بازگشت

ابن زياد يعبيء الكوفة لقتال الحسين


كان الحر بن يزيد الرياحي قد كتب إلي ابن زياد بعد نزول الامام (ع) في كربلاء يخبره بذلك، ويروي بعض ‍ المؤرّخين أنّ ابن زياد عندئذٍ كتب إلي الامام الحسين (ع): (أمّا بعدُ يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إليَّ


أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية أن لا أتوسّد الوثير ولاأشبع من الخمير، أو ألحقك باللطيف الخبير! أو ترجع إلي حكمي وحكم يزيد بن معاوية.

فلمّا ورد الكتاب قرأه الحسين ثمّ رمي به، ثمّ قال: لاأفلح قومٌ آثروا مرضاة أنفسهم علي مرضاة الخالق!فقال له الرسول: أبا عبداللّه! جواب الكتاب؟

قال: ماله عندي جواب، لانّه قد حقّت عليه كلمة العذاب!

فقال الرسول لابن زياد ذلك، فغضب من ذلك أشدّ الغضب...). [1] .

ثمّ إنّ ابن زياد كما مرَّ بنا أمر عمر بن سعد بتولّي قيادة الجيوش لقتال الامام (ع)، فخرج بعد تردد!؟ في أربعة آلاف حتي نزل كربلاء في الثالث من المحرّم، وانضمّ إليه الحرّ مع ألف فارس هناك، فصار في خمسة آلاف فارس.

وقال ابن أعثم الكوفي: (ثمّ جمع عبيداللّه بن زياد النّاس الي مسجد الكوفة، ثمّ خرج فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثني عليه ثمّ قال: أيها النّاس! إنّكم قد بلوتم آل سفيان فوجدتموهم علي ما تحبّون! وهذا يزيد قد عرفتموه أنّه حسن السيرة! محمود الطريقة! محسن إلي الرعيّة! متعاهد الثغور!يعطي العطاء في حقّه، حتّي أنّه كان أبوه كذلك!، وقد زاد أميرالمؤمنين في إكرامكم، وكتب إليَّ يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار ومائتي ألف درهم [2] أفرّقها عليكم وأخرجكم إلي حرب عدوّه الحسين بن عليّ! فاسمعوا وأطيعوا. والسلام.


قال: ثمّ نزل عن المنبر، ووضع لاهل الشام [3] العطاء فأعطاهم ونادي فيهم بالخروج إلي عمر بن سعد ليكونوا أعواناً له علي قتال الحسين.

قال فأوَّل من خرج إلي عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن [4] السلولي لعنه اللّه في أربعة آلاف فارس، فصار عمربن سعد في تسعة آلاف، ثمّ اتبعه زيد (يزيد) بن ركاب الكلبي في ألفين، والحصين بن نمير السكوني [5] في أربعة آلاف، والمصاب الماري [6] في ثلاثة آلاف، ونصر بن حربة في ألفين، فتمّ له عشرون ألفاً،


ثمّ بعث ابن زياد إلي شبث بن ربعي الرياحي.. [7] فاعتلّ بمرض،فقال له ابن زياد:أتتمارض؟ إن كنتَ في طاعتنا فاخرج إلي قتال عدوّنا، فخرج إلي عمر بن سعد في ألف فارس بعد أن أكرمه ابن زياد و أعطاه وحباه، و أتبعه بحجّار بن أبجر [8] في ألف فارس، فصار عمر بن سعد في إثنين وعشرين ألفاً ما بين فارس وراجل.). [9] .

