بازگشت

مقدمة مركز الدراسات الاسلامية التابع لممثلية الولي الفقيه


بسم الله الرحمن الرحيم

«عاشوراء... قراءة في أهم أسباب العظمة و الخلود»

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره و دليلاعلي نعمه و آلائه، و الصلاة و السلام علي أشرف الخلائق محمد و آله الطيبين الطاهرين.

لم تزل واقعة عاشوراء - منذ سنة احدي و ستين للهجرة- تتعاظم أهمية و شأنا عاما بعد عام، و تتسامي قدرا و قداسة، و يزيد ذكرها و لايبيد، و يمتد عزاء الحسين عليه السلام انتشارا في شرق الأرض و غربها.

و تشغل هذه الظاهرة أذهان الكثيرين، و لعل أهم ما يتبادر الي ذهن المتأمل فيها من أسباب عظمة و خلود هذه الوقعة:

أولا: في وقعة عاشوراء كان قد سفك «الدم المقدس»، دم ابن رسول الله صلي الله عليه و اله، و ابن سيد الأوصياء عليه السلام، و ابن سيدة النساء عليها السلام، و أحد سيدي شباب أهل الجنة عليهما السلام، و بقية أهل آية التطهير، وسورة هل أتي، دم «سكن في الخلد، و اقشعرت له أظلة العرش، و بكي له جميع الخلائق، و بكت له السموات السبع و الأرضون السبع، و ما


فيهن و ما بينهن، و من يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا، و ما يري و ما لايري...». [1] .

ان قداسة الامام الحسين عليه السلام (المثل الأعلي) في ضمير و وجدان الأمة هي التي أسبغت علي عاشوراء كل هذه القداسة و هذه الرمزية في الزمان فكان «كل يوم عاشوراء»، و هي التي نشرت كربلاء علي كل الأرض عنوانا لميدان انتصار دم الحق علي سيف الباطل، فكانت «كل أرض كربلاء»، فيه عليه السلام صارت فاجعة عاشوراء «مصيبة ما أعظمها و أعظم رزيتها في الاسلام و في جميع السموات و الأرض!»، [2] و لولاه عليه السلام لكانت وقعة الطف بكل ما غصت به من فجائع أليمة: مأساة يذكرها الذاكر فيأسف لها كما يأسف لكثير من وقائع التأريخ الأليمة الأخري المقيدة بحدود الزمان و المكان.

ثانيا: كانت كربلاء يوم عاشوراء مسرحا لمواجهة فريدة من كل جهة في عالم الانسان، بين ذروة الفضيلة بكل مناقبيتها متمثلة بالحسين عليه السلام و أنصاره الكرام، و بين وهدة الرذيلة بكل انحطاطها متمثلة في جيش أعدائه، فكانت جميع وقايع عاشوراء تحكي من وجه حركة الفضيلة بأرقي ما تستطيع أن تقدمة من مثل عليا في الأخلاق الحميدة السامية، تصديقا لحجتها الواضحة الدامغة، و لحقانيتها في الصراع، و لمظلوميتها من كل جهة، و تجسيدا للأسوة الحسنة الخالدة، كيما يتأسي بها أهل الحق و الايمان علي مدي الأجيال الي قيام الساعة!

و كانت وقايع عاشوراء تحكي أيضا من وجه آخر: حركة الرذيلة بأحط ما يمكن أن يصدر عنها من مثل سييء، كاشف عن باطلها في الصراع، و عن جورها و ظلمها، و عن وحشيتها التي طغت حتي علي ما تعودته الوحوش الكواسر.


من هنا كانت «عاشوراء» مثلاأعلي للانسان المسلم و غير المسلم، في المواجهات بين الحق و الباطل، و كان الحسين عليه السلام نبراسا للانسانية جمعاء، يفخر بالانتساب اليه و الاقتداء به كل ثائر للحق مطالب به.

ثالثا: و كانت كربلاء في يوم عاشوراء أيضا مسرحا ل«واقعة حاسمة» بين الاسلام المحمدي الخالص، و بين حركة النفاق بكل فصائلها، واقعة حاسمة من كل جهة و لاحدود!

