بازگشت

الحر بن يزيد الرياحي... و الموقف الخالد


قال الشيخ المفيد(ره): (فلمّا رأي الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا علي قتال الحسين (ع) قال لعمر بن سعد: أَيْ عُمر! أمقاتلٌ أنت هذا الرجل!؟

قال: إي واللّه، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الايدي!!

قال: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضي!؟


قال عمر: أما لو كان الامرُ إليَّ لفعلت! ولكنّ أميرك قد أبي.

فأقبل الحرُّ حتي وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له قُرّة بن قيس، فقال: يا قُرّة هل سقيت فرسك اليوم؟

قال: لا!

قال: فما تريد أن تسقيه؟

قال قُرّة فظننتُ واللّه أنّه يُريد أن يتنحّي فلايشهد القتال، ويكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له: لمْ أسقِه،وأنا منطلق فأسقيه.

فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فواللّه لو أنّه أطلعني علي الذي يُريد لخرجت معه إلي الحسين بن عليّ(ع). [1]

فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد، أتريد أن تحمل؟

فلم يجبه وأخذه مثل الافكل وهي الرعدة فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمريب!! واللّه ما رأيت منك في موقف قطُّ مثلَ هذا، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك! فما هذا الذي أري منك!؟


فقال له الحر: إنّي واللّه أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنار! فواللّه لا أختار علي الجنّة شيئاً ولو قُطِّعتُ وحُرّقت!

ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين (ع) فقال له: جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعتُ بك في هذا المكان، وما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم! ولايبلغون منك هذه المنزلة! واللّه لو علمتُ أنّهم ينتهون بك إلي ما أري ماركبت منك الذي ركبت، وإنّي تائب إلي اللّه مما صنعتُ! فتري لي من ذلك توبة؟ [2] .

فقال له الحسين (ع): نعم، يتوب اللّه عليك،فانزل. [3] .

قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أُقاتلهم علي فرسي ساعة، وإلي النزول ما يصير آخر أمري.

فقال له الحسين (ع): فاصنع يرحمك اللّه ما بدالك.

فاستقدم أمام الحسين (ع) [4] .ثم قال:


يا أهل الكوفة، لاُمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ! أدعوتم هذا العبد الصالح حتّي إذا أتاكم أسلمتموه!؟ وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه!؟ أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد اللّه العريضة! [5] فصار كالاسير في أيديكم لايملك لنفسه نفعاً ولايدفع عنها ضرّاً! وحلاتموه ونساءَه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصاري والمجوس! وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش! بئس ما خلفتم محمّداً في ذرّيته، لاسقاكم اللّه يوم الظماء الاكبر. [6]

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل!فأقبل حتّي وقف أمام الحسين (ع)). [7] .


پاورقي

[1] کان الحرّ (رض) بعلم أنّ قرّة بن قيس لعنه الله ليس ممّن يتأسي بالأحرار لنصرة الحق وأهله، بل هو من المشلولين نفسيّاً الذين يکذبون حتّي علي أنفسهم، والاّقوي أنّ الحرّ (رض) خشي من قرَّة - لو أطلعه علي نيّته و عزمه - أن يفشي أمره و يمنعه من تحقيق غايته، و لذا کتم عليه نيّته و عزمه، و الدليل علي کذب قرّة بن قيس نفس بقائه في جيش ابن سعد حتّي بعد التحاق الحرّ (رض) بالإمام عليه السلام، بل لقد أصرّ قرّة هذا علي مناصرة و حماية أهل الضلال حتّي بعد تزعزع کيانهم، فقد بعثه مسعود بن عمرو الأزدي علي رأس مائة من الأزد لحماية ابن زياد حتّي القدوم به إلي الشام بعد أن طرده أهل البصرة منها (راجع: الإمام الحسين عليه السلام في مکة المکرّمة:34).

[2] في تاريخ الطبري: 320:3 «... والله الذي لاإله إلاّ هو ما ظننت أنَّ القوم يردّون عليک ما عرضت عليهم أبداً، ولايبلغون منک هذه المنزلة، فقلت في نفسي لاأبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولايرون أنّي خرجت من طاعتهم، و أمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، و والله لو ظننت أنهم لايقبلونها منک مارکبتها منک، وإنّي قد جئتک تائباً ممّا کان منّي إلي ربّي، و مواسياً لک بنفسي حتي أموت بين يديک، أفتري ذلک لي توبة؟».

[3] في تاريخ الطبري: 320:3 «... نعم يتوب الله عليک و يغفر لک، ما أسمک؟ قال: أنا الحرّ بن يزيد. قال أنت الحرّ کما سمّتک أمّک! أنت الحرّ في الدنيا و الآخرة! إنزل...».

[4] في المصدر (الإرشاد: 100:2): «فاستقدم أمام الحسين عليه السلام،ثمّ أنشأ رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقول:



لنعم الحرُّ حرُّ بني رياحِ

وحُرُّ عند مختلف الرماحِ



ونِعم الحرُّ إذْ نادي حسينٌ

و جاد بنفسه عند الصباحِ»



و لکنّ الطبري لم يورد هذه الأبيات داخل سياق إلتحاق الحرّ (رض) بالإمام عليه السلام، کما أنّ المشهور أنّ هذه الأبيات قيلت بعد مصرعه (رض).

[5] في تاريخ الطبري: 320:3 «... فمنعتموه التوجّه في بلاد الله العريضة حتّي يأمن و يأمن أهل بيته، و أصبح في ايديکم کالأسير...».

[6] و کذلک في تأريخ الطبري: «لاسقاکم الله يوم الظمأ إنّ لم تتوبوا و تنزعواعمّا أنتم عليه من يومکم هذا في ساعتکم هذه. فحملت عليه رجّالة لهم ترمية بالنبل...».

[7] الارشاد: 2:99-101.