بازگشت

نظرية الاصل غير العربي (الاصل الديني)


وقال الدكتور مصطفي جواد في موضوع كتبه تحت عنوان (كربلاءقديماً) في موسوعة العتبات المقدّسة:

(.. وذكر السيّد العلاّمة هبة الدين الشهرستاني أنّ (كربلاء)منحوتة من كلمتي (كور بابل) بمعني مجموعة قُري بابلية. [1] .

وقال الاب اللغوي أنستاس الكرملي: (والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين: من(كربل) و(إل) أي حرم اللّه أو مقدس اللّه. [2] .

قلنا: إنّ رجع الاعلام الاعجمية إلي أصول عربية كان ديدناً لعلماء اللغة العربية منذ القديم، فقلّما اعترفوا بأنّ علماً من الاعلام أصله أعجمي، دون أسماء الجنس فإنهم اعترفوا بعجمتها وسمّوها (المعرّبات)، لانّ الذين يعرفون اللغة الفارسية كثير، ولانهم يدرون أصول المعرّبات علي التحقيق والتأكيد.

وكان الذي يسهّل عليهم اجتيال الاعلام وغيرها إلي اللغة العربية كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربية، كما مرَّ في (كربلا) والكربلة، والكربل، فهم قالوا بعروبة تلك الاعلام الاعجمية ثمّ حاروا في تخريجها اللغوي فبعثهم ذلك علي التكلّف! كما فعلوا في كربلاء وغيرها من الاعلام الاعجمية.


وأنا أري محاولة ياقوت الحموي ردّ (كربلاء) إلي الاصول العربية غير مجدية ولايصحّ الاعتماد عليها! لانها من بابة الظنّ والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعل العربية مصدراً لسائر أسماء الامكنة والبقاع! مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية كبغداد وصرورا، وجوخا، وبابل، وكوش، وبعقوبا، وأنّ التأريخ لم ينصّ علي عروبة إسم (كربلاء) فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق، وقبل سكني العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور في غزوته لغربيّ العراق سنة 12 هجرية / 634 م.قال ياقوت الحموي: (ونزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاء، فشكا إليه عبداللّه بن وشيمة النصري [3] الذبّان،فقال رجل من أشجع في ذلك:



لقد حُبسَتْ في كربلاء مطيّتي

وفي العين [4] حتي عادغثّاً سمينا



إذا رحلتْ من منزل رجعتْ له

لعمري وأيْها إنّني لاُهينها



ويمنعها من ماء كلّ شريعة

رفاقٌ من الذُّبانِ زُرقٌ عيونها



ومن أقدم الشعر الذي ذكرت فيه كربلاء قول معن بن أَوْس المزني من مخضرمي الجاهلية والاسلام، وعمَّرَ حتيْ أدرك عصر عبداللّه بن الزبير وصار مصاحباً له! وقد كُفَّ بصره في آخر عمره. وذكر ياقوت الحموي هذا الشعر في


(النوائح) من معجمه للبلدان.. وذكره قبله أبوالفرج الاصبهاني في ترجمة معن من الاغاني (12:63 / دار الكتاب) وقال وهي قصيدة طويلة:



إذا هي حلّت كربلاءَ فلعلعاً

فجوز العذيب دونها فالنوائحا



وقال الطبري في حوادث سنة 12: (وخرج خالد بن الوليد [5] في عمل عياض ابن غنم ليقضي ما بينه وبينه ولاغاثته فسلك الفلّوجة حتي نزل بكربلاء وعلي مسلحتها عاصم بن عمرو... وأقام خالد علي كربلاء أيّاماً، وشكا إليه عبداللّه بن وثيمة الذباب،فقال له خالد: إصبر فإنّي إنّما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنُسكنها العرب فتأمن جنود المسلمين أن يُؤتَوا من خلفهم وتجيئنا العرب آمنة غير متعتعة، وبذلك أمرنا الخليفة و رأيه يعدل نجدة الامّة. وقال رجل من أشجع فيما شكا ابن وثيمة:

لقد حُبست في كربلاء مطيّتي..). [6] الابيات

وقال ياقوت الحموي في كلامه علي الكوفة: (.. ثمّ توجّه سعد نحو المدائن إلي يزدجرد، وقدَّم خالد بن عرفطة [7] حليف بني زهرة بن كلاب، فلم يقدر عليه


سعد حتّي فتح خالد ساباط المدائن، ثم توجّه إلي المدائن فلم يجد معابر فدلّوه علي مخاضة عند قرية الصيّادين أسفل المدائن فأخاضوها الخيل حتي عبروا، وهرب يزدجرد إلي اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبي أهلها، فقسّمها سعد بين أصحابه...). [8] .

