بازگشت

اشارة رقم 2


قال ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح:(ونزل الحسين في موضعه ذلك ونزل الحرّ بن يزيد حذاءه في ألف فارس، ودعا الحسين بدواة وبياض، وكتب إلي أشراف الكوفة ممّن كان يظنّ أنه علي رأيه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلي سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وعبداللّه بن وال، وجماعة المؤمنين. أمّا بعدُ: فقد علمتم أنّ رسول اللّه (ع) قد قال في حياته: من رأي سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، يعمل في عباد اللّه بالاثم والعدوان، ثمّ لم يُغيّرعليه بقول ولافعل كان حقّاً علي اللّه أن يُدخله مدخله، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا في


الارض الفساد، وعطّلوا الحدود والاحكام،واستأثروا بالفيء، و أحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله، وإنّي أحقّ من غيري بهذا الامر لقرابتي من رسول اللّه (ع)، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم بيعتكم أنكم لاتسلموني ولاتخذلوني، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حضّكم ورشدكم، ونفسي مع أنفسكم، وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم، فلكم فيَّ أُسوة، وإنْ لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ومواثيقكم، وخلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي،هل المغرور إلاّ من اغترّ بكم، فإنما حضّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنّما ينكث علي نفسه وسيُغني اللّه عنكم. والسلام.

قال: ثمّ طوي الكتاب وختمه ودفعه إلي قيس بن مسهر الصيداوي، وأمره أن يسير إلي الكوفة.

قال: فمضي قيس إلي الكوفة، وعبيداللّه بن زياد قد وضع المراصد والمسالح علي الطرق، فليس أحدٌ يقدر أن يجوز إلاّفُتّش، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهّر لقيه عدوّ اللّه،يقال له الحصين بن نمير السكوني، فلمّا نظر إليه قيس ‍ كأنّه اتّقي علي نفسه، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره!

قال: وأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّي أتوا به إلي عبيداللّه بن زياد.

فقال له عبيداللّه بن زياد: من أنت!؟

قال: أنا رجل من شيعة أميرالمؤمنين الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما!

قال: فَلِمَ خرقت الكتاب الذي كان معك!؟

قال: خوفاً حتّي لاتعلم ما فيه!

قال: وممّن كان هذا الكتاب وإلي من كان!؟


فقال: كان من الحسين إلي جماعة من أهل الكوفة لاأعرف أسماءهم!

قال فغضب ابن زياد غضباً عظيماً، ثمّ قال: واللّه لاتفارقني أبداً أو تدلّني علي هؤلاء القوم الذين كتب إليهم هذا الكتاب! أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين وأباه وأخاه فتنجو من يدي أو لاقطّعنك!

فقال قيس: أمّا هؤلاء القوم فلا أعرفهم، و أمّا لعنة الحسين وأبيه وأخيه فإنّي أفعل!

قال فأمر به فأدخل المسجد الاعظم، ثمّ صعد المنبر، وجُمع له النّاس ليجتمعوا ويسمعوا اللعنة! فلمّا علم قيس أنّ النّاس قداجتمعوا وثب قائماً، فحمد اللّه وأثني عليه، ثمّ صلّي علي محمّد وآله، وأكثر الترحم علي عليّ وولده، ثمّ لعن عبيداللّه بن زياد ولعن أباه ولعن عُتاة بني أميّة عن آخرهم، ثمّ دعا النّاس إلي نصرة الحسين بن عليّ.

فأخبر بذلك عبيداللّه بن زياد، فأصعد علي أعلي القصر، ثم رُمي به علي رأسه فمات رحمه اللّه، وبلغ ذلك الحسين فاستعبرباكياً ثم قال: أللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً عندك واجمع بيننا وإيّاهم في مستقرّ رحمتك إنّك علي كلّ شي ء قدير.

قال فوثب إلي الحسين رجلٌ من شيعته يُقال له هلال [1] فقال: يا ابن بنت رسول اللّه! تعلم أنّ جدّك رسول اللّه لم يقدر أن يُشربالخلائق محبّته، ولا أن يرجعوا من أمرهم إلي ما يُحبّ، وقد كان منهم منافقون يعدونه النصر ويضمرون له الغدر! يلقونه بأحلي من العسل ويلحقونه بأمرّ من الحنظل! حتّي توفّاه اللّه عزّوجلّ، و أنّ أباك عليّاً قد كان في مثل ذلك، فقوم أجمعوا علي نصره وقاتلوامعه


