بازگشت

انصار الامام الحسين


قبل الحديث حول أنصار الامام الحسين (ع)، في عددهم، واءسمائهم،واءنسابهم، وكلّ ما يتعلّق بهم، لابدّ من الحديث ولو علي نحو الاشارة في علوّ منزلتهم، وسموّ مقامهم، وخصوصية تلك المنزلة وذلك المقام.

وحيث يعجز البيان، وتقصر قدرة العارف البليغ عن بلوغ الغاية في وصف هذه النخبة المصطفاة التي اختارها اللّه تبارك وتعالي لتكون رمز الانسانية (لنصرة الحقّ) علي مرّ الدهور وإلي قيام الساعة، كان لابدَّ من الرجوع في وصف هؤلاء الانصار الكرام إلي سادة البيان ومعدن العلم والحكمة،اءهل البيت (ع)، إذ هم خير واءقدر من يستطيع القيام بمهمّة تعريف البشرية بهذه الكوكبة الفذّة الفريدة من أنصار الحقّ، ولعلّ اءوّل واءولي وصف لهم بلغ الغاية في تعريفهم، هو ما وصفهم به الامام الحسين (ع) نفسه، حين جمع أصحابه عند قرب مساء ليلة عاشوراء ليلقي إليهم بإحدي كلماته الخالدة يقول الامام زين العابدين عليّ بن الحسين (ع) في نقله تفاصيل هذه الواقعة:

(فدنوت لاسمع ما يقول لهم، واءنا إذْ ذاك مريض، فسمعتُ أبي يقول لاصحابه:

اءُثني علي اللّه أحسن الثناء، واءحمده علي السرّاء والضرّاء، اءَللهمّ إنّي أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن،وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا


أسماعاً واءبصاراً و اءفئدة،فاجعلنا من الشاكرين.

اءمّا بعدُ: فإنّي لاأعلم أصحاباً أوفي ولاخيراً من أصحابي،ولاأهل بيت أبرَّ ولاأوصل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه عنّي خيراً...). [1] .

وهذا القول علي إطلاقه (لاأعلم أصحاباً أوفي ولاخيراً من اءصحابي، ولاأهل بيت أبرَّ ولا أوصل من اءهل بيتي) صادر عن الامام المعصوم الذي وهبه اللّه علم ما كان و مايكون إلي قيام الساعة، [2] فمفاد هذا النصّ الشريف إذن هو أنّ أنصار الامام الحسين (ع) من اءهل بيته وصحبه الكرام علي مرتبة من الشرف والسموّ ورفعة المقام بحيث لم يسبقهم إليها سابق ولا يلحق بهم لاحق.

ويؤكّد هذا المفاد ما ورد عن الامام الباقر(ع) فيما رواه عن أميرالمؤمنين عليّ(ع)، حيث قال:

(خرج عليّ يسير بالنّاس، حتّي إذا كان بكربلاء علي ميلين أوميل تقدّم بين أيديهم حتّي طاف بمكان يُقال لها المقذفان، فقال: قُتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء، لايسبقهم من


كان قبلهم،ولا يلحقهم من بعدهم.). [3] .

فشهداء الطفّ إذن أعلي مقاماً واءشرف رتبة حتّي من شهداء بدر. [4] .


ولسمّو منزلتهم كان رسول اللّه (ص) قد حفر لهم قبورهم! فقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه شيخ الطائفة بسنده عن غياث بن إبراهيم، عن الامام الصادق (ع) أنه قال:

(اءصبحت يوماً أمّ سلمة تبكي، فقيل لها: ممّ بكاؤك؟ قالت: لقد قُتل ابني الحسين الليلة، [5] وذلك أنّني ما راءيت رسول اللّه (ص) منذ مضي إلا الليلة، فراءيته شاحباً كئيباً،فقالت: قلت: مالي أراك يا رسول اللّه شاحباً كئيباً؟قال: مازلت الليلة أحفر القبور للحسين واءصحابه (ع)). [6] .

و من خصائص شهداء الطفّ(ع) أنّهم كُشف لهم الغطاء فراءوا جزاء ثباتهم وشجاعتهم وإصرارهم علي التضحية مع ابن رسول اللّه (ص)، حيث راءوا منازلهم في الجنّة وذلك بعد سلسلة الامتحانات التي امتحنهم الامام (ع) بها فكانوا أهلاً لهذا الكشف المبين واءحقَّ به، فقد روي عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه،عن أبي عبداللّه (ع)، قال: قلت له: أخبرني عن أصحاب الحسين(ع) وإقدامهم علي الموت! فقال (ع):

(إنّهم كُشف لهم الغطاء حتّي راءوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم يقدم علي القتل ليبادر إلي حوراء يعانقها وإلي مكانه من الجنّة!). [7] .


