بازگشت

و لنا في كل هذا كلام


1) رواية منازل الطريق التي رواها الطبري عن (رجل من بني فزارة!) فضلاً عن ضعف سندها بمجهولية الفزاري لايستقيم محتوي متنها مع الحقيقة التأريخية والجغرافية، ذلك لانّ زهير بن القين (رض) كان عائداً من مكّة إلي الكوفة بعد الانتهاء من أداء الحجّ، فلو فرضنا أنّه قد خرج من مكّة بعد انتهاء مراسم الحجّ مباشرة فإنه يكون قد خرج منها في اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة علي الاقوي، وبهذا يكون الفرق الزمني بين يوم خروجه ويوم خروج الامام عليه السلام منها خمسة أيّام علي الاقلّ، وإذا كان هذا فكيف يصحّ ما في متن الرواية: (كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين!...) [1] الدّال حسب


الظاهر أنّهم سايروا الامام عليه السلام من مكّة!؟

أمّا رواية البلاذري فيكفي في عدم الاعتماد عليها أنها مأخوذة عن وكالة أنباء (قالوا)!

ولو أننّا افترضنا أنّ زهير بن القين (رض) بادر بعد الفراغ من أداء مناسك الحجّ (فانصرف من مكّة متعجّلاً) علي ما في رواية البلاذري وجدَّ السير لايلوي علي شيء، فإنّ الفارق الزمني في أثره علي الفارق المكاني قد لايتغيّر، ويبقي كما هو علي الاقوي، لانّ الامام عليه السلام حسب متون تأريخية عديدة كان قد خرج من مكّة يجدّ السير أيضاً نحو العراق ولايلوي علي شيء!

من هنا، فإننا نحتمل احتمالاً قويّاً أنّ أوّل المنازل التي اشترك فيها الامام عليه السلام مع زهير (رض) هو منزل زرود نفسه، لابسبب أنّ زهيراً كان يتحاشي الاشتراك مع الامام عليه السلام في المنازل قبل زرود، بل لانّ هذا المنزل هو المنزل الاوّل الذي يمكن أن يكونا فيه معاً! يعني أوّل المنازل التي يمكن لزهير (رض) بسبب تعجّله! أن يُدرك الامام عليه السلام عنده.

2) من المؤرّخين من روي قصة لقاء الامام عليه السلام مع زهير (رض) دون أن يرد في روايته أي ذكر لامتناع زهير (رض) من الذهاب إليه عليه السلام كما ذكر الدينوري: (فأبي أن يلقاه!) والبلاذري: (فأمرته إمرأته ديلم بنت عمرو أن يأتيه فأبي!)، هذا الامتناع المُفسَّر علي أساس عثمانية زهير (رض)!

فهاهو ابن أعثم الكوفيّ المعاصر لكلّ من الطبري والدينوري والبلاذري يروي قصة هذا اللقاء بدون أي ذكر للعثمانية أو للامتناع قائلاً: (ثُمَّ مضي الحسين فلقيه زهير بن القين، فدعاه الحسين إلي نصرته فأجابه لذلك، وحمل إليه


فسطاطه، وطلّق امرأته، وصرفها إلي أهلها، وقال لاصحابه: إنّي كنتُ غزوتُ بلنجر مع سلمان الفارسي، فلمّا فتح علينا اشتدّ سرورنا بالفتح، فقال لنا سلمان: لقد فرحتم بما أفاء اللّه عليكم! قلنا: نعم.

قال: فإذا أدركتم شباب آل محمّد (ص) فكونوا أشدَّ فرحاً بقتالكم معه منكم بما أصبتم اليوم. فأنا أستودعكم اللّه تعالي! ثمّ مازال مع الحسين حتّي قُتِلَ.). [2] .

3) لم يحدّثنا التأريخ في إطار سيرة زهير بن القين (رض) عن أيّ واقعة أو حدث أو محاورة أو تصريح من زهير نفسه تتجلّي فيه هذه العثمانية التي أُلْصقت فيه! مع أنّ الاخرين ممّن عُرفوا بعثمانيتهم كانوا قد عُرفوا بها من خلال آرائهم ومواقفهم واشتراكهم في حرب أو أكثر ضدّ عليّعليه السلام!

4) وإذا تأمّلنا جيّداً في ماقاله عزرة بن قيس لزهير (رض) وما ردّ به زهير (رض) علي ما في رواية الطبري يتجلّي لنا أنّ زهير بن القين (رض) لم يكن عثمانيّاً في يوم من الايّام! ذلك لانّ زهير (رض) أجاب عزرة الذي اتهمه بالعثمانية فيما مضي قائلاً: (أفلستَ تستدلُّ بموقفي هذا أنّي منهم!؟) أي من أهل هذا البيت (ع) رأياً وميلاً وانتماءً.

ولم يقل له مثلاً: نعم كنتُ عثمانياً كما تقول، ثمّ هداني اللّه فصرت من أتباع أهل هذا البيت (ع) وأنصارهم، أو ما يشبه ذلك.

بل كان في قوله: (أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم) نفيٌ ضمنيُّ لعثمانيته مطلقاً في الماضي والحاضر، ثمّ إنّ سكوت عزرة بعد ذلك عن الردّ كاشف عن تراجعه عن تهمة العثمانيّة، فتأمّل.