واقعة لم تنته بنصر حاسم محدود كما انتهت (الجمل)، و لم تنته كما انتهت (صفين) بلاحسم! بل انتهت بكل نتائجها لصالح الاسلام المحمدي الخالص و لو بعد حين، و أعادت جميع مساعي حركة النفاق التي امتدت خمسين سنة الي نقطة الصفر، و ذلك حيث استطاعت عاشوراء التي أريق فيها الدم المقدس أن تفصل تماما بين (الاسلام الأموي) و بين الاسلام المحمدي الخالص، و أفقدت الحكم الأموي وريث حركة النفاق- بارتكابه حماقة سفك الدم المقدس- قدرته علي التلبس بلباس الحق وتضليل الأمة علي الصعيد الديني و النفسي و الاعلامي، و هذا من أوضح آفاق الفتح الحسيني في عاشوراء، فلو لم تكن واقعة كربلاء لكان الأمويون قد واصلوا حكم الناس باسم الدين حتي يترسخ تماما في أذهان الناس بمرور الأيام و السنين أنه ليس هناك اسلام غير الاسلام الذي يتحدث به الأمويون و يؤخذ عنهم!! و علي الاسلام السلام!

لهذا كشف عاشوراء عن وحدة وجودية لاانفكاك لها بين الاسلام المحمدي الخالص و بين الحسين عليه السلام، فصارت الدعوة الي الاسلام بعد عاشوراء هي عين الدعوة الي الحسين عليه السلام، و بالعكس، و صارت مواجهة الحسين عليه السلام و معاداته بعد عاشوراء هي عين مواجهة هذا الاسلام و معاداته، و بالعكس، و صار بقاء الاسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسين عليه السلام فالاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء!


رابعا: اذا نظرنا الي قيام الامام الحسين عليه السلام في اطار الدور العام [3] المشترك لأئمة أهل البيت عليهم السلام لرأيناه متمما لكل مواقف الامام الأميرالمؤمنين علي و الامام الحسن عليهما السلام وجهودهما في الحفاظ علي الاسلام نقيا خالصا من كل شائبة و عالقة ليست منه أرادت حركة النفاق أن تلصقها به، و من كل نقص عمدت هذه الحركة الي احداثه فيه.

أما بعد قيام الامام الحسين عليه السلام فان جميع الأئمة من بعده عليهم السلام - في اطار هذا الدور العام المشترك - متممون لأهداف هذا القيام المقدس، و من هنا يمكننا النظر الي قيامه عليه السلام و كأنه مؤلف من مقاطع زمانية ثلاثة:

1- مقطع عاشوراء: و يقوده الامام الحسين عليه السلام نفسه، و يبدأ برفضه البيعة ليزيد، ثم بخروجه من المدينة الي مكة، ثم من مكة الي كربلاء، و ينتهي باستشهاده عليه السلام.

2- مقطع ما بعد عاشوراء الي عاشوراء الظهور: و يبدأ مباشرة بعد استشهاده عليه السلام، و يمتد هذا المقطع طويلاحتي ظهور الامام المهدي عليه السلام في يوم عاشوراء، و يقود هذا المقطع تباعا الأئمة التسعة من ذرية الحسين عليهم السلام، ويلاحظ المتأمل في هذا المقطع أن أهم معالم دورهم العام المشترك- اضافة الي حفظ الاسلام و نشر و تبيان عقائده و معارفه و أحكامه- أنهم عليهم السلام كانوا يركزون تركيزا مكثفا علي توجيه الأمة الي الارتباط بالحسين عليه السلام، و يحضون الناس علي البكاء عليه، ويدعون الشعراء الي انشاد الشعر فيه و ابكاء الناس، و تهييج أحزان يوم الطفوف، [4] و يؤكدون تأكيدات


متلاحقة و مبرمة علي زيارة الحسين عليه السلام حتي مع التيقن من خطر انتقام السلطات الظالمة!! [5] .

و لنتبرك بذكر بعض الشواهد الشريفة:

قول الامام السجاد عليه السلام: «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتي تسبيل علي خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا...». [6] .

و قول الامام الصادق عليه السلام: «كل الجزع و البكاء مكروه، سوي الجزع و البكاء علي الحسين عليه السلام». [7] .