ولقد أشير إلي ذلك في زيارة الناحية المقدّسة: (اشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء، ومهّد لكم الوطاء، واءجزل لكم العطاء..). [8] .

وقد اعترف الاعداء أنفسهم بشجاعة وعجيب ثبات أنصار الامام (ع)،فهذا عمرو بن الحجّاج الزبيدي لعنه اللّه، وهو من قادة الجيش الامويّ في كربلاء يوم عاشوراء، يخاطب جيش الضلالة قائلاً: (ياحمقي! أتدرون من تقاتلون!؟ إنّما تقاتلون نقاوة فرسان اءهل المصر، وقوماً مستقتلين مستميتين، فلايبرزنّ لهم منكم اءحد...). [9] .

ويستغيث عروة (عزرة) بن قيس وهو قائد خيل جيش الضلال باءميره عمر بن سعد قائلاً: (اءما تري ما تلقي خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة...). [10] .

(وقيل لرجل شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرّية رسول اللّه (ص)!؟ فقال: عضضت بالجندل! [11] إنك لوشهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا! ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها، كالاسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتُلقي أنفسها علي الموت، لاتقبل الامان! ولاترغب في المال!


ولايحول حائل بينها وبين الورود علي حياض المنيّة أو الاستيلاء علي الملك! فلو كففنا عنها رويداً لاتت علي نفوس العسكربحذافيرها! فما كنّا فاعلين لاأُمَّ لك!؟). [12] .


پاورقي

[1] راجع: الارشاد، 2:91؛ وتاءريخ الطبري، 3:315؛والکامل في التاءريخ، 4:57.

[2] روي الکليني (ره) في حديث صحيح: عن محمّد بن يحيي، عن اءحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الکناسي قال: سمعت أباجعفر(ع) يقول وعنده أُناس من أصحابه:(عجبتُ من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم کطاعة رسول اللّه (ص) ثمَّ يکسرون حجّتهم ويخصمون اءنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا، ويُعيبون ذلک علي من اءعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا والتسليم لامرنا، أترون أنّ اللّه تبارک وتعالي افترض طاعة أوليائه علي عباده ثمَّ يُخفي عنهم اءخبار السموات والارض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم!؟...) (الکافي: 1: 261-262 حديث رقم 4 / دارالاضواء بيروت).

[3] بحار الانوار، 41: 295، باب 114، حديث رقم 18.

[4] وإن کانت بعض الروايات قد ألحقت شهداء بدر بشهداء کربلاء في رتبتهم، کما روي الطبراني بسنده المتّصل إلي شيبان بن مخرم وکان عثمانيّا! حيث قال: إنّي لمع عليّ(رض) إذ أتي کربلاء فقال: (يُقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلاّ شهداءبدر) (المعجم الکبير، 3:111 رقم 2826).

ويُتحفّظ علي هذه الرواية من جهتين علي الاقلّ الاولي: أنه يُستبعد من رجل عثمانيّ الميل والهوي مثل شيبان بن مخرم بما لهذا المصطلح السياسي من دلالة فکرية وعملية آنذاک أن يشترک مع عليّ(ع) في صفّين ضدّ معاوية.

والثانية: أنّ في سند هذه الرواية (کما في المصدر): أبوعوانة يرويها عن عطاء بن السائب، وقال عبّاس الدوري في عطاء (وعباس الدوري: هو أبوالفضل عبّاس بن محمّد بن حاتم بن واقد الدوري ثم البغدادي / وصفه الذهبي بقوله: الامام الحافظ الثقة الناقد.. اءحد الاثبات المصنّفين / راجع: سير أعلام النبلاء: 12:522 رقم199): عطاء بن السائب اختلط فمن سمع منه قديماً، فهو صحيح،وما سمع منه جرير و ذووه ليس من صحيح حديث عطاء، وقد سمع اءبوعوانة من عطاء في الصحّة وفي الاختلاط جميعاً ولايحتجّ بحديثه.).

(وقال عنه ابن عدي: وعطاء اختلط في آخر عمره.. ومن سمع منه بعد الاختلاط فاءحاديثه فيها بعض النُکرة.).

(وقال العجلي عنه: فاءمّا من سمع منه بآخرة فهو مضطرب الحديث.. عطاء بآخرة کان يتلقّن إذا لقّنوه في الحديث، لانه کان غيرصالح الکتاب.

(وقال أبوحاتم: کان محلّه الصدق قبل أن يختلط، صالح مستقيم، ثمّ بآخرة تغيّر حفظه، وفي حديثه تخاليط کثيرة).

(راجع: تهذيب الکمال، 20:86 رقم 3934، وسير أعلام النبلاء،6:110 رقم 30، والجرح والتعديل، 6:330 رقم 1839).

