بازگشت

لماذا كان الاخبار بمقتله؟


(إنَّ أخبار الملاحم والفتن المأثورة عن أهل بيت العصمة (ع) عامة وعن رسول اللّه (ع) خاصة فضلاً عن أنّها تؤكّد علي أنّ علم هؤلاء المصطفين الاخيار(ع) علمٌ لدنيُّ ربّانيُّ كاشف عن مكانتهم الالهية الخاصة المنصوص عليها من قبل اللّه تعالي، تؤكّد أيضاً علي مدي حرصهم الكبير علي رعاية هذه


الامّة وإنقاذها من هلكات مدلهمّات الفتن التي أحاطت بها منذ بداية التيه في يوم السقيفة.

لقد كان رسول اللّه (ع) يعلم مدي الانحراف الذي سيصيب الامّة من بعده ويلقي بها في متاهات تنعدم فيها القدرة علي الرؤية السديدة إلاّ علي قلّة من ذوي البصائر، ويصعب فيها تشخيص الحقّ من الباطل إلاّ علي من تمسّك بعروة الثقلين، وكان (ع) يعلم خطورة حالة الشلل النفسي والازدواجية في الشخصية التي ستتعاظم في الامة من بعده حتي لايكاد ينجو منها إلاّ أقلّ القليل.

لذا لم يألُ(ع) جهداً في تبيان سبل الوقاية والنجاة من تلك الهلكات، ومن جملة تلك السبل سبيل إخبار الامّة بملاحمها وبالفتن التي ستتعرّض لها إلي قيام الساعة، فكشف لها (ع) عن كلّ الملاحم والفتن، وأوضح لها مزالق وعثرات الطريق إلي أن تنقضي الدنيا، يقول حذيفة بن اليمان (ره): واللّه ما ترك رسول اللّه (ع) من قائد فتنة إلي أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلاّ قد سمّاه لنا بإسمه وإسم أبيه وإسم قبيلته! [1] .

وذلك لكي لاتلتبس علي الامّة الامور، ولاتقع في خطاء الرؤية أوانقلابها فتري المنكر معروفاً والمعروف منكراً! [2] إضافة إلي ما يتضمّنه بيان الملاحم للامّة من دعوة إلي نصرة صفّ الحق وخذلان صفّ الباطل بعد تشخيص كلٍّ من الصفَّين.


وقد اختُصَّ قتل الحسين (ع) بنصيب وتركيز أكبر في الاخبارات الواردة عن النبيّ (ع) وعن أميرالمؤمنين (ع)، وذلك لعظيم حرمة الامام الحسين (ع)، ولنوع مصرعه المفجع ومصارع أنصاره، ولشدّة مصابهما بتلك الوقعة الفظيعة والرزيّة العظيمة، [3] ولاهميّة واقعة عاشوراء بلحاظ ما يترتّب عليها من حفظ الاسلام وبقائه، ولاهميّة المثوبة العظيمة والمنزلة الرفيعة المترتّبة علي نصرة الحسين (ع)، واللعنة الدائمة والعقوبة الكبيرة التي تلحق من يقاتله ويخذله.

ولعلّ قرب عاشوراء الزمني من عهد النبيّ (ع) وعليّ (ع)عامل أيضاً من عوامل هذا التركيز، لانّ النبيّ (ع) ووصيّه (ع) يعلمانا أنَّ جماعة غير قليلة من الصحابة والتابعين سوف يدركون يوم عاشوراء، فالتركيز علي الاخبار بمقتله (ع) ومخاطبة هؤلاء مخاطبة مباشرة بذلك يؤثّران التأثير البالغ في الدعوة إلي نصرته (ع)، والتحذير من الانتماء إلي صف أعدائه، مع ما في ذلك من إتمام الحجّة علي هؤلاء الناس آنئذٍ، ولذا كان رسول اللّه (ع) يخاطب الباكين معه لبكائه علي الحسين (ع) خطاباً مباشراً فيقول لهم: (أيها الناس، أتبكونه ولاتنصرونه!؟)، [4] ويخاطب عليُّ (ع) البراء بن عازب قائلاً: (يا براء، يُقتل ابني الحسين وأنت حيُّ لاتنصره). [5] .