و قوله عليه السلام: «ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكي و أبكي به الاأوجب الله له الجنة و غفر له.». [8] .

و قول الامام الرضا عليه السلام: «ان يوم الحسين أقرح جفوننا، و أسبل دموعنا، و إذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء، أورثتنا الكرب و البلاء الي يوم الانقضاء، فعلي مثل الحسين فليبك الباكون، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام». [9] .

و قوله عليه السلام: «من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا و الآخرة، و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه جعل الله عز و جل يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرت بنا في الجنان عينه...». [10] .

و قوله عليه السلام: «يا ابن شبيب، ان سرك أن تلقي الله عزوجل و لاذنب عليك فزر الحسين عليه السلام، يا ابن شبيب، ان سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلي الله عليه و اله فالعن قتلة الحسين، يا ابن شبيب، ان سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متي ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا


عظيما».

و قوله عليه السلام: «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، و همه لنا عبادة، و كتمان سرنا جهاد في سبيل الله». [11] .

و قول الامام الباقر عليه السلام في زيارة عاشوراء: «فأسأل الله الذي أكرم مقامك و أكرمني بك أن يرزقتي طلب ثارك مع امام منصور من أهل بيت محمد صلي الله عليه و اله و سلم... و أن يرزقني طلب ثاركم مع امام هدي ظاهر ناطق بالحق منكم...». [12] .

و كأنهم عليهم السلام - من خلال هذه المتون و كثير غيرها- يريدون أن يفهموا الأمة: أن الأصل عندهم هو القيام لله بوجه الظلم و الانحراف اذا تهيأت لهم العدة المطلوبة [13] من نوع «الانسان الحسيني»، و أن صناعة و صياغة الانسان الحسيني: و هو المؤمن، المسلم لأمر أئمة أهل البيت عليهم السلام، الشجاع، الحر، الأبي، البصير، الصلب، القاطع، المتأسي بمناقبية الحسين عليه السلام و أنصاره الكرام، لاتكون و لاتتم الافي «مصنع عاشوراء»!

3- مقطع عاشوراء الظهور: و يقود هذا المقطع الطالب بدم المقتول بكربلاء، ثائر الحسين، الامام المهدي (عج) حين تجتمع اليه العدة المقررة من خاصة أنصاره، و يبدأ بخروجه يوم عاشوراء، و الكون يومذاك متوشح بأثواب الحزن علي جده سيد الشهداء عليه السلام، و أهل الولاء في ذروة الكآبة و الأسي و الجزع و البكاء، قد انتشروا في مآتم الحسين عليه السلام، أو انتظموا في مواكب العزاء، فتغمر فجأة النبأ السار المدهش - بظهور القائم عليه السلام - قلوب محبيه و مواليه و شيعته بفرحة نشوي، بعد أن آدها الغم


والهم و الحزن، وأرهقها طول الغيبة و انتظار الفرج. فتزحف كتائبه من جنود الأرض و السماء بشعار «يا لثارات الحسين»، و يسير في الأرض يفتح البلاد بعد البلاد بعنوان الحسين عليه السلام، و يقتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام - لرضاهم بفعال آبائهم - و يقتل الطغاة بعد الطغاة، و الجبابرة بعد الجبابرة، حتي يحقق الفتح العالمي و يملأ الأرض قسطا و عدلابعد ما ملئت ظلما و جورا.

فما أعظم بركة عنوان الحسين عليه السلام في كل شيء!!

و ما أعظم عاشوراء الحسين عليه السلام بدء و منتهي!!

و بعد: فهذا الكتاب (الامام الحسين عليه السلام في كربلاء) هو الجزء الرابع من دراستنا التأريخية التفصيلية الموسعة (مع الركب الحسيني من المدينة الي المدينة)، و هذا الجزء يمثل المقطع الرابع من مقاطع هذه الدراسة، و يختص بتأريخ فترة وجود الامام عليه السلام في كربلاء حتي استشهاده.

و قد تشاطر حمل عبء هذا الجزء اثنان من مجموعة محققي هذه الدراسة، هما:

1- الشيخ المحقق عزت الله المولائي: و اختص ببحث تأريخ فترة وجود الامام الحسين عليه السلام في كربلاء الي ما قبل صبيحة يوم عاشوراء، وله الفصلان الأول و الثاني من هذا الجزء الرابع.