ويصف البلاذري التعبئة العامة التي قام بها ابن زياد لاخراج أهل الكوفة إلي قتال الامام الحسين (ع) قائلاً: (ولمّا سرّح ابن زياد عمر بن سعد من (حمام أعين)، [10] أمر الناس فعسكروا بالنخيلة، وأمر ألاّ يتخلّف أحدٌ منهم، وصعد المنبر فقرّظ معاوية وذكر إحسانه وإدراره الاعطيات، وعنايته بأمور الثغور، وذكراجتماع الاُلفة به وعلي يده! وقال: إنّ يزيد إبنه المتقيّل [11] له، السالك لمناهجه المحتذي لمثاله، وقد زادكم مائة مائة في أعطياتكم، فلايبقين رجل من العرفاء والمناكب


والتجّار والسكّان إلاّ خرج فعسكر معي! فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة!

ثمّ خرج ابن زياد فعسكر، وبعث إلي الحصين بن تميم وكان بالقادسية في أربعة آلاف، فقدم النخيلة في جميع من معه، ثمّ دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي، ومحمّد بن الاشعث بن قيس،والقعقاع بن سويد بن عبدالرحمن المنقري، و أسماء بن خارجة الفزاري، وقال: طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة،وخوّفوهم عواقب الامور والفتنة والمعصية! وحثّوهم علي العسكرة!

فخرجوا فعذروا وداروا بالكوفة، ثمّ لحقوا به، غير كثير بن شهاب فإنّه كان مبالغاً يدور بالكوفة يأمر النّاس بالجماعة ويحذّرهم الفتنة والفرقة، ويخذّل عن الحسين!

وسرّح ابن زياد أيضاً حصين بن تميم في الاربعة اَّلاف الذين كانوا معه إلي الحسين بعد شخوص عمر بن سعد بيوم أو يومين،ووجّه أيضاً إلي الحسين حجّار بن أبجر العجلي في ألف،وتمارض شبث بن ربعي، فبعث إليه فدعاه وعزم عليه أن يشخص إلي الحسين في ألف ففعل. [12] .

وكان الرجل يُبعث في ألف فلا يصل إلاّ في ثلاثمائة أو أربعمائة وأقلّ من


ذلك كراهة منهم لهذا الوجه! [13] .

ووجّه أيضاً يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم [14] في ألف أو أقلّ، ثمّ إنّ ابن زياد استخلف علي الكوفة عمرو بن حريث، [15] وأمر القعقاع بن سويد بن


عبدالرحمن بن بجيرالمنقري بالتطواف بالكوفة فيخيل، فوجد رجلاً من همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة، [16] فأتي به ابن زياد فقتله! فلم يبق بالكوفة محتلم إلاّخرج إلي العسكر بالنخيلة.

ثمّ جعل ابن زياد يُرسل العشرين والثلاثين والخمسين إلي المائة،غدوة وضحوة ونصف النهار وعشيّة، من النخيلة يمدُّ بهم عمر بن سعد وكان يكره أن يكون هلاك الحسين علي يده! فلم يكن شيء أحبّ إليه من أن يقع الصلح! ووضع ابن زياد المناظر علي الكوفة لئلاّ يجوز أحدٌ من العسكر مخافة لان يلحق الحسين مغيثاً له! ورتّب المسالح حولها، وجعل علي حرس الكوفة والعسكر زحر بن قيس الجعفي، [17] ورتّب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلاً مضمرة مقدحة! فكان خبر ما قِبَله يأتيه في كلّ وقت.). [18] .



پاورقي

[1] الفتوح، 5:150 -151.

[2] في ما نقله العلاّمة المجلسي (ره) عن کتاب السيد محمد بن أبيطالب لايوجد ذکر لهذا المبلغ، بل فيه: (وقد زادکم في أرزاقکم مائة مائة، وأمرني أن أوفّرها عليکم وأخرجکم إلي حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا). (راجع: البحار: 44:385).

[3] لعلّ هذا من سهو النسّاخ، وإلاّ فلم يُعرف أن هناک قطعات عسکرية من أهل الشام اشترکت في کربلاء، ثمَّ إنَّ وضع العطاء لاهل الشام ليس من اختصاص والي الکوفة إدارياً.

