بازگشت

قيس بن مسهر ام عبدالله بن يقطر


هناك قضية لم تزل غامضة مبهمة علي أكثر المتتبعين لحركة أحداث النهضة الحسينية والقضايا الغامضة في إطار هذه النهضة المقدّسة كثيرة! وهي:

هل أن الرسول الذي بعثه الامام عليه السلام أثناء الطريق بعد الخروج من مكّة الي العراق، فأُلقي القبض عليه في القادسية، ثمّ أمر به ابن زياد فأُلقي مكتوفاً من أعلي القصر فقضي نحبه، هو قيس بن مُسهّر (رض) أم عبداللّه بن يقطر (رض)!؟

ولقد عبّر الشيخ المفيد (ره) عن هذا الغموض والابهام أفضل تعبير بقوله: (ويُقال بل بعث أخاه من الرضاعة عبداللّه بن يقطر إلي الكوفة..). [1] .

أم أنّ كلاًّ منهما كان رسولاً للامام أثناء الطريق إلي الكوفة، وكُلاًّ منهما أُلقي عليه القبض في القادسية، وكُلاًّ منهما أمر به ابن زياد فأُلقي من أعلي القصر فمضي شهيداً!؟

أم أن هناك تفاوتاً بين قصتي هذين الشهيدين العظيمين؟

من أجل استكشاف الحقيقة وإزالة الابهام والغموض في هذا الصدد نضع


الملاحظات التالية بين يدي القاري ء الكريم:

1) تؤكّد مصادر تأريخية علي أنّ كُلاًّ من هذين الشهيدين كان رسولاً للامام عليه السلام إلي الكوفة، لكنها تحدّد المكان الذي أرسل الامام عليه السلام منه قيس بن مسهّر (رض) إلي الكوفة وهو الحاجر من بطن الرمّة، ولاتحدد المكان الذي أرسل الامام عليه السلام منه ابن يقطر (رض) الي الكوفة ولازمان ذلك، فمثلاً: يقول مؤرّخون: (ثمّ إنّ الحسين لمّا وصل الي الحاجر من بطن الرمّة كتب كتاباً الي مسلم وإلي الشيعة بالكوفة وبعثه مع قيس..) [2] لكنهم بصدد ابن يقطر يقولون: (وكان قد سرّحه إلي مسلم بن عقيل من الطريق وهو لايدري أنه أصيب). [3] .

نعم، هناك ملاحظة مهمة صرّح بها الشيخ السماوي (ره) قائلاً: (وقال ابن قتيبة وابن مسكويه: إنّ الذي أرسله الحسين قيس بن مسهّر.. وإنَّ عبداللّه بن يقطر بعثه الحسين عليه السلام مع مسلم، فلمّا أن رأي مسلم الخذلان قبل أن يتمَّ عليه ماتمّ بعث عبداللّه إلي الحسين يخبره بالامر..)، [4] فإذا صحّ هذا يكون رسول الامام عليه السلام الي الكوفة أثناء الطريق هو قيس بن مسهّر لاسواه.

2) علي فرض أنّ عبداللّه بن يقطر (رض) كان أيضاً رسولاً من قبل الامام عليه السلام الي الكوفة بعد خروجه من مكّة، فإنّ إرساله الي الكوفة كان قبل إرسال قيس بن مسهّر (رض) زمانياً، وقبل منطقة الحاجر من بطن الرمّة مكانياً، ذلك لانه علي الاقلّ كان قد وصل الي القادسية وأُخذ وقُتل بإلقائه من أعلي القصر قبل


فترة من وصول قيس بن مسهّر (رض) الذي قتل بعد مقتل مسلم عليه السلام، بدليل أنّ خبر مقتل عبداللّه بن يقطر (رض) كان قد وصل الي الامام الحسين عليه السلام بزبالة بعد خبر مقتل مسلم عليه السلام وهاني بن عروة (رض) بقليل، فنعاهم الامام عليه السلام قائلاً: (أمّا بعدُ، فقد أتانا خبرٌ فظيع! قُتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبداللّه بن يقطر..)، [5] وأمّا خبر مقتل قيس (رض) فقد بلغ الامام عليه السلام بعد ذلك بفترة في عذيب الهجانات. [6] .

