بازگشت

الخدعة المشتركة


في قصة حبس هانيء بن عروة (رض) هناك دور خيانيُّ لاريب فيه، تقمّصه عمرو بن الحجّاج الزبيدي المتفاني في امتثال أوامر أعداء أهل البيت (ع) مع أنّ هانئاً (رض) كان صهراً له! ودور خيانيُّ صريح آخر تقمّصه شريح القاضي العُمريّ الامويّ الميل والهوي، [1] بتنسيق وتخطيط من ابن زياد لعنه اللّه.

تقول الرواية التأريخية: (وبلغ عمرو بن الحجّاج أنّ هانياً قد قُتل! فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم، ثم نادي: أنا عمر بن الحجّاج، وهذه فرسان مذحج ووجوهها، لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة، وقد بلغهم أنّ صاحبهم قُتل فأعظموا ذلك!

فقيل لعبيداللّه بن زياد: هذه مذحج بالباب!

فقال لشريح القاضي: أُدخلْ علي صاحبهم فانظر إليه، ثم أخرج وأعلمهم أنّه حميُّ لم يُقتل!

فدخل شريح فنظر إليه، فقال هاني لمّا رأي شريحاً: [2] ياللّه! ياللمسلمين!


أهلكت عشيرتي!؟ أين أهل الدين!؟ أين أهل المصر!؟ والدماء تسيل علي لحيته، إذ سمع الرجّة علي باب القصر فقال: إنّي لاظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين، إنّه إنْ دخل عليَّ عشرة نفر أنقذوني!

فلمّا سمع كلامه شريح خرج إليهم، فقال لهم: إنّ الامير لمّا بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه، فأتيته فنظرت إليه، فأمرني أن ألقاكم وأعرّفكم أنّه حيُّ، وأنّ الذي بلغكم من قتله باطل!

فقال له عمرو بن الحجّاج وأصحابه: أمّا إذا لم يُقتل فالحمد للّه! ثمّ انصرفوا!). [3] .

وفي رواية الدينوري: (فقال لهم سيّدهم عمرو بن الحجّاج: أما إذ كان صاحبكم حيّاً فما يعجلكم الفتنة!؟ انصرفوا!. فانصرفوا). [4] .

لقد تجسّد دور شريح القاضي الخياني وما أكثر أدواره الخيانيّة في ممارسته التورية في عبارته الاخيرة: (فأمرني أن القاكم وأعرّفكم أنّه حيّ، وأنّ الذي بلغكم من قتله باطل!) لانه أتي بهذه العبارة بعد قوله لهم: (فأتيته فنظرت إليه)، فكأن الذي أمره هو هاني (رض) نفسه لاابن زياد، ليشيع في نفوسهم الطمأنينة، وليوحي لهم أنّ هائناً يقول: إنّ الذي أثاركم وألّبكم خبرٌ باطل، ولاداعي لهذه الاثارة وهذه الفتنة!

وهنا يواصل عمرو بن الحجّاج دوره الخياني الطويل، فلايردُّ علي شريح


القاضي فيقول مثلاً: لنرَ سيّدنا هانئاً ولنكلّمه أو لنخرجنّه من القصر عنوة! أو مايشبه هذا القول، أو لايكتفي بقول شريح فيدخل القصر وهو من المقرّبين لابن زياد ليري بنفسه هانئاً وحقيقة ما جري عليه داخل القصر!!