2- الشيخ المحقق محمد جعفر الطبسي: واختص ببحث تأريخ وقائع يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة احدي و ستين للهجرة، حتي استشهاد الامام الحسين عليه السلام و انتهاء المعركة، و له الفصلان الثالث و الرابع من هذا الجزء الرابع. كما أن شيخنا المحقق الطبسي هذا سيواصل معنا تأريخ فترة ماجري علي الركب الحسيني بعد استشهاد الامام عليه السلام حتي وصول الركب الي الشام، في الجزء


الخامس من هذا الدراسة، و الموسوم ب(وقائع الطريق من كربلاء الي الشام).

و كما قلنا في مقدمتنا في الجزء الثالث نقول هنا أيضا: اننا لاندعي شططا اذا قلنا ان هذا الجزء- كما الأول و الثاني و الثالث- قد حوي أيضا من التحقيقات و النظرات والاشارات الجديدة ما يؤهله لسد ثغرات عديدة في تاريخ النهضة الحسينية المقدسة كانت قبل ذلك مبهمة و غامضة لم تتوفر الاجابة الوافية عنها، و لفتح نوافذ تحقيقية كثيرة في قضايا النهضة الحسينية، لم تزل الحاجة ماسة الي انعام النظر و تفصيل القول فيها.

و هنا لابد من أن نتقدم بالشكر الجزيل الي مؤلفي هذا الكتاب سماحة الشيخ المحقق عزت الله المولائي، و سماحة الشيخ المحقق محمد جعفر الطبسي، لما بذلاه من جهد كبير في اعداد مادة هذا المقطع، و انجاز هذا البحث القيم.

كما نتقدم بالشكر الجزيل الي فضيلة الأستاذ المحقق علي الشاوي الذي تولي العناية بهذا البحث مراجعة و نقدا و تنظيما و تكميلا، كعنايته من قبل بالجزء الثاني و الثالث، داعين له بمزيد من الموفقية في ميدان التحقيق و مؤازرة المحققين، و في مواصلة عنايته البالغة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيمة ان شاء الله تعالي.

مركز الدراسات الاسلامية

التابع لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الالسلامية



پاورقي

[1] کامل الزيارات: 218 باب 79 رقم 2- نشر مکتبة الصدوق- طهران.

[2] فقرة من زيارة عاشوراء المشهورة - راجع: مفاتيح الجنان: ص 457- دار احياء التراث العربي- بيروت.

[3] لأئمة أهل البيت عليهم السلام دور عام يشترکون جميعا في السعي الي تحقيقة بالرغم من تفاوت الظروف السياسية والاجتماعية التي يمرون بها، کمثل مسؤوليتهم جميعا في الحفاظ علي الرسالة الاسلامية من کل تحريف. کما أن لکل منهم دورا خاصا به، تحدده طبيعة الظروف السياسية و الاجتماعية التي يعيشها کل من الاسلام و الامام و الأمة.

[4] ورد في الزيارة الجوادية للامام الرضا عليه السلام: «السلام علي الامام الرؤوف الذي هيج أحزان يوم الطفوف»- راجع: البحار: 102:55.

[5] راجع: البحار: 101- باب أن زيارته أن زيارته واجبة مفترضة مأمور بها... و أنها لاتترک للخوف.

[6] راجع: البحار: 44- باب ثواب البکاء علي مصيبته.

[7] راجع: البحار: 44- باب ثواب البکاء علي مصيبته.

[8] راجع: البحار: 44- باب ثواب البکاء علي مصيبته.

[9] راجع: البحار: 44- باب ثواب البکاء علي مصيبته.

[10] راجع: البحار: 44- باب ثواب البکاء علي مصيبته.

[11] راجع: البحار: 44- باب ثواب البکاء علي مصيبته.

[12] من فقرات زيارة عاشوارء المشهورة- راجع: مفاتيح الجنان: ص 456-457.

[13] راجع: الجزء الأول: الامام الحسين عليه السلام في المدينة المنورة: ص 213- 216، عنوان: القيام عند أهل البيت عليهم السلام.