بازگشت

اشارة


تـؤكّد جميع الروايات التي تتناول الحديث في حاله الامام زين العابدين (ع) في كربلاء علي أنّه كان مريضاً، ولم يرد في المصادر التاريخيه إلي أي فترة استمرّ به هذا المرض، لكنّ المـسـتـفـاد مـن بـعـض الاشـارات التـاريـخـيـه أنـه (ع) كـان لم يزل مريضاً ناحلاً ضعيفاً حتّي في الشام.

وقـد ذهـب بـعـضـهـم إلي أنـّه قـد أ صـيـب بـعـيـن فـمـرض، كـمـا ذهـب إلي ذلك أحـمـد ابـن حـنـبـل حـيـث زعـم ـ عـلي مـا ذكـره ابـن شـهـرآشـوب ـ أنـّه (ع) كـان أُلبـس درعـاً ففضل عنه، فأخذ الفضله بيده ومزّقه فصار سبباً لمرضه! [1] .

واسـتـبـعـد ذلك آخـرون، وقـالوا إنّ الامـر أهـمّ وأعـظـم مـمـّا ذهـب إليـه ابـن حـنبل، إذ إنَّ إرادة الباري تعالي تعلّقت بضرورة بقائه (ع) بعد أبيه (ع) لانّه من مصاديق ((بـقـيّه اللّه))، وحلقه من حلقات سلسله الامامه المباركه، فشاء اللّه تعالي أنّ يكون مريضاً تلك الايام حتّي يسقط عنه الجهاد بين يدي أبيه، ليحفظ بذلك، ولتحفظ به سلسله الامامه الكبري. [2] .

ولامـنـافاة بين أن يكون لمنشاء مرضه سببُ في الخارج، وبين أن تكون الغايه من مرضه حفظ سلسله الامامه، فالامور بأسبابها.


ونريد هنا أن ننبّه إلي أنّ مرضه (ع) وإن كان سبباً مساعداً في انصراف الاعداء عن قتله لانهم كـانـوا يـرونـه قـاب قـوسـيـن مـن أجـله لما به من شدّة المرض! لكنّ مرضه (ع) لم يكن السبب الرئيـس فـي انـصـرافـهـم عـن قـتـله، بـل كـان السـبـب الرئيـس فـي حـفـظـه مـن القـتـل ذلك المـوقـف الفـدائي العـظـيـم الذي قـامـت به عمّته زينب (س)، حيث تعلّقت به وقالت مخاطبه شمراً: ((حسبك من دمائنا! واللّه لاأفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه!)). [3] .

وقـد تـكـرّر مـنها (س) هذا الموقف الفدائي العظيم في الكوفه في قصر عبيداللّه ابن زياد لعنه اللّه، حـيـث طـرحـت نـفـسـهـا عـلي ابـن أخـيـهـا (ع) وقـالت: ((لايُقتل حتّي تقتلوني!...)). [4] .

وهـنـا يـنـبـغي أيضاً أن ننبّه إلي أننا نشكُّ شكّاً قويّاً في الدور الايجابي الذي صوَّره حميد بن مسلم لنفسه في الذود عن حياة الامام زين العابدين (ع) وفي صرف شمر بن ذي الجوشن عن قتله ـ بـل يـمـتـدّ شكّنا إلي جميع الادوار الايجابيّه الاخري التي رسمها حُميد بن مسلم لنفسه ـ علي ما ورد في روايات ابن جرير الطبري في تأريخه، وفي تواريخ الذين أخذوا عنه بلاتدبّر!

ذلك لانّ حـمـيـد بـن مـسـلم الازدي هـذا كـان مـنـتـمـيـاً انتماءً صريحاً إلي معسكر عمر بن سعد يوم عـاشـوراء! ويـتـضـح مـن مـجموع رواياته أنّه كان وجيهاً من وجهاء هذا المعسكر معروفاً عند قادته وقـريـباً منهم! ويكفي في الدلاله علي هذا أنّه وخولّي بن يزيد الاصبحي حملا رأس الامام (ع) إلي ابن زياد [5] بتكليف من عمر


بن سعد! ثمّ إنّ جميع الادوار الايجابيّه ـ إذا صحّ هذا الاطـلاق ـ التـي ظاهرها أنه تأ ثر لاهل البيت (ع) أو دفع عنهم شرّاً، إنّما رويت من طريقه هو وهـذا مـا يـدعـو ـ عـلي الاقـلّ ـ إلي التـحـفـظّ عـن تـصـديـقـهـا، وإلي التأمّل فيها.


پاورقي

[1] راجع: مناقب آل أبي طالب (ع): 4:142.

[2] فـي مـقـتـل الحـسـيـن (ع) / للخـوارزمـي: 2:36 / يـقـول الخـوارزمـي: ((فـخـرج عـلي بـن الحـسـيـن وهـو زيـن العابدين، وهو أصغر من أخيه عليّ القـتـيـل، وکـان مـريـضـاً، وهـو الذي نـَسـَلَ آل مـحـمـّد(ع)، فـکـان لايـقـدر عـلي حـمـل سـيـفـه، وأمّ کـلثـوم تـنـادي خـلفـه: يـا بـُنـيّ ارجـع! فـقـال: يـا عـمـّتـاه! ذريـنـي أقـاتـل بـيـن يـدي ابـن رسـول اللّه! فـقـال الحـسـيـن: يـا أمَّ کـلثـوم! خـذيـه وردّيـه، لاتـبـقَ الارضُ خـاليـه مـن نسل آل محمّد!)).

[3] الارشاد: 2:116.

[4] راجع: الارشاد: 2:116 واللهوف: 202 ومثير الاحزان: 91.

[5] راجع: الارشاد: 2:113.