بازگشت

بعض تفاصيل الحملة الاولي


يظهر من المتون التأريخية أنّ الحملة الاولي كان قد شنّها جيش عمر بن سعد علي جيش الامام (ع) عقيب المبارزة التي قتل فيها عبداللّه بن عمير الكلبي (رض) كُلاًّ من يسار مولي زياد بن أبيه، وسالم مولي عبيداللّه بن زياد، يروي الطبري بداية الحملة الاولي فيقول: (وحمل عمرو بن الحجّاج [1] وهو علي ميمنة الناس في الميمنة، [2] فلمّا أن دنا من حسين جثوا علي الرُكَبِ وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم علي الرماح،فذهبت الخيل لترجع، فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا منهم آخرين..). [3]

وروي الطبري عمّن سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسين (ع) أنّه كان يقول: (يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرَقَ من الدين وخالف الامام!!

فقال له الحسين: يا عمرو بن الحجّاج! أعليَّ تِحرّض الناس!؟ أنحن مرقنا


وأنتم ثبتم عليه!؟ أما واللّه لتعلمُنَّ لو قد قُبضت أرواحكم ومِتُّمُ علي أعمالكم أيّنا مرق من الدين، ومن هو أولي بصلي النّار!؟...).

ثُمَّ إنَّ عمرو بن الحجّاج حمل علي الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات فاضطربوا ساعة، فصُرع مسلم بن عوسجة الاسدي، أوّل أصحاب الحسين، ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه، وارتفعت الغبرة فإذا هم به صريع، فمشي إليه الحسين فإذا به رمق، فقال: رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة! منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا!

ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنّة!

فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير.

فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لاحببتُ أن توصيني بكلّ ما أهمَّك، حتي أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين.

قال: بل أنا أوصيك بهذا رحمك اللّه وأهوي بيده إلي الحسين أن تموت دونه!

قال: أفعلُ وربّ الكعبة!

قال فما كان بأسرع من أن مات بأيديهم!

وصاحت جارية له فقالت: يا ابن عوسجتاه يا سيّداه!

فتنادي أصحاب عمرو بن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة!

فقال شبث لبعض مَن حوله مِن أصحابه: ثكلتكم أمّهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذللّون أنفسكم لغيركم! تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن


عوسجة!؟ أما والذي أسلمتُ له، لرُبَّ موقف لهقد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سَلق آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تتامّ خيول المسلمين!أفيُقتل منكم مثله وتفرحون!؟

قال وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة: مسلم بن عبداللّه الضبّابي،وعبدالرحمن بن أبي خُشكارة البجلي...). [4] .

زيارة الناحية المقدّسة تؤيّد أنّ مسلم بن عوسجة (رض) أوّل شهداء الحملة الاولي، أي أوّل شهداء الطفّ رضوان اللّه تعالي عليهم، فقد ورد فيها السلام علي مسلم ابن عوسجة هكذا:

(السلام علي مسلم بن عوسجة الاسديّ،القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف: أنحن نخلّي عنك!؟ وبمَ نعتذرعند اللّه من أداء حقّك؟ لا واللّه حتي أكسر في صدورهم رمحي هذا! وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي! ولا أفارقك،ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة! ولم


أفارقك حتي أموت معك! وكُنت أوّل من شري نفسه،وأوّل شهيد شهد للّه وقضي نحبه، ففزتَ وربّ الكعبة، شكراللّه استقدامك ومواساتك إمامك، إذ مشي إليك وأنت صريع فقال: يرحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة. وقراء:(فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا)، لعن اللّه المشتركين في قتلك: عبداللّه الضبّابي، وعبداللّه بن خُشكارةَ البجلي، ومسلم بن عبداللّه الضبّابي.). [5]


پاورقي

[1] مرّت بنا ترجمة موجزة لعمرو بن الحجّاج لعنه الله في الجزء الثاني من هذه الدراسة (مع الرکب الحسيني من المدينة الي المدينة) في ص 343 منه، و نضيف إليها هنا ما يتعلّق بنهاية هذا الظالم الآثم: يقول الدينوري: «وهرب عمرو بن الحجّاج وکان من رؤساء قتله الحسين يريد البصرة، فخاف الشماتة، فعدل الي سراف فقال له أهل الماء: إرحل عنّا، فإنّا لا نأمن المختار. فارتحل عنهم، فتلاوموا و قالوا: قد أسأنا! فرکبت جماعة منهم في طلبة ليردّوه، فلمّا رآهم من بعيد ظنّ أنهم من اصحاب المختار، فسلک الرّمل في مکان يدعي «البييضة» و ذلک في حمّارة القيظ، و هي فيما بين بلاد کلب وبلاد طي، فقال فيها فقتله ومن معه العطش». (الأخبار الطوال: 303).

[2] أي في ميمنة جيش عمربن سعد، والظاهرأن الاصل ان تهجم الميمنة علي ميسرة الجيش المقابل، لأنها تکون المقابلة لها.

[3] تاريخ الطبري:3:323 و انظر: الارشاد:2:102.

[4] تاريخ الطبري: 326:3 وانظر: الإرشاد: 2:103-104 والمنتظم لابن الجوزي: 339:5 و البداية و النهاية لابن کثير: 182:8 وجواهر المطالب للباعوني:286:2 - وأمّا ما ورد في مناقب ابن شهر آشوب: 101:4 «ثم برز مسلم بن عوسجة مرتجزاً:



إنْ تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد

من فرع قوم في ذري بني أسد



فمن بغانا حائدٌ عن الرشد

و کافر بدين جبّار صمد



وفي اللهوف: 161، «ثم خرج مسلم بن عوسجة فبالغ في قتال الاعداء، وصبر علي أهوال البلاء حتي سقط إلي الأرض وبه رمق، فمشي إليه الحسين عليه السلام...».

فلا دلالة فيه علي أنَّ مسلماً (رض) قتل مبارزة بعد الحملة الأولي، بل إنّ «ثمّ» الموجودة في بعض کتب التواريخ و المقاتل لاتدلَّ علي ترتيب وقائع الأحداث فعلاً، ولعلّ المتأمّل في سياقات کتاب اللهوف خاصة يري هذه الحقيقة واضحة.

[5] البحار:45:69-70.