[4] العامري: کان لعنة اللّه عليه من أشدّ أعداء الامام الحسين (ع) عليه، وکان حضر صفّين في صف الامام عليّ (ع)، وکان ممّن شهدعلي حجر بن عدي (رض)، وهو الذي حرّض ابن مرجانة علي التشدّد في مواجهة الحسين (ع) وقتله، وهو الذي نزل إلي الامام (ع) علي ما هو المشهور فذبحه عطشاناً! وهوالذي همّ بقتل الامام السجّاد(ع)، وهو الذي طعن برمحه فسطاط النساء، وکان من الذين قدموا بالرؤوس المقدّسة وبالاُساري إلي يزيد لعنه اللّه، وکان من الذين قتلهم المختار (ره) في جملة قتلة الحسين (ع).

[5] الحصين بن نمير السکوني لعنه اللّه، ورد إسمه في بعض المصادر التأريخية: الحصين بن تميم التميمي، وهو ملعون خبيث،من أتباع معاوية المخلصين له، ومن رؤساء جند ابن زياد، وکان علي شرطته، وکان ابن زياد قد بعثه إلي القادسية لينظمّ الخيل ما بينها إلي خفّان والقطقطانة ولعلع، وهو الذي قبض علي عبداللّه بن يقطر(رض)، وکذلک علي قيس بن مسهّر(رض)، وکان له دور فعّال في قتال الامام الحسين (ع) في کربلاء، وکان مأموراً منقبل يزيد أيضاً لقتال ابن الزبير بمکة.

[6] و ورد في حاشية الفتوح أنّ إسم هذا الرجل مصابر بن مزينة المازني، وذکره المحقّق القرشي بإسم (مضاير بن رهينة المازني)، (راجع: حياة الامام الحسين بن علي (ع)،3:123).

[7] شبث بن ربعي الرياحي اليربوعي التميمي: لعنه اللّه، کان مؤذن سجاح التي ادّعت النبوّة، ثمّ أسلم، وکان فيمن أعان علي عثمان، ثمّ صار مع عليّ، ثم صار من الخوارج، ثمّ تاب!، ثم حضر قتل الحسين (ع)، وکان ممّن کتبوا إليه في مکّة!، ثمّ حضرقتل المختار، ومات بالکوفة حدود الثمانين، وهو من أصحاب المساجد الاربعة الملعونة التي جدّدت بالکوفة فرحاً واستبشاراً بقتل الحسين (ع).

[8] حجار بن أبجر العجلي السلمي: راجع ترجمته في الجزء الثاني من هذه الدراسة: 342.

[9] الفتوح، 5: 157-158.

[10] حمّام أَعيَنَ: بتشديد الميم، بالکوفة، ذکره في الاخبارمشهور، منسوب إلي أعين مولي سعد بن أبي وقّاص (معجم البلدان، 2:299)، وفي تجريد الاغاني لابن واصل الحموي، 1:277 أنه بإسم أعين حاجب بشر بن مروان بن الحکم.

[11] المتقيّل له: لربّما کانت بمعني المتخيَّر من قَبِلهِ، أوالبديل له (راجع: لسان العرب،11:572-580، مادة:قول، قيل).

[12] (ثمَّ أرسل إلي شبث بن ربعي أن أقبل إلينا، وإنّا نريد أن نوجّه بک الي حرب الحسين! فتمارض شبث، و أراد أن يعفيه ابن زياد فأرسل إليه: أمّا بعدُ، فإنّ رسولي أخبرني بتمارضک،وأخاف أن تکون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا، وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنّا معکم إنّما نحن مستهزؤن! إن کنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً. فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلاّ ينظر إلي وجهه فلايري عليه أثر العلّة، فلمّا دخل رحّب به وقرّب مجلسه، وقال: أُحبُّ أن تشخص إلي قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد عليه! فقال: أفعل أيها الامير!) (البحار، 44: 386 نقلاً عن کتاب السيّد محمد بن أبي طالب).

