بازگشت

قتل رشيد الهجري


وممّن قُتل من رجالات الشيعة وأعلامها في تلك الايّام رُشيد الهَجَري (رض) [1] ، فقد روي الكشّي بسندٍ عن أبي حيّان البجلي، عن قنوا بنت


رشيد الهجري (رض): قال أبوحيّان: (قلتُ لها: أخبريني ما سمعت من أبيك.


قالت: سمعتُ أبي يقول: أخبرني أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه، فقال: يا رشيد، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيُّ بني أميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك؟

قلت: يا أميرالمؤمنين، آخر ذلك إلي الجنّة؟

فقال: يا رشيد، أنت معي في الدنيا والاخرة!

قالت: فواللّه ما ذهبت الايّام حتّي أرسل إليه عبيداللّه بن زياد الدعيّ، فدعاه إلي البرأة من أميرالمؤمنين عليه السلام، فأبي أن يبراء منه!

فقال له الدعيّ: فبأيّ ميتة قال لك تموت!؟

فقال له: أخبرني خليلي أنّك تدعوني إلي البراءة منه فلاأبراء منه، فتقدّمني فتقطع يديّ ورجليَّ ولساني!

فقال: واللّه لاكذبنّ قوله فيك.

قالت: فقدّموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملتُ أطراف يديه ورجليه، فقلت: يا أبتِ، هل تجد ألماً لما أصابك!؟ [2] .

فقال: لايا بُنيّة إلاّ كالزحام بين الناس!

فلمّا احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله.

فقال: إئتوني بصحيفة ودواة أكتبْ لكم ما يكون إلي قيام الساعة! فأُرسل إليه


الحجّام حت ي يقطع لسانه، فمات رحمة اللّه عليه في ليلته.). [3] .

وروي الكشّي أيضاً بسند عن فضيل بن الزبير قال: (خرج أميرالمؤمنين عليه السلام يوماً إلي بستان البرني، ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة، ثمّ أمر بنخلة فلُقطت فأُنزل منها رطب فوضع بين ايديهم، قالوا: فقال رشيد الهجري: يا أميرالمؤمنين، ما أطيب هذا الرطب!

فقال: يا رشيد، أما إنّك تُصلب علي جذعها!

فقال رشيد فكنتُ أختلف إليها طرفي النهار أسقيها!

ومضي أميرالمؤمنين عليه السلام، قال فجئتها يوماً وقد قُطع سعفها، قلتُ اقترب أجلي، ثمّ جئت يوماً فجاء العريف فقال: أجب الامير.

فأتيته، فلمّا دخلت القصر فإذا الخشب مُلقي، ثمّ جئت يوماً آخر فإذا النصف الاخر قد جُعل زرنوقاً [4] يُستقي عليه الماء، فقلت ما كذبني خليلي! فأتاني العريف فقال: أجب الامير. فأتيته، فلمّا دخلت القصر إذا الخشب مُلقي، فإذا فيه الزرنوق! فجئت حتي ضربت الزرنوق برجلي ثمّ قلتُ: لك غُذيتُ ولي أنبتَّ! ثمّ أُدخلت


علي عبيداللّه بن زياد.

فقال: هات من كذب صاحبك!

فقلت: واللّه ما أنا بكذّاب ولاهو، ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني.

قال: إذاً واللّه نكذّبه، إقطعوا يده ورجله، وأخرجوه!

فلمّا حُمل إلي أهله أقبل يحدّث الناس بالعظائم، وهو يقول: أيها الناس، سلوني فإنّ للقوم عندي طلبة لم يقضوها. فدخل رجل علي ابن زياد فقال له: ما صنعتَ؟ قطعتَ يده ورجله وهو يحدّث الناس بالعظايم!

قال: ردّوه. وقد انتهي إلي بابه، فردّوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه، وأمر بصلبه.). [5] .


