بازگشت

هل اشترك اهل الشام في واقعة الطف؟


ذهب المسعودي إلي أنّ واقعة الطفّ لم يحضرها شاميُّ، حيث قال: (وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولّي قتله من أهل الكوفة خاصة، لم يحضرهم شاميُّ...)، [1] لكنّ هناك متوناً تأريخية قد يُستفاد منها أنّ أهل الشام قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، منها:

ما رواه ابن سعد في طبقاته قائلاً: (ودعا رجل من أهل الشام عليَّ بن حسين الاكبر و أمّه آمنة بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمّها بنت أبي سفيان ابن حرب فقال: إنَّ لك بأميرالمؤمنين قرابة ورحماً، فإنْ شئت آمنّاك وامضِ حيث ما أحببت فقال: أما واللّه لقرابة رسول اللّه (ص) كانت أولي أن تُرعي من قرابة أبي سفيان،ثمّ كرّ عليه...). [2] .


وما رواه ابن عبد ربّه قائلاً: (ورأي رجل من أهل الشام عبداللّه بن حسن بن عليّ وكان من أجمل النّاس فقال: لاقتلنّ هذا الفتي...). [3] .

وما رواه ابن قتيبة قائلاً: (قال الامام عليّ بن الحسين (ع): فممّا فهمته وعقلته يومئذٍ مع علّتي وشدّتها أنّه أُتي بي إلي عمر بن سعد، فلمّا رأي ما بي أعرض عنّي فبقيت مطروحاً لما بي، فأتاني رجل من أهل الشام فاحتملني فمضي بي وهو يبكي...). [4] .

وما رواه ابن أعثم الكوفي قائلاً: (ثمّ حمل رضي اللّه عنه أي عليّ الاكبر(ع) فلم يزل يقاتل حتّي ضجّ أهل الشام من يده ومن كثرة من قتل منهم...). [5] .

وورد في كتاب مناقب آل أبي طالب (ع): (عندما صاح القاسم بن الحسن: ياعمّاه. حمل الحسين علي قاتله عمر بن سعيد الازدي فقطع يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين..)، [6] وفيه أ يضاً:(وبعث ابن زياد شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف من أهل الشام...). [7] .


وممّا رواه الشيخ الصدوق (ره): (..وأقبل عدوّ اللّه سنان بن أنس الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري في رجال من أهل الشام حتّي وقفوا علي رأس الحسين (ع)،فقال بعضهم لبعض: ما تنظرون!؟ أريحوا الرجل...). [8] .

ومّما رواه الشيخ الكليني (ره) عن الامام الصادق (ع) أنه قال: (.. تاسوعاء يومٌ حوصر فيه الحسين (ع) وأصحابه رضي اللّه عنهم بكربلا، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه...). [9] .

وممّا يُلاحظ علي هذه المتون أنّ مصطلح (أهل الشام) فيها ربما كان المراد منه وهذا هو الاظهر والاقوي: هوية إنتماء هذا الجيش سياسياً (الهويّة السياسية) لا أنَّ هذا الجيش متكوّن من أفرادهم من سكّان الشام، وممّا يؤكّد هذا: ما ورد في رواية الكليني (ره): (واجتمع عليه خيل الشام...)، وما ورد في رواية ابن أعثم الكوفي (حتّي ضجَّ أهل الشام من يده ومن كثرة من قتل منهم..)، وما ورد في رواية المناقب (وسلبه أهل الشام من يد الحسين)، فإنّ المراد في كلّ هذه المتون الثلاثة هو جيش ابن زياد المتألّف جُلّه من أهل الكوفة وقبائلها، ومن الادلّة علي ذلك أنّ ما ورد في هذه المتون الثلاثة ذكرته مصادر أخري بدون مصطلح (أهل الشام) بل أشارت إلي أنّ أولئك هم أهل الكوفة.

نعم، قد يكون أظهر هذه المتون دلالة علي حضورأهل الشام ما ورد في كتاب مناقب آل أبي طالب (ع): (وبعث ابن زياد شمر بن ذي


الجوشن في أربعة آلاف أيّام التعبئة لم تذكر أنّ هؤلاء كانوا من أهل الشام، [10] ويضاف إلي هذا أنّ المصادر التأريخية أيضاً لم تذكر أنَّ واحداً أو أكثر من القادة العسكريين الشاميين قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، ولوأنّ بعض القطعات العسكرية الشاميّة كانت قد حضرت كربلاء، لكان التأريخ قد ذكر القادة العسكريين الذين كانوا أمراءعليها، وهذا مالم نعثر عليه حسب متابعتنا في المصادر التأريخيّة المبذولة.

من هنا نقول: إننا لانقطع كما يقطع المسعوديّ أنَّ جيش ابن زياد لم يحضر فيه حتي شاميُّ واحد بل نقول: من الممكن العادي أن يحضر في جيش ابن زياد أفراد متفرّقون كثيرون من الشام، بل لعلَّ من غير الممكن أنّ لايتحقق هذا،ذلك لانّه لابدّ للسلطة المركزية في الشام من مراسلين وجواسيس شاميين يعتمدهم يزيد بن معاوية، يواصلونه بكلّ جديد عن حركة الاحداث في العراق عامّة والكوفة خاصة.

لكننا نقطع: بأنّ الشام لم يبعث الي ابن زياد بأيّة قطعات عسكرية شاميّة للمساعدة في مواجهة الامام الحسين (ع)، وذلك لخلوّ التأريخ من أية إشارة معتبرة تفيد ذلك،بل التأريخ يشير من خلال دلائل كثيرة إلي أنّ ابن زياد أراد أن يثبت ليزيد قدرته الادارية الفائقة من خلال الاكتفاء بتعبئة الكوفة فقط للقضاء علي الامام (ع) وأصحابه رضوان اللّه تعالي عليهم.

وإنّ من يتابع هذا المعني الذي قدّ مناه في المصادر التأريخية يجده واضحاً بيّناً.



پاورقي

[1] راجع: مروج الذهب:71:3 و عنه ابن الجوزي في تذکرة الخواص:226.

[2] راجع: ترجمة الإمام الحسين عليه السلام و مقتله؛ من القسم غير المطبوع من کتاب الطبقات الکبير لابن سعد، تحقيق السيّد عبدالعزيز الطباطبائي (ره)، ص 73، ويلاحظ هنا أنّ ابن سعد ذکر أنّ أمّ علي الأکبر هي آمنة، لکنّ المحقّق المرحوم السيّد المقرّم في کتابه القيّم: «عليّ الأکبر» ذکر أنّ إسمها الشريف (ليلي) و قال: «وما ذکرناه من إسمها نصّ عليه الشيخ المفيد في الإرشاد، والطبرسي في إعلام الوري، واختاره ابن جرير في التأريخ، وابن الأثير في الکامل، واليعقوبي في تاريخه، و السهيلي في الروض الآنف». (کتاب علي الأکبر عليه السلام، للمقرّم:9).

[3] راجع العقد الفريد:125:5.

[4] عيون الاخبار:106و شرح الاخبار: 157:3.

[5] الفتوح: 131:5.

[6] مناقب آل ابي طالب عليهم السلام 109:4.

[7] نفس المصدر: 98:4.

[8] أمالي الشيخ الصدوق: 138المجلس الثلاثون، حديث رقم 1.

[9] الکافي: 4، کتاب الصيام: 147، حديث رقم 7.

[10] راجع مثلا: الفتوح 157:5 و الارشاد: 95:2 و مقتل الحسين عليه السلام للمقرم: 200.