[5] لعلّ مرادها(رض) من قولها: (لقدقُتل ابني الحسين الليلة) هو أنها علمت بمقتله (ع) ليلة الرؤيا،وإلاّ فإنَّ الثابت المشهور هو أنّه قُتل يوم العاشر من المحرم سنة 61 ه‍. ق بعد الظهر.

[6] اءمالي الطوسي: 90 المجلس الثالث، حديث رقم 49واءمالي المفيد: 319 المجلس الثامن والثلاثون، حديث رقم 6.

[7] علل الشرايع: 1:229 باب 163 حديث رقم 1 / أمّا الرواية التي رواها الشيخ الصدوق (ره) في کتابه (معاني الاخبار) في الصفحة288 تحت رقم 2 في باب (معني الموت): عن محمّد بن القاسم المفسّر الجرجاني، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ الناصر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ(ع)، عن أبيه الرضا(ع)، عن اءبيه موسي بن جعفر(ع)، عن أبيه جعفر بن محمّد(ع)، عن أبيه محمدّ بن عليّ(ع)، عن أبيه علي بن الحسين (ع)قال: (لمّا اشتدّ الامر بالحسين بن علي بن أبي طالب (ع) نظر إليه من کان معه، فإذا هو بخلافهم، لانّهم کلّما اشتدّ الامرتغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم و وجبت قلوبهم، وکان الحسين(ع) وبعض من معه من خصائصهم تشرق ألوانهم وتهداء جوارحهم و تسکن نفوسهم! فقال بعضهم لبعض: أنظروا لايبالي بالموت! فقال لهم الحسين (ع): صبراً بني الکرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بکم عن البؤس والضرّاء إلي الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فاءيّکم يکره أن ينتقل من سجن إلي قصر!؟ وما هو لاعدائکم إلاّ کمن ينتقل من قصر إلي سجن وعذاب، إنّ أبي حدّثني عن رسول اللّه (ص) أنَّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الکافر، والموت جسر هؤلاء إلي جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلي جحيمهم، ما کَذبتُ ولاکُذبت.).

فهذه الرواية فضلاً عن احتمال ضعفها (بمحمّد بن القاسم المفسّر الاسترابادي الجرجاني الذي اختلف فيه الرجاليّون، وقد ضعّفه ابن الغضائري، وکذلک العلاّمة،وقال فيه السيّد الخوئي: مجهول الحال / راجع: معجم رجال الحديث: 17:155: رقم 11586) فإنّ اضطراب متنها يوحي ابتداءً أنّ بعض أنصار الحسين (ع) کانوا کلّما اشتد الامر تغيّرت اءلوانهم و ارتعدت فرائصهم و وجبت قلوبهم!! وهذا أمر صريح المخالفة لما أطبقت عليه الروايات الکثيرة واءجمع عليه المؤرّخون في أنَّ جميع أنصاره (ع) بلغوا حدّ الاعجاز فرداً فرداً في الثبات والشجاعة والاقدام والشوق إلي لقاء اللّه ورسوله،والعارف بالسيرة الخاصة لکلّ واحدٍ من هؤلاء الانصار الافذاذ يقطع بعدم صحّة ما يوحي به ظاهر متن هذه الرواية من إساءة لبعض اءنصار الحسين (ع).

و الرواية علي فرض صحتها لابد من تأويل عباراتها الغامضة مثل «نظر اليه من کان معه» و»فقال بعضهم لبعض: أنظروا لا يبالي بالموت «بان هؤلاء کانوا بعض من کان في جملة الرکب الحسيني من خدم و موال ممن لم يکن من عزمهم الاشتراک في هذه الحرب، ذلک لأن الرکب الحسيني لم يقتصر من حيث الرجال علي أنصار الامام، بل کان فيه غيرهم أيضا من الخدم و الموالي أو بعض الأجراء کما توحي به بعض الروايات و لا يبعد أن يکون في هؤلاء من يرهب الحرب الي هذه الدرجة. و لا يتنافي هذا مع کون خطاب الامام (ع): صبرا بني الکرام، فما الموت الا قنطرة...» موجها الي الأنصار (ع) أنفسهم، ذلک لأن تشجيع الشجاع و حث التقي علي التقوي لا ينافي تحقق الشجاعة في الشجاع و التقوي في التقي.

[8] البحار: 73:45.

[9] أنساب الاشراف: 40:3 / دار الفکر - بيروت، وراجع، الارشاد: 103:2، وفي نقل الشيخ القرشي عن انساب الاشراف المخلوط: «فلايبرزنّ لهم منکم احد الاقتلوه...». (راجع: حياة الامام الحسين بن علي (ع): 210:3).

[10] الارشاد: 104:2.

[11] الجندل: الحجر الشديد القويّ.

[12] شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 307:3 / دار احياء التراث العربي - بيروت.