[13] روي الدينوري قائلاً: (قالوا: وکان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلي قتال الحسين في الجمع الکثير، يصلون إلي کربلاء ولم يببق منهم إلاّ القليل، کانوا يکرهون قتال الحسين، فيرتدعون ويتخلّفون) (الاخببارالطوال: 254).

[14] يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم: راجع ترجمته مفصلّة في الجزء الثاني من هذه الدراسة: 342.

[15] عمرو بن حريث: قال التستري عدّة الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الرسول (ص)، وفي أصحاب عليّ(ع)، قائلاً: عدوّاللّه ملعون. (راجع: قاموس الرجال، 8:75).

وهو ممّن مرد علي النفاق فلايستطيع العيش بلانفاق، وقد روي عن الحسين (ع) أنه قال: (لمّا أراد عليُّ أن يسير إلي النهروان،استنفر أهل الکوفة وأمرهم أن يعسکروا بالمدائن، فتأخّر عنه شبث بن ربعي، وعمرو بن حريث، والاشعث بن قيس، وجرير بن عبداللّه البجلي، وقالوا: أتأذن لنا أيّاماً نتخلّف عنک في بعض حوائجنا ونلحق بک؟ فقال لهم: قد فعلتموها! سوءة لکم من مشايخ، فواللّه مالکم من حاجة تتخلّفون عليها، وإنّي لاعلم ما في قلوبکم، وسأبيّن لکم، تريدون أن تثبّطوا عنّي الناس، وکأنّي بکم بالخورنق وقد بسطتم سُفرکم للطعام، إذ يمرُّ بکم ضبُّ فتأمرون صبيانکم فيصيدونه، فتخلعوني وتبايعونه!

ثم مضي إلي المدائن، وخرج القوم إلي الخورنق، وهيأوا واطعاماً، فبيناهم کذلک علي سفرتهم وقد بسطوها إذ مرَّ بهم ضبُّ! فأمروا صبيانهم فأخذوه وأوثقوه، ومسحوا أيديهم علي يده کما أخبر عليُّ، وأقبلوا إلي المدائن،فقال لهم أميرالمؤمنين (ع): بئس للظالمين بدلاً! ليبعثنکّم اللّه يوم القيامة مع إمامکم الضبّ الذي بايعتم! لکأنّي أنظر إليکم يوم القيامة وهو يسوقکم إلي النار.

ثمّ قال: لبن کان مع رسول اللّه منافقون فإنّ معي منافقين، أما واللّه يا شبث ويا ابن حُريث لتقاتلان ابني الحسين، هکذا أخبرني رسول اللّه (ص).) (الخرائج والجرائح، 1:225-226، رقم70).

وکان معاوية قد دسَّ إلي عمرو بن حريث، والاشعث بن قيس، وحجربن الحجر، وشبث بن ربعي دسيساً أفرد کلّ واحد منهم بعين من عيونه: (أنّک إنْ قتلت الحسن بن عليّ فلک مائتا ألف درهم،وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي)، فبلغ الحسن (ع) ذلک فاستلام ولبس ‍ درعاً وکفّرها، وکان يحترز ولايتقدّم للصلاة بهم إلاّ کذلک، فرماه أحدهم بسهم في الصلاة.. (راجع:علل الشرائع: 220، باب 160).

وکان عمرو بن حريث مقرّباً من عبيداللّه بن زياد، وکان يستخلفه عليها، فقد استخلفه عليها أثناء مواجهتة لمحاصرة مسلم بن عقيل (ع) إيّاه في القصر، کما استخلفه عليها عند خروجه الي النخيلة أبّان محاصرته الامام الحسين (ع) في کربلاء.

[16] في الاخبار الطوال: 255، (فبينما هو يطوف في أحياء الکوفة إذ وجد رجلاً من أهل الشام قد کان قدم الکوفة في طلب ميراث له، فأرسل به الي ابن زياد، فأمر به فضربت عنقه!).

[17] يرد إسمه في مصادر تأريخية أخري: زجر بن قيس الجعفي.

[18] أنساب الاشراف، 3:386-388.