ولقائلٍ أن يقول: إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية وفي حمايتها وخدمتها. والجواب: أنّ المؤرّخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سمّيت بهذا الاسم أعني كربلاء، غير أنَّ وزن كربلاء أُلحق بالاوزان العربية،ونُقل (فَعْلَلا) إلي (فَعْلَلاء) في الشعر حَسْبُ... [9] .

أمّا قول الاب اللغوي أنستاس ما معناه أنّ كربلامنحوتة من (كرب) و(إل) فهو داخل في الامكان، لانّ هذه البقاع قد سكنها الساميّون، وإذا فسّرنا (كرب) بالعربية أيضاً دلّ علي معني (القُرب)فقد قالت العرب: (كرب يكرب كروباً: أي دنا) وقالت:(كرب فلان يفعل، وكرب أن يفعل: أي كاد يفعل، وكاد تفيد القرب، قال ابن مقبل يصف ناقته:



فبعثتها تَقِصُ المقاصر بعدما

كربت حياةُ النار للمتنوّر [10] .




وقال أبوزيد الاسلمي:



سقاها ذوو الارحام سجلاً علي الظما

وقد كربت أعناقها أن تقطّعا [11] .



وإذا فسّرنا (إل) كان معناه (إلاله) عند الساميين أيضاً، ودخول تفسير التسمية في الامكان لايعني أنها التسميّة الحقيقية لاغيرها، لانّ اللّغة والتأريخ متعاونان دائماً فهي تؤيّده عنداحتياجه إليها، وهو يؤيّدها عند احتياجها إليه،فهل ورد في التأريخ أنّ موضع كربلاء كان (حرم إله) قوم من الاقوام الذين سكنوا العراق؟ [12] أو مَقْدَسَ إلهٍ لهم؟ لايُجيبنا التأريخ عن ذلك! ومن الاسماء المضافة الي (إل) بابل وأربل وبابلي.

ومن العجيب أنّ لفظ (كرب) تطوّر معناه في اللغة العبريّة!قال بعض الادباء الامريكيين: (ممّا يصوّر لنا فكرة عن سوءأُسلوب الحياة أن نجد الكلمة العبرية (كَرَبَ Karab) ومعناها يقترب تعني في الوقت نفسه (يُقاتل ويحارب) ومن هنا كانت كلمة (كِراب Kerab) بمعني معركة. [13] .

لذلك يمكن القول بتطوّر الاسم (كربلاء) من الحقيقة الي المجاز،وبذلك لايجب الالتزام بأصل معناه بل يجوز، وممّا قدّمنا يُفهم أن (كربلا) مقصور في


الاصل، وأنّ الهمزة أُدخلت عليها لضرورة الشعر...

وعلي حسبان (كربلا) من الاسماء الساميّة الارامية أو البابلية،تكون القرية من القُري القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا وهي من ناحية نينوي الجنوبية.. [14] ونينوي من الاسماء الاشورية...). [15] .

وقال الشيخ محمّد باقر المدرّس في كتابه (مدينة الحسين (ع): (إنّ كربلاء تلخّصت من كلمتين في لغة الاراميين، وهما (كرب) بمعني معبد أو الحرم، و(إيلا) بمعني آلهة، فالمعني: حرم الالهة!). [16] .

ثم يقول الشيخ المدرّس: (لو أننا رجعنا إلي تأريخ هذا المدينة إلي عهد البابليين لوجدنا لها إسماً وأثراً! لانّه بناءً علي ما قاله المستشرق الفرنسي ماسينسيون في كتابه: خطط الكوفة / ترجمة تقي المصعبي إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانيين الذين كانوا يقطنون في مدينة نينوي والعقر البابلي، وكلاهما كان بقرب كور كربلاء). [17] .



پاورقي

[1] نقلاً عن کتاب نهضة الحسين (ع): 6 / مطبعة دار السلام ببغداد /1345 ه‍.ق.

[2] نقلاً عن کتاب لغة العرب: 5:178 / 1927 م.

