بازگشت

اميرالمؤمنين علي و مصاب الحسين


وكما كان رسول اللّه (ع) يعيش مأتماً متواصلاً ويكابد حزناً شديداً وجزعاً عظيماً ويبكي بكاءً مُرّاً ويُبكي من حوله لما سوف يُصيب الامام الحسين (ع) من عظيم البلاء، كذلك كان أميرالمؤمنين (ع)، وإنَّ المأثور عنه (ع) في ذلك لكثير، لكننا لايسعنا هنا أيضاً إلاّ أن ننتقي منه نماذج علي سبيل المثال تبركاً:

1) روي الشيخ الصدوق (ره) بسند عن الاصبغ بن نُباتة (ره) قال: (خرج علينا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ذات يوم ويده في يد إبنه الحسن (ع) وهويقول: خرج علينا رسول اللّه (ع) ذات يوم ويدي في يده هكذا وهويقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم، ومولي كلّ مؤمن بعد وفاتي.

ألاّ وإنّي أقول: خير الخلق بعدي، وسيّدهم إبني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن، ومولي كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنه سيُظلم بعدي كما ظُلمتُ بعد رسول اللّه (ع)، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه،المقتول في أرض كربلاء، إما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة...). [1] .

2) وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسند عن جبلة المكيّة قالت: سمعت ميثم التمّار يقول: (واللّه لتقتلن هذه الامّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر مضين منه، وليتخذنّ أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة، وإنّ ذلك لكائن قد سبق في علم اللّه تعالي ذكره،أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاي أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه، ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كلّ شيء حتي الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس،والقمر، والنجوم، والسماء، والارض،


ومؤمنو الانس والجنّ، وجميع ملائكة السموات ورضوان ومالك، وحملة العرش، وتمطرالسماء دماً ورماداً، ثمّ قال: وجبت لعنة اللّه علي قتلة الحسين (ع) كما وجبت علي المشركين الذين يجعلون مع اللّه إلهاً آخر، وكما وجبت علي اليهود والنصاري والمجوس.

قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّ (ع) يوم بركة!؟

فبكي ميثم، ثم قال: سيزعمون بحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب اللّه فيه علي آدم (ع)، وإنّما تاب اللّه علي آدم (ع) في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي قبل اللّه فيه توبة داود، وإنّما قبل اللّه توبته في ذي الحجّة،ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج اللّه فيه يونس من بطن الحوت،وإنّما أخرجه اللّه من بطن الحوت في ذي القعدة، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح علي الجوديّ، وإنّما استوت علي الجوديّ يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق اللّه فيه البحر لبني إسرائيل، وإنما كان ذلك في شهرربيع الاوّل.

ثم قال ميثم: يا جبلة: إعلمي أنّ الحسين بن عليّ سيّد الشهداء يوم القيامة، ولاصحابه علي سائر الشهداء درجة، يا جبلة إذا نظرتِ إلي الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل!

قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس علي الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة! فصحت حينئذٍ وبكيتُ، وقلت قد واللّه قُتل سيّدنا الحسين بن عليّ (ع).). [2] .

3) وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسندٍ عن ابن عبّاس قال:


(كنت مع أميرالمؤمنين (ع) في خروجه (في خرجته) إلي صفّين، فلمّا نزل بنينوي وهو شطّ الفرات قال بأعلي صوته: يا ابن عبّاس، أتعرف هذا الموضع؟ قلتله: ما أعرفه يا أميرالمؤمنين.فقال (ع): لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّي تبكي كبكائي.قال فبكي طويلاً حتّي اخضلّت لحيته وسالت الدموع علي صدره! وبكينا معاً، وهو يقول: أوه أوه! مالي ولال أبي سفيان!؟ مالي ولال حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر!؟ صبراً يا أبا عبداللّه! فقد لقي أبوكمثل الذي تلقي منهم!

