بازگشت

تأمل


إنّ غير المعصوم في أخذه وتلقّيه عن النبيّ الاكرم محمّد وآله الطيبين الطاهرين (ع) كما في أخذه عن القرآن الكريم إنّما يأخذ علي قدر وعائه وأداته، ولايمكنه مع قصوره أن يدّعي أنّ ما فهمه من القرآن أو من المعصوم (ع) هو كلّ ما أراد المعصوم (ع) أو هو كلّ المراد القرآنيّ.

وهذه الرسالة التي كتبها الامام الحسين (ع) من كربلاء الي أخيه محمّد بن الحنفيّة (رض)، وهي آخر ما كتبه الامام (ع) من الرسائل، ولعلّها أقصر رسائله (ع) متناً، مثيرة للعجب وداعية إلي التأمّل!

ما هو المعني الذي أراد الامام الشهيد الفاتح (ع) أن يوصله خلال هذه الرسالة من أرض المصرع المختار إلي أخيه محمّد بن الحنفيّة (رض) وإلي بني هاشم، وإلي الاجيال كافّة؟

لكلّ مغترف أن يغترف علي قدر وعائه! ونحن علي قدر وعائنا نقول: ربّما أراد الامام (ع) في قوله: (فكأن الدنيا لم تكن،وكأنّ الاخرة لم تزل) نفس المعني الذي أراده (ع) في قوله لانصاره ليلة عاشوراء: (واعلموا أنّ الدنيا حلُوها ومُرّها حُلُم!


والانتباه في الاخرة، والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقيفيها!..)، [1] ذلك لانّ الانسان ابن الايّام الثلاثة: يوم ولدته أمّه، ويوم يخرج من هذه الدنيا، ويوم يقوم للحساب! وهذه الايّام الثلاثة الكبري هي التي ورد السلام فيها من اللّه تبارك وتعالي علي يحيي (ع)، في قوله تعالي: (وسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يُبعث حيّا)، [2] وفي قوله تعالي عن لسان عيسي (ع): (والسلام عليَّ يوم ولدت، ويوم أموت، ويوم أُبعث حيّا). [3] .

وإذا تأمّل كلّ إنسان في الماضي من عمره طويلاً كان أم قصيراً، فكأنّما يتأمّل في رؤيا منام رآها البارحة! والاتي من العمر بعد مروره كما الماضيّ، حلمٌ أيضاً!

فالدنيا وهي عمر الانسان بكلّ تفصيلاته الحلوة والمرّة حلُمٌ في الختام! فكأنّ الدنيا لم تكن!

فالعاقل السعيد من أخذ من هذه الدنيا كما يأخذ المارّ من ممّره لمقرّه،والعاقل السعيد من لم يتعلّق قلبه بهذه الدار الزائلة، ولم يقع في شباكها، وكان من المخفّين فيها، ليكون فراقها عليه سهلاً يسيراً هيّناً، فعن الامام الصادق (ع): (من كثر إشتباكه بالدنيا كان أشدَّ لحسرته عند فراقها). [4] .

وإذا كانت هذه هي حقيقة الدنيا! وكان لابدّ من فراقها، فليكن الختام أفضل الختام! ولتكن النهاية أشرف نهاية،وأفضل الموت القتل في سبيل اللّه! فليكن


الختام إذن قتلاً في سبيل اللّه! وهذا هو البِرُّ الذي ليس فوقه بِرُّ! وفي ذلك فليتنافس المتنافسون! ولهذا فليعمل العاملون!

وأقوي الظنّ أنّ هذا المعني الذي أراد أن يوصله الامام (ع) في رسالته هذه التي كتبها من كربلاء أرض المصرع المختار وبقعة الفتح إلي محمد بن الحنفية وبقية بني هاشم في المدينة المنوّرة وإلي كافّة الاجيال إلي قيام الساعة متمّم ومكمّل لمعني رسالته القصيرة الاولي التي بعثها(ع) إليهم من مكّة المكرّمة والتي جاء فيها: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الحسين بن عليّ إلي محمّد بن عليّ ومن قِبَله من بني هاشم: أمّا بعدُ، فإنّ من لحق بي استُشهد! ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح! والسلام.). [5] فتأمّل!


پاورقي

[1] التفسير المنسوب للامام الحسن العسکري (ع): 218، وعنه البحار: 11:149.

[2] سورة مريم 3: الايتان: 15 و 33؛ ومع أنّ الايام الکبري من عمر الانسان هي ثلاثة أ يّام، إلاّ أنّ القرآن الحکيم يقرّر أنّ (ويوم يبعث حياً) هو (ذلک اليوم الحقّ فمن شاء اتخذ إلي ربّه مآبا) (سورة النباء، الاية 39).

[3] سورة مريم 3: الايتان: 15 و 33؛ ومع أنّ الايام الکبري من عمر الانسان هي ثلاثة أ يّام، إلاّ أنّ القرآن الحکيم يقرّر أنّ (ويوم يبعث حياً) هو (ذلک اليوم الحقّ فمن شاء اتخذ إلي ربّه مآبا) (سورة النباء، الاية 39).

[4] سفينة البحار: مادة (دني).

[5] کامل الزيارات: 76، باب 23، رقم 15.