إذن لامانع من أن يكون كلّ منهما رسولاً للامام عليه السلام إلي الكوفة بعد خروجه عليه السلام من مكّة، لكنّ إرسال ابن يقطر (رض) كان قبل إرسال ابن مسهّر (رض)، وقد قُتلابنفس القتلة بالالقاء من أعلي القصر، لكنّ ابن يقطر (رض) قُتل قبل ابن مسهّر (رض) بفترة.

3) هناك مصادر تأريخية تقول إنّ عبداللّه بن يقطر (رض) كان رسولاً من قبل مسلم عليه السلام، فقُبض عليه بعد خروجه من الكوفة عند أطرافها قريباً من القادسية، وكان مقتله قبل مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام، فقد ورد في رواية ابن شهرآشوب أنّ عبيداللّه بن زياد بعد أن زار شريك بن الاعور الحارثي في مرضه (في بيت هانيء بن عروة)، وجري ما جري من حثّ شريك مسلماًعليه السلام علي قتل عبيداللّه من خلال رمز (ما الانتظار بسلمي أن تحييها..)، فأوجس عبيدالله منهم خيفة فخرج: (فلمّا دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبداللّه بن يقطر، فإذا فيه: للحسين بن عليّ، أما بعدُ: فإنّي أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل، فإنّ النّاس معك،


وليس لهم في يزيد رأي ولاهوي. فأمر ابن زياد بقتله.)، [7] وكذلك روي السيّد محمد بن أبي طالب في كتابه تسلية المجالس، [8] فإذا أضفنا إلي هاتين الروايتين ماذكره الشيخ السماوي (ره) عن ابن قتيبة وابن مسكويه من أنّ الامام الحسين عليه السلام كان قد أرسل عبداللّه بن يقطر (رض) مع مسلم عليه السلام، فلمّا أن رأي مسلم الخذلان قبل أن يتمّ عليه ماتمّ بعث عبداللّه إلي الحسين يخبره بالامر.. [9] .

يتحقّق إذن علي أساس ذلك تفاوت بيّن بين قصتي هذين الشهيدين (رض)، إذ يكون عبداللّه بن يقطر (رض) مبعوثاً مع مسلم عليه السلام إلي الكوفة من مكّة أو رسولاً من قبل الامام عليه السلام إلي الكوفة بعد خروجه من مكّة وحين أُلقي القبض عليه كان حاملاً كتاباً من مسلم عليه السلام إلي الامام عليه السلام، لاكحال قيس بن مسهّر (رض) الذي أُلقي عليه القبض وهو رسول من الامام عليه السلام يحمل كتاباً منه إلي الكوفة، إلي مسلم عليه السلام أو إلي بعض وجوه الشيعة فيها.

والمسألة لاتزال بحاجة الي مزيد من البحث والتنقيب والتحقيق، وباب المعرفة لازال مفتوحاً علي مصراعيه، فكم ترك الاول للاخر!


پاورقي

[1] الارشاد: 202.

[2] ابصار العين: 112 وتاريخ الطبري، 3:301 والارشاد: 202 وانظر: أنساب الاشراف، 3:378 والاخبار الطوال: 245-246 ومثير الاحزان: 42 وتذکرة الخواص: 221.

[3] تاريخ الطبري، 3:303 وانظر: ابصار العين: 93.

[4] ابصار العين: 94.

[5] تاريخ الطبري، 3:303.

[6] تاريخ الطبري، 3:308.

[7] مناقب آل أبي طالب، 4:94، وعنه البحار: 44:343.

[8] تسلية المجالس، 2:182.

[9] راجع: إبصار العين: 94.