ثمّ دعا بماءٍ فتوضّاء وضوءه للصلاة، فصلّي ما شاء اللّه أن يصلّي، ثمّ ذكر نحو كلامه الاوّل، إلاّ أنّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثمّ انتبه،فقال: يا ابن عبّاس! فقلت: ها أنا ذا؟

فقال: ألا أحدّثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟

فقلت: نامت عيناك و رأيتَ خيراً يا أميرالمؤمنين!

قالت: رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء، معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطّوا حول هذه الارض خطّة، ثمّ رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الارض تضطرب بدمٍ عبيط، وكأنّي بالحسين سُخيلي وفرخي ومضنّتي ومخّي قد غرق فيه يستغيث فلايُغاث، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادون هويقولون: صبراً آلَ الرسول! فإنّكم تقتلون علي أيدي شرارالناس، وهذه الجنّة يا أبا عبدالله إليك مشتاقة! ثمّ يعزّونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشر فقد أقرّ اللّه به عينك يوم القيامة يوم يقوم النّاس لربّ العالمين. ثمّ انتبهتُ!

وهكذا والذي نفس عليّ بيده، لقد حدّثني الصادق المصدّق أبوالقاسم (ع) أنّي سأراها في خروجي إلي أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يُدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة، وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحرمين،وبقعة بيت المقدس.


ثمّ قال: يا ابن عبّاس، أطلب لي حولها بعر الظباء، فواللّه ما كذبت ولاكُذبت، وهي مصفّرة لونها لون الزعفران!

قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أميرالمؤمنين، قد أصبتها علي الصفة التي وصفتها لي!

فقال عليُّ (ع): صدق اللّه ورسوله. ثمّ قام (ع) يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال: هي هي بعينها! أتعلُم يا ابن عبّاس ما هذا الابعار؟

هذه قد شمّها عيسي بن مريم (ع)! وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريّون فرأي هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسي (ع) وجلس الحواريّون معه فبكي وبكي الحواريّون وهم لايدرون لمَجلس ولَمَ بكي!

فقالوا: يا روح اللّه وكلمته، ما يبكيك!؟

قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟

قالوا: لا!

قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المسك لانها طينة الفرخ المستشهد وهكذا تكون طينة الانبياء و أولاد الانبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول إنها ترعي في هذه الارض شوقاً إلي تربة الفرخ المبارك!

وزعمت أنّها آمنة في هذه الارض! ثمّ ضرب بيده إلي هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعر الظباء علي هذا الطيب لمكان حشيشها! أَلّلهمَّ فأبقها أبداً حتّي يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة.

قال: فبقيت إلي يوم الناس هذا! وقد اصفرّت لطول زمنها، وهذه أرض كرب وبلاء. ثمّ قال بأعلي صوته: يا ربّ عيسي بن مريم، لا تبارك في قَتَلَتِه، والمعين عليه، والخاذل له.


ثمّ بكي بكاءً طويلاً وبكينا معه،حتّي سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً! ثمّ أفاق فأخذ البعرفصرَّهُ في ردائه، وأمرني أن أصرّها كذلك، ثم قال: يا ابن عبّاس، إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيل منها دم عبيط فاعلم أنّ أبا عبداللّه قد قُتل بها ودُفن.

قال ابن عبّاس: فواللّه لقد كنت أحفظها أشدّ من حفظي لبعض ما افترض اللّه عزّ وجلّ عليَّ وأنا لا أحلّها من طرف كُمّي، فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهتُ فإذا هي تسيل دماً عبيطاً، وكان كُمّي قد امتلا دماً عبيطاً، فجلست وأنا باكٍ وقلت: قد قُتل واللّه الحسين! واللّه ما كذبني عليُّ قطّ في حديث حدّثني، ولا أخبرني بشيء قطّ أنّه يكون إلاّ كان كذلك، لانَّ رسول اللّه (ع) كان يخبره بأشياء لايخبر بها غيره.

ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر، فرأيتُ واللّه المدينة كأنّها ضبابٌ لايستبين منها أثر عين، ثمّ طلعت الشمس ‍ فرأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط! فجلست وأنا باكٍ فقلت: قد قتل واللّه الحسين! وسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول:



إصبروا آلَ الرسول

قُتل الفرخ النحول



نزل الروح الامين

ببكاء وعويل



ثمّ بكي بأعلي صوته وبكيتُ، فأثبتُّ عندي تلك الساعة، وكانشهر المحرّم يوم عاشوراء لعشر مضين منه، فوجدته قُتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك، فحدّثت هذا الحديثا أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: واللّه لقد سمعنا ما سمعت ونحنفي المعركة ولاندري ماهو فكنّا نري أنّه الخضر(ع).). [3] .


3) وأخرج أبونعيم الاصبهاني عن الاصبغ بن نُباتة قال: (أتينا مع عليّ (ع) موضع قبر الحسين (ع) فقال: (هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم،فتية من آل محمّد(ع) يُقتلون بهذه العرصة، تبكي عليهم السماء والارض.). [4] .

4) وأخرج الراوندي في الخرائج عن أبي سعيد عقيصا قال: (خرجنا مع عليّ (ع) نريد صفّين، فمررنا بكربلاء فقال: هذا موضع قبر الحسين (ع) وأصحابه.). [5] .

5) وقال عليُّ (ع) للبراء بن عازب: (يا براء! يُقتل ابني الحسين وأنت حيُّ لاتنصره.). فلمّا قُتل الحسين (ع) كان البراء بن عازب يقول: صدق واللّه عليّ بن أبي طالب،قُتل الحسين ولم أنصره. ثمّ أظهر علي ذلك الحسرة والندم.). [6] .

6) وروي الشيخ ابن قولويه (ره) بسند عن أبي عبداللّه الجدلي قال: (دخلت علي أميرالمؤمنين (ع) والحسين إلي جنبه، فضرب بيده علي كتف الحسين، ثمّ قال: إنّ هذا يُقتل ولاينصره أحدٌ!

قال: قلت: يا أميرالمؤمنين، واللّه إنّ تلك لحياة سوء!

قال: إنّ ذلك لكائن.). [7] .

7) (وروي عن أبي جعفر، عن أبيه (ع) قال: مرَّ عليُّ بكربلاء فقال لمّا مرَّ


به أصحابه وقد أغرورقت عيناه يبكي ويقول: هذا مناخ ركابهم، وهذا مُلقي رحالهم، هاهنا مُراق دمائهم، طوبي لك من تربة عليها تُراق دماء الاحبّة!

وقال الباقر(ع): خرج عليُّ يسير بالنّاس حتّي إذا كان بكربلاء علي ميلين أو ميل تقدّم بين أيديهم حتي طاف بمكان يُقال له المقذفان، فقال: قُتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء لايسبقهم من كان قبلهم ولايلحقهم من بعدهم.). [8] .


پاورقي

[1] کمال الدين وتمام النعمة: 1:259، با 24، رقم 5؛ وعنه الراوندي في قصص الانبياء:366 -367، رقم 439؛ والطبرسي في إعلام الوري: 377 -378.

[2] أمالي الصدوق: 110 -111، المجلس 27، رقم 1وعلل الشرايع: 1:227 -228.

[3] أمالي الصدوق: 478 -480، المجلس 87، رقم 5؛ وکمال الدين: 2:532 -535، باب 48، رقم 1، وانظر: الخرائج والجرائح: 3:1144، رقم 56، والفتوح: 2:462 -463.

[4] دلائل النبوّة لابي نعيم الاصبهاني: 2:581 -582، رقم 53،وأسد الغابة لابن الاثير: 4:169، مرسلاً عن غرفة الازدي بتفاوت يسير، وفي إرشاد المفيد: 175 (هذا واللّه مناخ رکابهم وموضع منيّتهم.)، وفي تهذيب الطوسي: 6:72، رقم 138؛ (مناخ رکاب ومصارع شهداء لايسبقهم من کان قبلهم).

[5] الخرائج والجرائح: 1:222، رقم 67.

[6] الارشاد: 192.

[7] کامل الزيارات: 71 -71، باب 23، حديث رقم 1.

[8] البحار: 41: 295، باب 114، حديث 18.