بازگشت

علة الانهيار المذهل و التداعي السريع


هذا الانهيار والتداعي السريع الذي هدم كيان التكتل الكبير الذي كان قد التفّ حول مسلم بن عقيل عليه السلام كاشف تماماً عن أنّ جماهير هذا التكتل لم تستكمل الاعداد الروحي لمثل هذه المواجهة ولما بعدها من مسؤوليات وتبعات، الاعداد الروحي الذي يستنقذها من مرض الوهن: وهو حبّ الدنيا وكراهية الموت! وحبّ السلامة والعافية! والرضا بالذلّة، والشلل النفسي الذي يتجلّي في السكوت عن الباطل! بل وفي إطاعة الباطل مع المعرفة بأنه باطل ومقارعة الحقّ مع المعرفة بأنه الحقّ!

هذان المرضان اللذان تسرّبا إلي شخصية الانسان المسلم بعد السقيفة واشتدّا في حياة الامّة المسلمة بعد كلّ منعطف إنحرافي تلاالسقيفة، واشتدّ هذان المرضان بدرجة كبيرة في الشخصية الكوفية خاصة واستحكما فيها في فترة ما


بعد صفّين، وخصوصاً في الايام التي صار فيها معاوية بلامنازع ينازعه، [1] حتّي صار لكلمة (خيل الشام) أو (جند الشام) أو (جيش الشام) يومذاك أثر رهيب في روع جُلِّ أهل الكوفة خاصة، لما ذاقوه من ويلات ومرارات علي يد ذلك الجيش، ولما عانوه في عهد معاوية من سياسات تعمّدت قهرهم خاصة وإذلالهم في جميع جوانب حياتهم، وكانت المواجهة مع (جيش الشام) في أذهان وقلوب جلّ الكوفيين تعني يومذاك المواجهة مع عدوّ لايرقب فيهم إلاّ ولاذمّة، ولايتورّع عن انتهاك أعراضهم وحرماتهم وقتل العزّل والابرياء منهم، وقطع أرزاقهم ومنع العطاء عنهم.

وهذا لايعني أنّ الكوفة قد عُدمت الاخيار الابرار من أهاليها، بل إنّ في الكوفة، من رجالات المبداء والعقيدة والجهاد جماعة مثّلوا المستوي الرفيع في الشخصية الاسلامية التي جسّدت النهج القرآنيّ في سيرتها وسلوكها.

لكنّ هؤلاء كانوا القلّة العزيزة النادرة في مجموع أهل الكوفة، ويكفي دليلاً علي ذلك قياس مجموع من نصر الامام الحسين عليه السلام منهم إلي مجموع من نكل عنه ونقض بيعته وأطاع أعداءه في قتاله وقتله!

فلو كان التكتل الكبير الذي بايع مسلماًعليه السلام قد نال حظّاً وافراً من الاعداد التربوي والاصلاح الروحي لما تفرّق هذا التفرّق السريع المذهل عن مسلم عليه السلام، ولكان فيه بقيّة وافية كافية لانجاح خطّة مسلم عليه السلام وقهر ابن زياد، من الرجال القرآنيين الذين لم يُضعف عزائمهم الوهن، ولم يعتورهم الشلل النفسي، الذين أحبّوا الموت والقتل في اللّه من أجل لقاء اللّه، وكرهوا الدنيا بلاعزّة وما أثّاقلوا


إلي الارض، فكان هيهات منهم الذلّة: (الذين قال لهم النّاس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظيم.). [2] .


پاورقي

[1] راجع تفاصيل هذه الحقيقة في الجزء الاول من هذه الدراسة؛ المقالة الاولي (حرکة النفاق.. قراءة في الهوية والنتائج): ص 36-137.

[2] سورة آل عمران، 173، 174.