بازگشت

زهير بن القين


هو زهير بن القين بن قيس الانماري البجلي، كان رجلاً شريفاً في قومه، نازلاً فيهم بالكوفة، شجاعاً، له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة.. حجّ سنة ستين في أهله، ثمّ عاد فوافق الحسين عليه السلام في الطريق.. [1] فلحق به ولازمه حتّي استشهد بين يديه في كربلاء.


وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية: (السلام علي زهير بن القين البجلي القائل للحسين عليه السلام وقد أذن له في الانصراف: لاواللّه، لايكون ذلك أبداً! أأترك ابن رسول اللّه (ص) أسيراً في يد الاعداء وأنجو أنا!؟ لاأراني اللّه ذلك اليوم.). [2] .

وكانت لزهير (رض) مواقف جليلة فذّة مع الامام عليه السلام منذ أن انضمّ إلي ركبه حتي استشهد بين يديه، يذكرها التأريخ وتقرأها الاجيال فتخشع إكباراً وتعظيماً لهذه الشخصية الاسلامية السامية، ومن هذه المواقف:

لمّا بلغ الركب الحسينيّ (ذا حسم) خطب الامام عليه السلام أصحابه خطبته التي يقول فيها: (أمّا بعدُ، فإنّه نزل بنا من الامر ما قد ترون..) إلخ، قام زهير وقال لاصحابه: أتتكلّمون أم أتكلّم؟

قالوا: بل تكلّم.

فحمد اللّه وأثني عليه، ثم قال: قد سمعنا هداك اللّه يا ابن رسول اللّه مقالتك، واللّه لو كانت الدنيا لنا باقية، وكُنّا فيها مخلّدين، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك، لاثرنا النهوض معك علي الاقامة فيها! فدعا له الحسين وقال له خيراً.). [3] .

وروي أبومخنف: عن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي قال: لمّا كانت الليلة العاشرة خطب الحسين أصحابه وأهل بيته فقال في كلامه: (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلُّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فإنّ القوم إنّما يطلبوني)، فأجابه العبّاس عليه السلام وبقيّة أهله.. ثمّ أجابه مسلم بن عوسجة.. وأجابه سعيد.. ثم قام زهير فقال: واللّه لوددتُ أنّي قُتلت ثُمَّ نُشرتُ، ثمَّ قتلتُ حتّي أُقتل


كذا ألف قتلة! وأنّ اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك! [4] .

وروي أبو مخنف عن عليّ بن حنظلة بن أسعد الشبامي، عن كثير بن عبداللّه الشعبي البجلي قال: لمّا زحفنا قِبَل الحسين عليه السلام خرج إلينا زهير بن القين علي فرسٍ له ذَنوب، وهو شاك في السلاح فقال: يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب اللّه نذارِ! إنَّ حقّاً علي المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّي الان إخوة وعلي دين واحدٍ وملّة واحدة مالم يقع بيننا وبينكم السيف! فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنّا أمّة وكنتم أمّة! إنّ اللّه قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد (ص) لينظر ما نحن وأنتم عاملون! إنّا ندعوكم إلي نصرهم وخذلان الطاغية عبيداللّه بن زياد، فإنّكم لاتُدركون منهما إلاّ السوء عُمَر سلطانهما كلّه، إنهما يسمّلان أعينكم، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم، ويمثّلان بكم، ويرفعانكم علي جذوع النخل! ويقتّلان أماثلكم وقرّأكم أمثال حُجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه!

قال: فسبّوه وأثنوا علي عبيداللّه وأبيه! وقالوا: واللّه لانبرح حتي نقتل صاحبك ومن معه! أو نبعث به وبأصحابه إلي الامير!

فقال لهم زهير: عبادَ اللّه! إنّ ولد فاطمة 3 أحقُّ بالودّ والنصر من ابن سميّة، فإنْ لم تنصروهم فأُعيذكم باللّه أنْ تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلعمري إنّه ليرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام!

قال فرماه شمر بسهم وقال له: أُسكتْ أَسَكتَ اللّه نامتك! فقد أبرمتنا بكثرة كلامك!


فقال زهير: يا ابن البوّال علي عقبيه! ما إيّاك أُخاطب، إنّما أنت بهيمة، واللّه ما أظنّك تُحكم من كتاب اللّه آيتين! فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم.

فقال له شمر: إنّ اللّه قاتلك وصاحبك عن ساعة!

قال زهير: أفبالموت تخوّفني!؟ واللّه للموت معه أحبّ إليَّ من الخُلد معكم! قال: ثمّ أقبل علي الناس رافعاً صوته، وصاح بهم: عبادَ اللّه! لايُغرنّكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فواللّه لاتنال شفاعة محمّد (ص) قوماً هرقوا دماء ذريّته وأهل بيته! وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم!

قال فناداه رجل من خلفه: يا زهير، إنّ أبا عبداللّه يقول لك:

أَقْبِلْ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لونفع النصح والابلاغ! [5] .

وبعد عدّة حملات وصولات له (رض) في يوم عاشوراء، رجع فوقف أمام الامام الحسين عليه السلام وأنشد مودّعاً إيّاه:



فدتك نفسي هادياً مهديّاً

أليوم ألقي جدّك النبيّا



وحسناً والمرتضي عليّا

وذا الجناحين الشهيد الحيّا [6] .




پاورقي

[1] راجع: إبصار العين: 161.

[2] معجم رجال الحديث، 7: 295، رقم 4750.

[3] تاريخ الطبري، 3:307؛ وإبصار العين: 162.

[4] راجع: تأريخ الطبري، 3:316؛ والارشاد:215 وإبصار العين: 164.

[5] راجع: تأريخ الطبري، 3:319؛ وإبصار العين: 165-166.

[6] راجع: إبصار العين: 167.