بازگشت

رواية اخري اشد صدقا و حرارة


روي ابن أعثم الكوفي: (قال: وسمع مسلم بن عقيل وقع حوافر الخيل وزعقات الرجال فعلم أنّه قد أُتي في طلبه، فبادر رحمه اللّه الي فرسه فأسرجه وألجمه، وصبّ عليه درعه، وأعتجر بعمامة، وتقلّد بسيفه، والقوم يرمون الدار الحجارة، ويهلبون النّار في نواحي القصب.

قال: فتبسّم مسلم رحمه اللّه! ثم قال: يا نفس اخرجي إلي الموت الذي ليس منه محيص ولاعنه محيد! ثم قال للمراءة: أي رحمك اللّه وجزاك عنّي خيراً، إعلمي أنّما أُوتيت من قبل ابنك! ولكن افتحي الباب.

قال: ففتحت الباب، وخرج مسلم في وجوه القوم كأنّه أسدٌ مُغضَب!، فجعل يضاربهم بسيفه حتّي قتل منهم جماعة! [1] .


وبلغ ذلك عبيداللّه بن زياد، فأرسل الي محمّد بن الاشعث وقال: سبحان اللّه يا عبداللّه! بعثناك الي رجل واحد تأتينا به فأثلم (بأصحابك هذه الثلمة العظيمة! فكتب) إليه محمد بن الاشعث: أيّها الامير! أما تعلم أنّك بعثتني إلي أ سدٍ ضرغام، وسيف حسام، في كفّ بطل همام من آل خير الانام!؟

قال: فأرسل إليه عبيداللّه بن زياد: أن أعطه الامان، فإنك لن تقدر عليه إلاّ بالامان. [2] .

فجعل محمّد بن الاشعث يقول: ويحك يا ابن عقيل! لاتقتل نفسك، لك الامان! ومسلم بن عقيل يقول: لاحاجة إلي أمان الغَدَرَة! ثمّ جعل يقاتلهم وهو يقول:



أقسمت لاأُقتَلُ إلاّ حُرّا

ولو وجدت الموت كأساً مُرّا



أكره أنْ أُخدعَ أو أُغَرّا

كلّ امريء يوماً يُلاقي شرّا



أضربكم ولاأخاف ضُرّا

قال: فناداه محمّد بن الاشعث وقال: ويحك يا ابن عقيل! إنّك لاتُكذب ولاتُغَرّ! القوم ليسوا بقاتليك فلاتقتل نفسك!




قال: فلم يلتفت مسلم بن عقيل رحمه اللّه إلي كلام ابن الاشعث، وجعل يقاتل حتّي أُثخن بالجراح وضعف عن القتال، وتكاثروا عليه فجعلوا يرمونه بالنبل والحجارة!

فقال مسلم: ويلكم! ما لكم ترمونني بالحجارة كما تُرمي الكفّار!؟ وأنا من أهل بيت الانبياء الابرار! ويلكم، أما ترعون حقّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم وذرّيته!؟

قال: ثُمَّ حمل عليهم علي ضعفه فكسرهم! وفرّقهم في الدروب! ثمّ رجع وأسند ظهره إلي باب دار هناك، فرجع القوم إليه، فصاح بهم محمّد بن الاشعث: ذروه حتّي أكلّمه بما يُريد.

قال: ثمّ دنا منه ابن الاشعث حتّي وقف قبالته وقال: ويلك يا ابن عقيل! لاتقتل نفسك، أنت آمن ودمك في عنقي!

فقال له مسلم: أتظنّ يا ابن الاشعث أنّي أُعطي بيدي أبداً وأنا أقدر علي القتال!؟ لاواللّه لاكان ذلك أبداً!

ثمّ حمل عليه حتّي ألحقه بأصحابه، ثمّ رجع إلي موضعه فوقف وقال: أللّهمّ إنّ العطش قد بلغ منّي! فلم يجسر أحد أن يسقيه الماء ولاقَرُبَ منه!

فأقبل ابن الاشعث علي أصحابه وقال: ويلكم! إنّ هذا لهو العار والفشل أن تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع! إحملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة!

قال: فحملوا عليه وحمل عليهم، فقصده من أهل الكوفة رجل يُقال له بُكير بن حمران الاحمري، فاختلفا بضربتين فضربه بُكير ضربة علي شفته العليا،


وضربه مسلم بن عقيل ضربة فسقط الي الارض قتيلاً [3] .

قال: فطُعن من ورائه طعنة فسقط إلي الارض، فأُخذ أسيراً، ثمّ أُخذ فرسه وسلاحه، وتقدّم رجل من بني سليمان يُقال له عبيداللّه بن العبّاس فأخذ عمامته!). [4] .

ونُقل (أنّهم ا حتالوا عليه وحفروا له حفرة عميقة في وسط الطريق، وأخفوا رأسها بالدغل والتراب، ثم انطردوا بين يديه، فوقع بتلك الحفرة، وأحاطوا به، فضربه ابن الاشعث علي محاسن وجهه، فلعب السيف في عرنين أنفه ومحاجر عينيه حتي بقيت أضراسه تلعب في فمه! فأوثقوه وأخذوه أسيراً الي ابن زياد..). [5] .


پاورقي

[1] نقل المجلسي (ره) عن بعض کتب المناقب أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام کان مثل الاسد، وکان من قوّته أنّه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت! (راجع: البحار: 44: 354).

وقال ابن شهرآشوب: أنفذ عبيداللّه عمرو بن حريث المخزومي ومحمّد بن الاشعث في سبعين رجلاً حتي أطافوا بالدار، فحمل مسلم عليهم وهو يقول:



هو الموت فاصنع وَيْکَ ما أنت صانعُ

فأنت لکأس الموت لاشکّ جارعُ



فصبرٌ لامر اللّه جلّ جلاله

فحکم قضاء اللّه في الخلق ذائعُ



فقتل منهم واحداً وأربعين رجلاً!.

[2] ونقل المجلسي (ره) عن کتاب محمد بن أبي طالب أنّه: (لمّا قتل مسلم منهم جماعة کثيرة وبلغ ذلک ابن زياد، أرسل الي محمّد بن الاشعث يقول: بعثناک الي رجل واحد لتأتينا به، فثلم في أصحابک ثلمة عظيمة! فکيف إذا أرسلناک إلي غيره!؟ فأرسل ابن الاشعث: أيها الامير أتظنّ أنّک بعثتني إلي بقّال من بقّالي الکوفة، أو إلي جرمقانيّ من جرامقة الحيرة!؟ أو لم تعلم أيها الامير أنک بعثتني إلي أسدٍ ضرغام، وسيف حسام... فأرسل إليه ابن زياد أن اعطه الامان فإنّک لاتقدر عليه إلاّ به!)، (البحار، 44:354).

[3] المعروف أنّ بُکير لم يُقتل بضربة مسلم بل جُرح جُرحاً منکراً، وهو الذي أمره ابن زياد بقتل مسلم عليه السلام بعد ذلک، کما في تأريخ الطبري والارشاد، لکنّ الدينوري في الاخبار الطوال: 241 ذکر أنّ الذي تولّي ضرب عنق مسلم عليه السلام هو أحمر بن بُکير وليس بُکير نفسه.

[4] الفتوح: 92-96؛ وانظر: مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:300 302.

[5] منتخب الطريحي: 427، المجلس التاسع من الجزء الثاني.