بازگشت

اين لقي الفرزدق الامام بالضبط؟


من الوقائع التي تفاوتت الروايات التأريخية تفاوتاً غير يسير فيها واقعة لقاء الفرزدق الشاعر مع الامام الحسين عليه السلام، خصوصاً في تحديد مكان هذا اللقاء.

نجد مِنَ المؤرّخين من لايذكر المنزل لامن قريب ولابعيد، كالاربلي (ره) حيث يقول: (وقال الفرزدق لقيني الحسين في منصرفي من الكوفة..)، [1] ومنهم من يذكر أنّ هذا اللقاء كان في أرض الحرم وخارج مكّة، كما مرّ في رواية الشيخ المفيد (ره) والطبري، [2] ومنهم من يشخّص مكانه في أرض الحرم كسبط ابن الجوزي حيث قال: (فلمّا وصل بستان بني عامر لقي الفرزدق الشاعر..)، [3] ومنهم من روي أنهما التقيا في ذات عرق، كابن عساكر، والبلاذري، [4] ومنهم من قال في الشقوق، كابن شهر آشوب، والاربلي في قول ثانٍ، [5] ومنهم من قال في الصفاح، كالبلاذري، وابن الاثير، والطبري، وابن مسكويه، والحموي، والدينوري، [6] ومنهم من قال إنهما التقيا بعد خروج الامام عليه السلام من منطقة زُبالة، كالسيّد ابن طاووس (ره) حيث قال: (ثمّ إنّ الحسين عليه السلام سار من زُبالة قاصداً لما دعاه اللّه إليه فلقيه الفرزدق الشاعر..). [7] .


وقول السيّد ابن طاووس (ره) علي فرض أنّ الفرزدق كان في طريقه إلي مكّة هو أبعد الاقوال، بل لايمكن أن يُؤخذ به! لانّ الفرزدق لايمكن أن يُدرك الحجّ اذا كان قد التقي الامام عليه السلام الذي خرج من مكّة يوم التروية قبل زبالة من جهة الكوفة، وذلك لبُعد المسافة التي تستغرق أيّاماً بين زبالة ومكّة المكرّمة، فعلي هذا تكون أيّام الحجّ قد انتهت والفرزدق عند زُبالة لم يصل بعدُ إلي مكّة!

أمّا أقرب الاقوال وأقواها هو ما رواه الشيخ المفيد والطبري وسبط ابن الجوزي من أنّ هذا اللقاء كان في أرض الحرم أطراف مدينة مكة، وفي بستان بني عامر علي حدّ نقل سبط ابن الجوزي، وذلك لانّ هذا اللقاء كان في يوم التروية، فلابدّ أن يكون مكان اللقاء علي هذا القرب قريباً جدّاً من مكّة حتّي يستطيع الفرزدق مع أمّه إدراك أعمال الحجّ في وقتها.

نعم، يمكن أن نحتمل إمكان أن الفرزدق لقي الامام عليه السلام ما بعد زُبالة علي قول السيد ابن طاووس (ره) فقط علي فرض أنّ هذا اللقاء كان اللقاء الثاني بينهما بعد عودة الفرزدق من مكّة بعد أدائه الحجّ وهو احتمال بعيد، لبعد المسافة بين مكّة وزبالة التي هي قريب من القادسية! نعم، يمكن أن يُقال بإمكان ذلك إذا كان الفرزدق قد ترك مكّة مباشرة بعد انتهاء أعمال الحجّ، وجدَّ في السير علي أثر الامام عليه السلام فلم يَلوِ علي شيء حتّي أدرك الامام عليه السلام فيما بعد زُبالة، ولكن لم نعثر علي إشارة تأريخية تفيد أنّ الفرزدق قد قام بهذا فعلاً!

وإذا صحَّ أنّ هذا اللقاء علي رواية السيّد ابن طاووس (ره) كان اللقاء الثاني بينهما، بعد عودة الفرزدق من الحجّ، فلايُستبعد عندئذٍ ما رواه السيّد (ره) من أنّ الفرزدق بعد أن سلّم علي الامام عليه السلام قال: (يا ابن رسول اللّه كيف تركن إلي أهل


الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته!؟)، [8] ذلك لانّ خبر مقتل مسلم عليه السلام آنئذٍ كان قد شاع في الديار، أو أنّ الفرزدق علي الاقلّ كان قد علم خبره من أوساط الركب الحسيني نفسه قبل سلامه علي الامام عليه السلام وقد استدلّ بعض المحقّقين [9] علي أنّ الصحيح هو أنّ لقاء الفرزدق مع الامام عليه السلام كان في الصفاح لانّ الفرزدق نظم في ذلك شعراً، وهو استدلال ساذج لامكان أن ينظم هذا الشعر غير الفرزدق ثمّ ينسبه إليه!

وفي ختام البحث حول لقاء الفرزدق مع الامام عليه السلام، يحسن هنا أن ننقل نصّ المحاورة بينهما علي رواية الاربلي (ره) عن لسان الفرزدق أنه قال: (لقيني الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة، فقال: ما وراءك يا أبافراس؟

قلت: أُصْدِقُك؟

قال: الصدقُ أُريد!

قلت: أمّا القلوب فمعك، وأمّا السيوف مع بني أميّة! والنصر من عند اللّه.

قال: ما أراك إلاّ صدقتَ! الناس عبيدالمال! والدّين لغو (لعق) علي ألسنتهم، يحوطونه مادرّت به معايشهم! فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون!). [10] .


پاورقي

[1] کشف الغمة، 2:32.

[2] الارشاد: 201؛ وتاريخ الطبري، 3:296.

[3] تذکرة الخواص: 217.

[4] تاريخ ابن عساکر، ترجمة الامام الحسين 7: 303، رقم 261؛ وأنساب الاشراف، 3:377.

[5] مناقب آل أبي طالب، 4:95، وکشف الغمّة، 2:43.

[6] أنساب الاشراف، 3:376؛ وتاريخ الطبري، 3:296؛ وتجارب الامم، 2:56؛ ومعجم البلدان، 3:412؛ والاخبار الطوال: 245.

[7] اللهوف: 32.

[8] اللهوف: 32.

[9] راجع حياة الامام الحسين بن علي عليه السلام، 3:60.

[10] کشف الغمة، 2:32؛ والمحجّة البيضاء، 4:228.