بازگشت

كلمة الحق الجريئة تزلزل قصر الخبال و الضلال


روي ابن أعثم الكوفي: (قال: فأُدخل مسلم بن عقيل علي عبيداللّه بن زياد فقال له الحرسي: سلّم علي الامير!

فقال له مسلم: أُسكت لاأُمَّ لك! مالك وللكلام!؟ واللّه ليس هو لي بأميرٍ فأسلّم عليه! [1] وأخري فيما ينفعني السلام عليه وهو يريد قتلي!؟ فإن استبقاني فسيكثر عليه سلامي! [2] .

فقال له عبيداللّه بن زياد: لاعليك! سلّمتَ أم لم تسلّم، فإنك مقتول!

فقال مسلم بن عقيل: إن قتلتني فقد قتل شرُّ منك من كان خيراً منّي!


فقال له ابن زياد: يا شاقّ! يا عاقّ! خرجتَ علي إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحتَ الفتنة!

فقال مسلم: كذبتَ يا ابن زياد! واللّه ما كان معاوية خليفة بإجماع الامّة، بل تغلّب علي وصيّ النبيّ بالحيلة، وأخذ عنه الخلافة بالغصب، وكذلك ابنه يزيد! وأمّا الفتنة فإنك ألقحتها أنت وأبوك زياد بن علاج من بني ثقيف! وأنا أرجو أن يرزقني اللّه الشهادة علي يدي شرّ بريّته! فواللّه ما خالفت ولاكفرتُ ولابدّلتُ! وإنّما أنا في طاعة أميرالمؤمنين الحسين بن علي، بن فاطمة بنت رسول اللّه (ص)، ونحن أولي بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد!

فقال له ابن زياد: يا فاسق! ألم تكن تشرب الخمر في المدينة!؟ [3] .

فقال مسلم بن عقيل: أحقُّ واللّهِ بشرب الخمر منّي من يقتل النفس الحرام (ويقتل علي الغضب والعداوة والظنّ) وهو في ذلك يلهو ويلعب كأنه لم يصنع شيئاً!

فقال له ابن زياد: يا فاسق! منّتك نفسك أمراً أحالك اللّه دونه وجعله لاهله!


فقال مسلم بن عقيل: ومن أهله يا ابن مرجانة!؟ [4] .

فقال: أهله يزيد ومعاوية!

فقال مسلم بن عقيل: الحمدُ للّه، كفي باللّه حكماً بيننا وبينكم!

فقال ابن زياد لعنه اللّه: أتظنّ أنّ لك من الامر شيئاً!؟

فقال مسلم بن عقيل: لاواللّه ماهو الظنّ ولكنه اليقين!

فقال ابن زياد: قتلني اللّه إن لم أقتلك!

فقال مسلم: إنّك لاتدع سوء القتلة وقبح المُثلة وخبث السريرة! [5] واللّه لو كان معي عشرة ممّن أثق بهم، وقدرتُ علي شربة من ماءٍ لطال عليك أن تراني في هذا القصر! ولكنْ إن عزمت علي قتلي ولابدّ لك من ذلك فأقم إليَّ رجلاً من قريش أوصي إليه بما أُريد.

فوثب [6] إليه عمر بن سعد بن أ بي وقّاص، فقال: أوصِ إليَّ بما تريد يا ابن


عقيل! ( [7] فقال له مسلم: أوصيك بتقوي اللّه، فإنّ التقوي درك كلّ خير، ولي إليك حاجة!

فقال عمر: قل ما أحببت.

فقال: حاجتي إليك أن تستردّ فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم فتبيعه، وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم هذا، وأن تستوهب جثّتي إن قتلني هذا الفاسق!، فتواريني في التراب، وأن تكتب للحسين: أن لايقدم فينزل به ما نزل بي!

فقال عمر بن سعد: أيّها الامير! إنّه يقول كذا وكذا! [8] .