وفي المقابل فقد انتفع بهذا الاخبار جمع من أهل الصدق والاخلاص من الصحابة والتابعين، فقد روي الصحابيّ الجليل أنس بن الحارث رضوان اللّه تعالي عليه عن النبيّ(ع) أنه قال: (إنّ ابني هذا وأشار إلي الحسين يُقتل بأرض يُقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره.)،ولمّا خرج الامام الحسين (ع) إلي كربلاء خرج معه الصحابي الجليل أنس بن الحارث رضوان اللّه تعالي عليه، واستشهد بين يدي الحسين (ع). [6] .

ولعلّ سرّ التحوّل في موقف زهير بن القين رضوان اللّه تعالي عليه ما كان يحفظه من قول سلمان الفارسيّ رضوان اللّه تعالي عليه وإخباره عن بشري نصرة الامام الحسين (ع)، يقول زهير: (سأحدّثكم حديثاً، إنّا غزونا البحر ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي رحمه اللّه: أفرحتم بما فتح اللّه عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم.فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد(ع) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم اليوم من الغنائم). [7] .

و(قال العريان بن الهيثم: كان أبي يتبدّي، [8] فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنّا لانبدوا إلاّ وجدنا رجلاً من بني أسدٍ هناك.

فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان؟؟

قال: بلغني أنّ حسيناً يُقتل هاهنا، فأنا أخرج إلي هذا المكان لعلّي أصادفه


فأقتل معه!! قال ابن الهيثم: فلمّا قُتل الحسين قال أبي: انطلقوا بنا ننظرهل الاسديُّ فيمن قُتل مع الحسين؟ فأتينا المعركة وطوّفنا فإذا الاسديّ مقتول!). [9] [10] .



پاورقي

[1] راجع: سنن أبي داود: 4:95، حديث 4243.

[2] عن النبيّ: (کيف يکم إذا فسدت نساؤکم وفسق شبابکم،ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنکر!؟، فقيل له: ويکون ذلک يا رسول اللّه؟! فقال: نعم، وشرٌ من ذلک! کيف بکم إذا أمرتم بالمنکر ونهيتم عن المعروف!؟ فقيل له: ويکون ذلک!؟ قال: نعم، وشرٌ من ذلک! کيف بکم إذا رأيتم المعروف منکراً والمنکر معروفاً!؟). (راجع: الکافي: 5:59، کتاب الجهاد حديث رقم14).

[3] عن الامام الصادق (ع): (لمّا أن هبط جبرئيل علي رسول اللّه (ص) بقتل الحسين، أخذ بيد عليّ فخلا به مليّاً من النهار) فغلبتهما عبرة فلم يتفرّقا حتّي هبط عليهما جبرئيل أو قال رسول رب العالمين فقال لهما: ربّکما يقرئکما السلام ويقول: قد عزمت عليکما لمّا صبرتما.قال: فصبرا) (راجع: کامل الزيارات: 53، باب 16، حديث رقم1)، وهذا حديث من الاحاديث الکثيرة الکاشفة عن عظم رزية الحسين (ع) علي قلب رسول اللّه (ص) وقلب أميرالمؤمنين (ع).

[4] راجع: مثيرالاحزان: 19.

[5] راجع: الارشاد: 192.

[6] راجع: تأريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع) / تحقيق المحمودي: 239،حديث 283.

[7] الارشاد: 246.

[8] يتبدّي: يخرج إلي البادية.

[9] تاريخ ابن عساکر / ترجمة الامام الحسين (ع) / تحقيق المحمودي: 212، حديث 269.

[10] الجزء الاوّل من هذه الدراسة: (الامام الحسين (ع) في المدينة المنوّرة): 204- 208.