالاساس، ويدري أنّ السبايا المحمولين مع عمر بن سعد هم بقيّه آل النـبـيّ (ص)، وأنّ الرؤوس المـشـالات عـلي أطـراف الاسـنـّه هـي رؤوس ابـن رسـول اللّه (ص) وأهـل بـيـتـه وأصـحـابـه، وهـم خـيـر أهل الارض يومذاك، فكان يبكي لعظم الرزيّه!

ومـنـهم من كان أمويَّ الميل والهوي، أو جاهلاً لم يعلم بحقائق الاحداث، متوهّماً أنّ والي الكوفه وأمـيـرهـا قد فتح فتحاً جديداً علي ثغر من ثغور المسلمين! وجيء إليه بسبايا من غير المسلمين، فكان يضحك جهراً ويهنّيء من يلقاه بهذه المناسبه!!.

قـال صـاحـب ريـاض الاحـزان: ((وقـد مـُلئت شـوارعـهـا ـ أي الكـوفـه ـ وسـكـكـها وأزقّتها من الرجـال والنـسـوان والشـيـوخ والشـبـّان والصـبـايا والصبيان، من الموالي


والمخالف، وحزب الرحـمـن، وأوليـاء الشـيـطـان، مـنـهـم باك ومنتحب، ومنهم ضاحك وطرب، منهم عارف بالواقعه العـظـمـي وأنـهـا جـرت عـلي آل النـبـيّ مـحـمـد (ص)، ومـنـهـم جاهل غافل عن البلوي)). [1] .

وروي الشـيـخ الطـوسـي بـسـنـده عـن حـذلم بـن سـتـيـر [2] قـال: ((قـدمـت الكـوفـه فـي المـحرّم سنه إحدي وستين منصرف عليّ بن الحسين (ع) بالنسوة من كـربـلاء، ومـعـهـم الاجـنـاد يـحـيـطـون بـهـم، وقـد خـرج النـاس للنـظـر إليـهـم، فـلمـّا أقـبـل عـلي الجـمـال بغير وطاء جعل نساء الكوفه يبكين ويلتدمن! [3] فسمعت عليّ بن الحـسـيـن (ع) وهـو يـقـول بصوت ضئيل وقد نهكته العلّه، وفي عنقه الجامعه! ويده مغلوله إلي عنقه!: إنّ هؤلاء النسوة يبكين! فمن قتلنا!؟)). [4] .

ويقول اليعقوبي في تاريخه: ((وحملوهنّ إلي الكوفه، فلمّا دخلن إليها خرجت نساء الكوفه يصرخن ويبكين! فقال عليّ بن الحسين: هؤلاء يبكين!


فمن قتلنا!؟)). [5] .

ويقول ابن أعثم الكوفي: ((وساق القوم حرم رسول اللّه من كربلاء كما تساقُ الاساري! حتّي إذا بلغوا بهم إلي الكوفه خرج الناس إليهم فجعلوا يبكون وينوحون..)). [6] .

وقال السيد ابن طاووس (ره): ((قال الراوي: فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت: من أيّ الاساري أنتنّ؟ فقلن: نحن أساري آل محمد (ص)!!

فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنّ ملاء وأُزُراً ومقانع، وأعطتهنّ فتغطّينَ.)). [7] .

ويـصـف حـاجـب عـبـيـد اللّه بـن زيـاد حـال النـاس ذلك اليـوم فـيـقـول: ((.. ثـمّ أمـر بـعـليّ بـن الحـسـيـن (ع) فـغـُلَّ، وحـمـل مـع النـسـوة والسـبـايا إلي السجن، وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلاّ وجدناه ملاء رجالاً ونساء يضربون وجوههم ويبكون..!!)). [8] .


پاورقي

[1] ريـاض الاحـزان: 48 / ونـُقـل أيـضـاً عـن تـذکـرة الائمـّه للعـلاّمـه المـجـلسـي أ نـه ((قـال بـعـض النُظّار والمتفرجين لبعض شماته بهم: إنّ اللّه تعالي نِعم ما کافي هؤلاء به عـمـّا أحـدثـوه وابـدعـوه وفـعـلوه! وکـان هـو في ذلک إذ طارت من السماء حجارة وأصابت فمه وسقط ميّتاً لعنه اللّه)).

[2] فـي رجـال الشـيـخ الطـوسـي: 113 ورد إسـمـه ((حـذيـم بـن شـريک الاسدي))، وروي الطـبـرسـي فـي کـتـابـه الاحـتـجـاج عـنـه حـديـث ورد الامـام السـجـّاد(ع) الکـوفـه مـع أهـل البـيـت، وخـطـبـه زيـنب الکبري في الکوفه. (راجع: الاحتجاج: 2:320 رقم 322)، وفي البـحـار: 45:108 ((بـشـيـر بـن خـزيـم الاسـدي))، وفـي مـسـتـدرکـات عـلم رجال الحديث: 2:37: ((بشير بن جزيم الاسدي: لم يذکروه، وهو راوي خطبه مولاتنا زينب (س) بالکوفه.)).

[3] التـدمـت المـرأة: ضـربـت صـدرهـا فـي النـيـاحـه، وقيل: ضربت وجهها في المآتم.

[4] أمـالي الطـوسـي: 91، واللهـوف: 192، وأمـالي المـفـيـد: 320، والفصول المهمه: 192، والمنتخب للطريحي: 350.

[5] تاريخ اليعقوبي: 2:177.

[6] الفتوح: 5:139.

[7] اللهوف: 191.

[8] أمالي الشيخ الصدوق: 140 المجلس 31 حديث رقم 3.