فقال ابن زياد: يا ابن عقيل! أمّا ما ذكرتَ من دَينك فإنّما هو مالك تقضي به دينك، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، وأمّا جسدك فإنّا إذا قتلناك فالخيار لنا، ولسنا نبالي ما صنع اللّه بجثّتك! [9] وأمّا الحسين فإنه إن لم يُردنا لم نرده، وإن ارادنا


لم نكفّ عنه!)، ولكنّي أريد أن تخبرني يا ابن عقيل، بماذا أتيت الي هذا البلد!؟ شتّت أمرهم، وفرّقت كلمتهم، ورميت بعضهم علي بعض!

فقال مسلم بن عقيل: ليس لذلك أتيت هذا البلد، ولكنّكم أظهرتم المنكر، ودفنتم المعروف، وتأمّرتم علي الناس من غير رضا، وحملتموهم علي غير ما أمركم اللّه به، وعملتم فيهم بأعمال كسري وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلي حكم الكتاب والسُنَّة، وكنّا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قُتل أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب، ولاتزال الخلافة لنا، فإنّا قُهرنا عليها، لانكم أوّل من خرج علي إمام هديً، وشقّ عصا المسلمين، وأخذ هذا الامر غصباً، ونازع أهله بالظلم والعدوان! ولانعلم لنا ولكم مثلاً إلاّ قول اللّه تبارك وتعالي: (وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون)... [10] فجعل ابن زياد يشتمُ عليّاً والحسن والحسين رضي اللّه عنهم!

فقال له مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة منهم! فاقض ما أنت قاض! فنحن أهل بيت موكول بنا البلاء!

فقال عبيداللّه بن زياد: إلحقوا به إلي أعلي القصر فاضربوا عنقه، وألحقوا رأسه جسده! [11] .

فقال مسلم رحمه اللّه: أما واللّه يا ابن زياد! لو كُنتَ من قريش أو كان بيني


وبينك رحم أو قرابة لما قتلتني، ولكنّك ابن أبيك!

قال: فأدخله ابن زياد القصر، ثُمّ دعا رجلاً من أهل الشام قد كان مسلم بن عقيل ضربه علي رأسه ضربة منكرة، فقال له: خُذ مسلماً واصعد به إلي أعلي القصر، واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفي لصدرك!). [12] .


پاورقي

[1] نقل الطريحي أنّ مسلماًعليه السلام حينما دخل ديوان القصر علي ابن زياد قال له القوم سلّم علي الامير! فقال: (السلام علي من اتّبع الهدي، وخشي عواقب الردي، وأطاع الملک الاعلي..) (المنتخب: 427، المجلس التاسع من الجزء الثاني).

[2] يستشعر العارف بالعزّة الهاشمية أنّ هذه العبارة: (فإن استبقاني فسيکثر سلامي عليه!) کما تتنافي مع الاباء الهاشمي تتنافي أيضاً مع معرفة مسلم عليه السلام التامّة بنفسية ابن زياد کما ستکشف عن ذلک بقيّة المحاورة بينهما بل إنّ هذه العبارة تجسيد لسذاجة قد افتعلها بعض المؤرخين علي مسلم عليه السلام، واين هي من سلامه العزيز الابيّ: (السلام علي من اتبع الهدي وخشي عواقب الردي واطاع الملک الاعلي) الذي نقلناه عن الطريحي!؟ ومن الغريب المؤسف أن تلک العبارة قد رواها أيضاً أو مايشابهها الطبري في تأريخه 3:290؛ والمفيد في إرشاده:198؛ وابو الفرج في مقاتل الطالبيين: 70 والدينوري في الاخبار الطوال: 240 وغيرهم.