المنافقين والفاسقين والمارقين والقاسطين حتّي أتاه أجله،وأنتم اليوم عندنا في مثل ذلك الحال، فمن نكث فإنّما ينكث علي نفسه، واللّه يُغني عنه، فسِرْ بنا راشداً مشرّقاً إنْ شئت أو مغرّباً، فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، ولاكرهنا لقاء ربّنا، وإنّا علي نيّاتنا ونصرتنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

قال فخرج الحسين وولده وإخوته وأهل بيته رحمة اللّه عليهم بين يديه، فنظر إليهم ساعة وبكي وقال: أللّهم إنّا عترة نبيّك محمّد(ع)، وقد أُخرجنا وطردنا عن حرمجدّنا، وتعدّت بنو أميّة علينا، فخذ بحقّنا وانصرنا علي القوم الكافرين. قال ثمّ صاح الحسين في عشيرته ورحل من موضعه ذلك حتي نزل كربلاء في يوم الاربعاء أو يوم الخميس، وذلك في الثاني من المحرّم سنة إحدي وستين...). [2] .

ونقول:

1) إنّ المشهور تأريخياً هو أنّ الامام (ع) خطب أصحابه وأصحاب الحرّ في منزل البيضة خطبته الشهيرة التي جاء فيها:(أيها النّاس، إنّ رسول اللّه (ع) قال: من رأي سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحُرم اللّه...)، [3] ولعلّ ابن أعثم قد تفرّد برواية نصّ تلكم الخطبة علي أنها متن رسالة بعث بها الامام (ع) إلي مجموعة من وجهاء الشيعة وجماعة المؤمنين في الكوفة. [4] .

2) وقد تُوهِم رواية ابن أعثم هذه كما اختلط الامربالفعل علي بعض المؤرّخين المتأخرين أنّ الامام (ع) كتب هذه الرسالة (نصّ خطبة البيضة) بعد


نزوله كربلاء! لكنّ التأمّل في جميع متن رواية ابن أعثم بالرغم من اضطراب سياق الرواية اضطراباً بيّناً يكشف عن أنّ الامام (ع) كان قد كتبها في موضع من المواضع القريبة من كربلاء قبل نزوله كربلاء، بل قبل اشتداد محاصرة جيش الحرّ للركب الحسيني، بدليل قول نافع بن هلال مخاطباً الامام (ع): (فَسِرْ بنا راشداً مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً!)، إذ لو كان هذا القول في كربلاء أو بعد اشتداد المحاصرة لكان قولاً بلامعني،لانّ الامام (ع) بعد ذلك كان قد جُعجع به وحوصر، وما كان يملك الاختيار في الحركة لاشرقاً ولاغرباً.

هذا أوّلاً، أمّا ثانياً، فلانّ آخر متن رواية ابن أعثم يصرّح هكذا،(ثمّ صاح الحسين في عشيرته،ورحل من موضعه ذلك حتّي نزل كربلاء..)، وفي هذا دلالة لاريب فيهاعلي أنّ الواقعة التي رواها ابن أعثم حصلت قبل كربلاء وليس ‍ فيها.

3) المشهور تأريخياً أنّ الامام (ع) كان قد أرسل قيس بن مسهر الصيداوي (رض) برسالته الثانية إلي أهل الكوفة من منطقة الحاجر من بطن الرمّة، [5] فجري عليه ماجري حتّي استشهاده (رض)، وكان خبر مقتله قد وصل إلي الامام (ع) في منطقة عذيب الهجانات، [6] لاكما تصف رواية ابن أعثم الكوفي.


پاورقي

[1] الصحيح تأريخياً هو أنّ إسم هذا الرجل: نافع بن هلال الجملي.

[2] الفتوح: 5:143-149.

[3] راجع: تأريخ الطبري، 4:304-305والکامل في التأريخ:3:280 ومقتل الحسين (ع)، للمقرّم: 184-185.

[4] أمّا ما في مقتل الحسين (ع) للخوارزمي: 1:334-336 فهو نقل عن ابن أعثم.

[5] راجع مثلاً: تاريخ الطبري، 4:297 وفي التاريخ: 3:277،والارشاد: 220، وتجارب الامم: 2:57، و أنساب الاشراف:3:378، والاخبار الطوال: 245-246؛ وتذکرة الخواص: 221، ومثير الاحزان: 32، والبداية والنهاية: 8:181.

[6] راجع مثلاً: تاريخ الطبري: 4:306؛ والکامل في التاريخ: 3:281؛ والبداية والنهاية: 8:188.