5) إنّ التأمّل يسيراً في أقوال زهير بن القين (رض) وفي قول زوجه وموقفها، يكشف عن أنّ زهيراً (رض) وزوجه كانا يعرفان حقّ أهل البيت (ع) وتعمر قلبيهما مودّتهم، تأمّلْ في قوله لزوجه علي ما في رواية السيّد ابن طاووس: (وقد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لافديه بنفسي وأقيه بروحي)، وفي قولها له: (كان اللّه عوناً ومعينا، خار اللّه لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام!)، أو قوله لها علي ما في رواية الدينوري: (فإنّي قد وطّنتُ نفسي علي الموت مع الحسين عليه السلام)، وقوله لاصحابه: (من أحبّ منكم الشهادة فَلْيُقِمْ..)، وإخباره إيّاهم بحديث سلمان الفارسي (رض) علي ما في رواية الارشاد: (اذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم..)!

وتأمّل بتعمق أكثر في قوله: (وطّنتُ نفسي علي الموت مع الحسين عليه السلام، وقوله: (من أحبّ منكم الشهادة فليقم..)، وقوله زوجه: (أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام، وقوله لاصحابه: (من أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنه آخر العهد!)، تجد أنّ هذه العائلة الكريمة كانت علي علمٍ بأنّ الامام عليه السلام سيستشهد في سفره هذا مع أنصاره من أهل بيته وأصحابه، وذلك قبل أن تظهر في الافق معالم الانكسار الظاهري، وخذلان أهل الكوفة، وقبل أن يصل إلي الامام عليه السلام نباء مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروة (رض) وعبداللّه بن يقطر (رض)، وهذا كاشف عن أنّ زهيراً (رض) كان ذا عناية واهتمام بأخبار الامام الحسين عليه السلام ومتابعاً لانباء مستقبل حركته وقيامه، حتي لو فرضنا أنَّ زهيراً كغيره من الناس كان قد سمع بأخبار الملاحم المتعلقة بنهضة الحسين عليه السلام واستشهاده، أو سمع من نفس الامام عليه السلام بعض خطبه في مكّة التي كان قد أشار فيهاعليه السلام إلي استشهاده.


أضف الي ذلك: أنّ صاحب كتاب (أسرار الشهادة) نقل هذه الواقعة قائلاً: (قيل: أتي زهير إلي عبداللّه بن جعفر بن عقيل قبل أن يُقتل فقال له: يا أخي ناولني الراية!

فقال له عبداللّه: أَوَ فيَّ قصورٌ عن حملها!؟

قال: لا، ولكن لي بها حاجة!

قال فدفعها إليه وأخذها زهير، وأتي تجاه العبّاس بن أميرالمؤمنين (ع).

وقال: يا ابن أميرالمؤمنين، أُريد أن أحدّثك بحديث وعيته!

فقال: حدّث فقد حلاوقت الحديث! حدّث ولاحرج عليك فإنّما تروي لنا متواتر الاسناد!

فقال له: إعلم يا أبا الفضل أنّ أباك أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا أراد أن يتزوّج بأُمّك أمّ البنين بعث إلي أخيه عقيل، وكان عارفاً بأنساب العرب، فقال له: يا أخي، أُريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنّسب والشجاعة لكي أُصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا وأشار اإلي الحسين عليه السلام ليواسيه في طفّ كربلاء! وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلاتقصّر عن حلائل أخيك وعن أخواتك...). [3] .

فإذا صحّت هذه الرواية، فإنّ هذا الحديث الذي (وعاه) زهير (رض) ورواه للعبّاس عليه السلام، كاشف عن أنّ زهيراً (رض) علي اطّلاع منذ سنين بأخبار ووقائع البيت العلوي، وقد وعي أنباءَهم وعياً! وأنّه (رض) كان علي قرب من أهل هذا البيت المقدّس غير متباعد عنهم!


أفيمكن أن يكون مثل هذا الرجل عثمانياً!؟

إننا نستبعد ذلك بقوّة! وهذا مبلغ علمنا الان! ولعلّ مِن أهل البحث والتحقيق مَن يأتي بعدنا، ويتتبّع الاشارات التي قدّمناها بتوسع أكبر وتعمّق أكثر، ويصل الي مصادر لم نصل إليها، وينتبه إلي مالم ننتبه إليه، فيجلّي أ بعاد هذه القضيّة التأريخية بوضوح أتم، فيزيد من كمال الصورة، وكم ترك الاوّل للاخر!

وسلام علي زهير بن القين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً.


پاورقي

[1] ويؤيد هذا ما رواه الطبري في تأريخه، 3 :302-303 عن الرجلين الاسديين: (قالا: لمّا قضينا حجّنا لم يکن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين في الطريق لننظر مايکون من أمره وشأنه، فأقبلنا تُرقل بنا ناقتانا مسرعين حتي لحقناه بزرود...).

[2] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:323، الفصل 11، رقم 6.

[3] أسرار الشهادة: 334؛ وعنه مقتل الحسين عليه السلام؛ للمقرّم: 209.