[3] هذه سُنّة الطواغيت وأجهزتهم الاعلامية في تشويه سمعة کلّ ثائر للحقّ في وجوههم، فتهمة الخمر والقمار والزنا وماهو أقبح من ذلک! أوّل قذائف الطغاة لاسقاط سمعة الثائرين وفي رواية الطبري، 3:291 أنّ مسلماًعليه السلام أجاب ابن زياد قائلاً: (أنا أشرب الخمر!؟ واللّه إنّ اللّه ليعلم أنک غير صادق، وأنک قلت بغير علمٍ، وأني لست کما ذکرتَ، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي وأولي بها من يلغ في دماء المسلمين ولغاً فيقتل النفس التي حرّم اللّه قتلها، ويقتل النفس بغير النفس، ويسفک الدم الحرام، ويقتل علي الغضب والعداوة وسوء الظنّ، وهو يلهو ويلعب کأن لم يصنع شيئاً!).

[4] الانتقال هنا إلي مخاطبة ابن زياد بأمّه مرجانة إلتفاتة ذکية من مسلم عليه السلام وفي موضعها تماماً، لما اشتهرت به مرجانة من الزنا وعدم العفاف! حتّي لايُلحق عبيداللّه نفسه فيمن يدّعي أنهم أهل هذا الامر!.

[5] في تاريخ الطبري، 3:291 إضافة (ولؤم الغلبة!).

[6] في تأريخ الطبري، 3:290 (قال: فدعني أوصِ إلي بعض قومي. فنظر إلي جلساء عبيداللّه وفيهم عمر بن سعد، فقال: ياعمر، إنّ بيني وبينک قرابة، ولي إليک حاجة، وقد يجب عليک نجح حاجتي وهو سرُّ. فأبي أن يمکّنه من ذکرها! فقال له عبيداللّه: لاتمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّک! فقام معه، فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد..).

وفي الارشاد:198: (فامتنع عمر أن يسمع منه! فقال له عبيداللّه: لِمَ تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّک! فقام معه، فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد..).

وفي مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:305 وهو ينقل عن ابن أعثم الکوفي نفسه، لاتوجد کلمة (فوثب إليه عمر بن سعد..)! بل فيه: (ثمّ نظر مسلم إلي عمر بن سعد بن أبي وقّاص فقال له: إنّ بيني وبينک قرابة فاسمع منّي. فامتنع! فقال له ابن زياد: ما يمنعک من الاستماع لابن عمّک!؟ فقام عمر إليه، فقال له مسلم: أوصيک بتقوي اللّه...).

[7] ما بين القوسين مأخوذ عن مقتل الحسين عليه السلام؛ للخوارزمي، لانه ينقل ذلک عن کتاب ابن أعثم الکوفي نفسه، ولانّ ما ينقله اصفي وأنقي من اضطراب نسخة الفتوح التي ننقل عنها.

[8] في تاريخ الطبري، 3:291: (فقال له: إنّ عليَّ بالکوفة ديناً استدنته منذ قدمت الکوفة سبعمائة درهم فاقضها عنّي، وانظر جثّتي فاستوهبا من ابن زياد فوارها، وابعث إلي حسين من يردّه فإنّي قد کتبتُ إليه أُعلمه أنّ الناس معه، ولاأراه إلاّ مقبلاً! فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي؟ إنه ذکر کذا وکذا! قال له ابن زياد: إنه لايخونک الامين ولکن قد يؤتمن الخائن!).

[9] کثيراً مايُلفتُ الانتباه أسلوب الامويين وعمّالهم في التعبير عن أعمالهم بأنها عمل اللّه! والايحاء للنّاس بأنّ حکمهم النّاس من أمر اللّه فلايُعترض عليه! هاهو ابن زياد لايقول ما صنعنا بجثّتک، بل يقول: ما صنع اللّه بجثتک!.

[10] سورة الشعراء: 227.

[11] وهنا قال مسلم عليه السلام علي رواية الطبري: (يا ابن الاشعث! أما واللّه لولاأنّک آمنتني ما استسلمتُ! قم بسيفک دوني فقد أُخْفِرَتْ ذمّتک!) (تأريخ الطبري، 3:291).

[12] الفتوح، 5 :97-103؛وانظر: مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1 :304-306.