[3] في معجم البلدان: 4: 445 (البصري) وليس (النصري) / وقال الدکتور مصطفي جواد في الحاشية: (أو النضري، و في الاصل من طبعة مصر (البصري) وهو محال، لانّ البصرة لم تکن يومئذٍ قد مُصِّرَتْ، ولانّ العربا لقدامي في القرن الاوّل والقرن الثاني لم يکونوا ينتسبون إلي المدن والاقطار بل إلي الاباء والقبائل والافخاذ والعمارات والبطون، أمّا غير العرب فجائز فيهم کما سرجويه البصري الطبيب (مختصر الدول لابن العبري ص 192).

[4] يعني عين التمر، المعروف حصنها اليوم بالاخيضر.

[5] في المصدر: خالد فقط وليس خالد بن الوليد.

[6] راجع: تأريخ الطبري: 2:574.

[7] کان خالد بن عرفطة هذا من قيادات جيش عمر بن سعد لقتال الحسين، ففي کتاب بصائر الدرجات بسندٍ عن سويد بن غفلة قال: (أنا عند أميرالمؤمنين إذ أتاه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، جئتک من وادي القري، وقد مات خالد بن عرفطة! فقال له أميرالمؤمنين: إنّه لم يمت! فأعادها عليه:فقال له عليُّ: لم يمتْ والذي نفسي بيده لايموت! فأعادها عليه الثالثة فقال: سبحان اللّه أُخبرک أنّه مات وتقول لم يمت!؟ فقال له عليُّ: لم يمت والذي نفسي بيده، لايموت حتّيْ يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمّاز!.قال فسمع بذلک حبيب، فأتي أميرالمؤمنين فقال له: أُناشدکَ فيَّ وإنّي لک شيعة، وقد ذکرتني بأمرلاواللّه ما أعرفه من نفسي! فقال له عليُّ: إنْ کنتَ حبيب بن جمّازفتحملنّها! فولّي حبيب بن جمّاز وقال: إنْ کنت حبيب بن جمّازلتحملنّها!! قال أبوحمزة: فواللّه مامات حتّي بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن عليّ، وجعل خالد بن عرفطة علي مقدّمته، وحبيب صاحب رايته!). (راجع: بحار الانوار:44: 259-260 باب 31،حديث رقم 11).

[8] راجع: معجم البلدان: 4:419.

[9] أي: في الشعر فقط.

[10] أي قرب انطفاؤها، راجع: مادة (قصر) من الصحاح.

[11] راجع: الکامل للمبرد: 1:128 / طبعة الدلجموني الازهري.

[12] لعلّ إسم (کربلاء) بمعني (حرم الاله) کان قد اُطلق علي هذا الموضع في إحدي اللغات القديمة (غير العربية) بواسطة أحدالانبياء الماضين (ع) من باب الاخبار بما سوف يقع علي أرض هذاالموضع في مستقبل الايام من قتل ابن بنت خاتم الانبياء(ص)، وأنّ هذا الموضع سوف يکون من البقاع المقدّسة، لاأنّ سبب هذه التسمية بالضرورة هو أنّ قوماً من الاقوام کانوا قد اتخذوا هذاالموضع معبداً لهم. فتأمّل!.

[13] راجع: المؤرّخون والشعر: 46 / ترجمة توفيق إسکندر إلي العربية.

[14] ميزاً لها عن نينوي الشمالية، إحدي عواصم الدولة الاشورية السامية ولاتزال أطلالها معروفة.

[15] راجع: موسوعة العتبات المقدّسة: 8 / قسم کربلاء / مقالة للدکتور مصطفي جواد بعنوان (کربلاء قديماً) ص 9 15.

[16] راجع: کتاب (شهر حسين (ع): ص 10 / کما ذکر المؤلّف أيضاً أنّ إسم کربلاء يرجع إلي عصر الملک شابور ذي الاکتاف من ملوک الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة. 31م في ايران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلي عشرة ألوية، وکلّلواء إلي طسوج، وکلّ طسج إلي رساتيق، وکانت الارض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وکانت کربلاء أحد طسوج هذا اللواء.

[17] راجع: کتاب (شهر حسين (ع): ص 10 / کما ذکر المؤلّف أيضاً أنّ إسم کربلاء يرجع إلي عصر الملک شابور ذي الاکتاف من ملوک الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة. 31م في ايران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلي عشرة ألوية، وکلّلواء إلي طسوج، وکلّ طسج إلي رساتيق، وکانت الارض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وکانت کربلاء أحد طسوج هذا اللواء.