بل نراه يؤكد صحة مقالة شريح ويخاطب جموع مذحج الثائرة قائلاً: (صدق، ليس علي صاحبكم يأس ‍ فتفرّقوا!). [5] ، (أمّا إذا كان صاحبكم حيّاً فما يُعجلكم الفتنة!؟ انصرفوا) فتنصرف هذه الجموع فاشلة وقد ذهبت ريحها، وأكثرهم يحبُّ العافية لتفشّي (الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت) في قلوبهم، ولو انبعث في تلك اللحظات الحاسمة رجال من مذحج فأنكروا علي الزبيدي الخائن [6] رأيه وموقفه، وحرّضوا جموع مذحج علي اقتحام القصر وإطلاق سراح هاني (رض) ثمَّ واصلوا تطهير الكوفة من كلّ رجس أمويّ، لكان قد كُتب لمذحج دور رياديّ في تغيير مجري تأريخ حياة المسلمين، يُذكر فيشكُر إلي قيام الساعة، لكنّهم آثروا طاعة ابن الحجاج الزبيدي حرصاً علي احترام عرف قَبَليّ وحُبّاً للعافية! وإن كان ذلك خلافاً


لما هو أحقُّ وأهمّ!، فكُتب لهم دور في الخذلان والخيبة، ماتلاه التأريخ علي مسامع الاجيال إلاّ وبعث في العقول والقلوب استنكاراً وريبة ونفورا!!


پاورقي

[1] لمّا نهي أميرالمؤمنين عليُّعليه السلام الناس في مسجد الکوفة عن الجماعة في صلاة التراويح کان شريح يصيح: واسنّة عُمراه (راجع: تنقيح المقال، 2:83)، وکان عثمانياً.

[2] وفي رواية للطبري: (فمَّر بهانيء بن عروة، فقال له هانيء: إتّقِ اللّه يا شريح فإنه قاتلي! فخرج شريح حتّي قام علي باب القصر فقال: لابأس عليه! إنما حبسه الامير ليسائله!) (تاريخ الطبري، 3:276)، وفي رواية أخري للطبري: (وأمر عبيداللّه مهران أن يُدخل عليه شريحاً، فخرج فأدخله عليه ودخلت الشرط معه، فقال: يا شريح، قد تري ما يُصنع بي! قال: أراک حيّاً! قال: وحيُّ أنا مع ما تري!؟ أخبر قومي أنّهم إنْ انصرفوا قتلني! فخرج إلي عبيداللّه فقال: رأيته حيّاً، ورأيت أثراً سيئاً! قال: وتنکر أن يُعاقب الوالي رعيّته!؟ أخرج إلي هؤلاء فأخبرهم. فخرج، وأمر عبيداللّه الرجل أي مهران فخرج معه، فقال لهم شريح: ما هذه الرعّة السيئة!؟ الرجل حيُّ، وقد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه!! فانصرفوا ولاتُحلّوا بأنفسکم ولابصاحبکم. فانصرفوا!)، (تاريخ الطبري، 3:283).

[3] الارشاد: 192.

[4] الاخبار الطوال: 238.

[5] تأريخ الطبري، 3:276.

[6] إنّ استمرار ولاء عمرو بن الحجّاج الزبيدي لابن زياد لعنه اللّه حتّي بعد مقتل هاني بن عروة (رض) ليؤکّد حقيقة أنّ هذا الرجل قد تواطاء مع ابن زياد منذ البدء لقتل هاني (رض)، فکان رسول غدرٍ، ثم رکب موجة غضب مذحج ليخدع جموعها الثائرة وليصرفهم عن إخراج زعيمهم من القصر بقوّة السلاح، متآمراً عليهم في تنفيذ الخدعة المشترکة لتضليلهم، فهو کما يقول أميرالمؤمنين عليه السلام في حقّ الاشعث بن قيس: (وإنّ أمراءً دلَّ علي قومه بالسيف، وساق إليهم الحتف، لحريُّ أن يمقته الاقرب، ولايأمنه الابعد!)، (نهج البلاغة: 61-62، رقم 19)، وکفي بعمرو بن الحجاج عاراً وخزياً في الدنيا والاخرة إشتراکه في جيش ابن زياد لقتال الامام عليه السلام، ومنع الماء عنه وعن أصحابه وأهله، وتحريضه الناس في کربلاء علي التزام طاعة يزيد وعلي قتل الامام عليه السلام.