بازگشت

منطق ابن عمر


(لقد كان عبداللّه بن عمر لساناً من الالسنة التي خدمت الحكم الاموي، بل كان بوقاً أمويّاً حرص علي عزف النغمة النشاز في أُنشودة المعارضة! وسعي إلي تحطيم المعارضة من داخلها، ولايُعباءُ بما صوّره به بعض المؤرّخين من أنّه كان رمزاً من رموزها، لانّ المتأمّل المتدبر لايجد لابن عمرٍ هذا أيَّ حضور في أيّ موقف معارضٍ جادّ! بل يراه غائباً تماماً عن كل ساحة صدق في المعارضة! وإذا تأمّل المحقّق مليّاً وجد عبداللّه بن عمر ينتمي انتماءً تاماً عن إصرار وعناد إلي حركة النفاق التي قادها حزب السلطة منذ البدء، ثمّ لم يزل يخدم فيها حتّي في الايّام التي آلت قيادتها فيها إلي الحزب الاموي بقيادة معاوية، ثمّ يزيد! هذه هي حقيقة ابن عمر، وإنْ تكلّف علاقات حسنة في الظاهر مع وجوه المعارضة عامّة ومع الامام الحسين عليه السلام خاصة، وحقيقة ابن عمر هذه يكشف عنها معاوية لابنه يزيد في وصيّته إليه بلارتوش نفاقية حيث يقول له: (فأمّا ابن عمر فهو معك! فالزمه ولاتدعه!)). [1] [2] .

وهنا في هذا اللقاء أيضاً نجد ابن عمر يتحدّث عن لسان الامويين بصورة


غير مباشرة، فمعاوية الذي أشاع في النّاس ‍ الفكر الجبري بأنّ حكمه ومايفعله بالامّة من قضاء اللّه الذي لايُبدّل! وليس للامّة إلاّ التسليم أمام الارادة الالهية في ذلك! أذاع في النّاس أيضاً من خلال كثير من وعّاظ السلاطين أمثال عبداللّه بن عمر أنّ اللّه اختار لال النبيّ (ص) الاخرة ولم يُرد لهم الدنيا بمعني أنَّ هؤلاء المصطفين لم يُرد اللّه لهم أن يكونوا حكّاماً!! ولذا فقد صرفها عنهم لما هو خيرٌ لهم!!

والاعجب أنّ ابن عمر في ذروة اندفاعه امتثالاً لامر الامويين لمنع الامام عليه السلام من مواصلة سفره إلي العراق، ينسي نفسه ويذهل عن أنّه يخاطب أحد أفراد العترة المطهّرة الذين هم مع القرآن والقرآن معهم لايفارقهم، والذين هم أعلم الخلق بإرادة اللّه في التشريع والتكوين فيقول له: واللّه لايليها أحدٌ منكم أبداً!! مخالفاً بذلك لصريح الحقائق القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة المتواترة، لاأقلَّ في ما أجمعت عليه الامّة عن نبيّها (ص) في أنّ المهديَّعليه السلام وهو من ولد فاطمة 3، ومن ولد الحسين عليه السلام، هو الذي سوف يملاالارض ‍ عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا!

لقد كان منتهي ما يتمنّاه ابن عمر الامويّ الهوي هو أنّ يمنع الامام عليه السلام من أصل القيام والنهضة، لامن السفر إلي العراق فحسب، ولذا نراه يعبّر بعد فشله في مسعاه عن هذه الامنية الخائبة فيقول: (غلبنا الحسين بن عليّ بالخروج! ولعمري لقد رأي في أبيه وأخيه عبرة، ورأي من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي أن لايتحرّك ما عاش!! وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس!! فإنّ الجماعة خير..). [3] .


لقد كان أفضل ردٍّ علي منطق ابن عمر هو ردُّ الامام الحسين عليه السلام نفسه حيث قال له في محاورته إيّاه في مكّة: (أُفٍّ لهذا الكلام أبداً مادامت السماوات والارض!). [4] .


پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 129، المجلس الثلاثون حديث رقم 1.

[2] الجزء الثاني من هذه الدراسة ص 300، وفيه أيضاً ترجمة وافية لابن عمر، فراجعهافي ص 292-289.

[3] تاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي): 294، رقم 256.

[4] الفتوح، 5:41.