پاورقي

[1] قال السيّد الخوئي (ره): (هو ممّن قُتل في حبّ عليّعليه السلام، قتله ابن زياد، ولاريب في جلالة الرجل وقربه من أميرالمؤمنين عليه السلام، وهو من المتسالم عليه بين الموافق والمخالف، ويکفي ذلک في إثبات عظمته..) (معجم رجال الحديث: 7:191 رقم 4589)، (وکان أميرالمؤمنين عليه السلام يسمّيه رشيد البلايا، وکان قد ألقي إليه علم البلايا والمنايا، وکان حياتَه إذا لقي الرجل قال له: فلان، أنت تموت بميتة کذا، وتُقتل أنت يا فلان بقتلة کذا وکذا، فيکون کما قال رشيد. وکان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: أنت رشيد البلايا! أي تقتل بهذه القتلة، فکان کما قال أميرالمؤمنين عليه السلام.) (اختيار معرفة الرجال، 1:291، رقم 131). وفي (أمالي الطوسي: 165 166، رقم 276/28): (وکان أميرالمؤمنين عليه السلام يسمّيه: رشيد المبتلي.).

وکان (رض) شديد الاجتهاد في العبادة والطاعة، حتي روي عن ابنته قنوا أنها قالت: (قلتُ لابي: ما أشدّ اجتهادک! فقال: يا بُنيّة، سيجيء قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهاد أولّيهم!) (البحار: 42: 123، باب 122، رقم 6).

ملاحظة مهمّة: قد يخطر في ذهن القاريء الکريم هذا السؤال وهو: إذا کان رشيد الهجري قد قُتل علي يد عبيداللّه بن زياد لعنه اللّه، فهل قتله قبل مقتل الامام الحسين عليه السلام أم بعده؟

وفي معرض الاجابة عن هذا السؤال نقول: إننا لم نعثر علي إشارة تأريخية حسب متابعتنا تحدّد بالضبط اليوم الذي قُتل فيه أو أنّه قُتل قبل مقتل الامام عليه السلام أم بعده، ولکنّ الارجح استنتاجاً هو أنّه قُتل في الايام الاولي من ولاية ابن زياد علي الکوفة، لانّه ابتداء أيّامه الاولي فيها بقتل وجوه الشيعة وحواريّ عليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم، بل لعلّه قُتل في اليوم الاوّل من ولاية ابن زياد علي الکوفة، ذلک لانّ بعض المؤرّخين يقول: (لمّا أصبح ابن زياد بعد قدومه إلي الکوفة صال وجال، وأرعد وأبرق، وأمسک جماعة من أهل الکوفة فقتلهم في الساعة، وقد عمد إلي ذلک لاماتة الاعصاب وصرف الناس عن الثورة.) (حياة الامام الحسين بن علي 8، 2:360، عن الفصول المهمّة: 197 ووسيلة المآل: 186)، هذا أولاً، وثانياً: لو أنّ رشيد الهجري (رض) کان حيّاً إلي وقت قيام مسلم عليه السلام أو إلي وقت خروج الامام عليه السلام من مکّة الي العراق أو إلي ما بعد مقتل الامام عليه السلام، فإنَّ المتوقَّع بدرجة کبيرة أن يکون لهذا الشيعي الحواريّ تحرّک محسوس، يناسب کلَّ فترة من تلک الفترات، ودور مهم ملموس لايمکن أن يغفل عنه التأريخ ولو بإشارة موجزة!

وهنا ربّما انقدح في ذهن القاريء الکريم سؤال آخر: وهو إذا کان رشيد(رض) قد قُتل في الايام الاولي من ولاية ابن زياد علي الکوفة، فذلک من مختصات الجزء الثاني من هذه الدراسة، فلماذا لم يأتِ ذکره في ذلک الجزء کما ذُکر ميثم التمّار(رض) مثلاً؟

وفي الاجابة نقول: کان رأي مؤلّف الجزء الثاني أنّ رشيد الهجري (رض) قد قُتل علي يد زياد لاعلي يد عبيد اللّه بن زياد، وکان قد اعتمد في تبنّي هذا الرأي علي الادلّة التالية:

أولاً: في کتاب الارشاد للشيخ المفيد: عن ابن عبّاس، عن مجاهد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي قال: (کنت عند زياد إذ اُتي برشيد الهجري فقال له زياد: ما قال لک صاحبک يعني علياًعليه السلام إنّا فاعلون بک!؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني. فقال زياد: أمَ واللّه لاکذبنّ حديثه، خلّو سبيله. فلما أراد أن يخرج قال زياد: واللّه ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه، إقطعوا يديه ورجليه واصلبوه. فقال رشيد: هيهات، قد بقي لي عندکم شيء أخبرني به أميرالمؤمنين عليه السلام! فقال زياد: إقطعوا لسانه. فقال رشيد: الان واللّه جاء تصديق خبر أميرالمؤمنين عليه السلام.).

وقال المفيد(ره): وهذا الخبر أيضاً قد نقله المؤالف والمخالف عن ثقاتهم عمّن سمّيناه، واشتهر أمره عند علماء الجميع، وهو من جملة ما تقدّم ذکره من المعجزات والاخبار عن الغيوب.).(الارشاد: 154).

ونقله الطبرسي في (إعلام الوري: 343)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة، 2:294)، وقال السمعاني في (الانساب، 5:627): (کان يؤمن بالرجعة. قال الشعبي: دخلتُ عليه يوماً فقال: خرجتُ حاجّاً فقلتُ لاعهدن بأمير المؤمنين عهداً، فأتيتُ بيت عليّ فقلت لانسان: إستأذن لي علي عليّعليه السلام! قال: أو ليسَ قد مات عليّ(رض)!؟ قلت: قد مات فيکم، واللّه إنه ليتنفّس الان تنفّس الحيّ! فقال: أما إذا قد عرفت سرَّ آل محمّد فادخل! قال: فدخلتُ علي أميرالمؤمنين وأنّبأني بأشياء تکون! فقال له الشعبي: إنْ کُنت کاذباً فلعنک اللّه! وبلغ الخبر زياداً فبعث الي رشيد فقطع لسانه وصلبه علي باب دار عمرو بن حريث.)، وقد نقل العسقلاني هذه القصة بطولها وتفاصيلها في (لسان الميزان، 3:2) وأشار إليها الذهبي في (ميزان الاعتدال، 2: 52).

ثانياً: الروايات التي تقول إنّ عبيداللّه بن زياد هو القاتل ثلاثة:

أ- رواية ابي حيّان البجلي عن قنوا بنت رشيد (الرواية الاولي في المتن).

ب رواية فضيل بن الزبير (وهي الرواية الثانية في المتن).

ج رواية کتاب (الاختصاص: 77) عن أبي حسّان العجلي عن قنوا بنت رشيد الهجري (رض) وهي شبيهة بالرواية الاولي.

وهذه الروايات کلّها ضعيفة، أمّا الاولي والثانية فباعتراف السيّد الخوئي بأنهما ضعيفتان (راجع: معجم رجال الحديث، 7:193)، وأمّا الثالثة فهي من روايات کتاب الاختصاص التي شکّک السيّد الخوئي (ره) في انتسابه إلي الشيخ المفيد(ره) (راجع: معجم رجال الحديث، 7:191)، هذا فضلاً عن أنّ الرواية الاولي في سندها محمد بن عبداللّه بن مهران وهو غالٍ کذّاب فاسد المذهب والحديث، ضعيف (معجم رجال الحديث، 16:247)، والرواية الثانية أيضاً فيها هذا الرجل، إضافة الي فضيل بن الزبير وهو من أصحاب الباقر والصادق فکيف يمکنه الرواية عن عليّعليه السلام، فالرواية إذن مرسلة (راجع: معجم رجال الحديث، 16:326).

والرواية الثالثة رواية الاختصاص مروية عن أبي حسّان العجلي وهو رجل مجهول (راجع: تنقيح المقال، 3:10، الکني).

ثالثاً: إنّ الدعيّ لقب أُطلق علي زياد بن أبيه الذي ادّعي معاوية بن أبي سفيان أنه أخوه لابيه من الزنا بأمّه، وأمّا عبيداللّه بن زياد فهو ابن دعيّهم وليس الدعيّ نفسه.

ويمکن أنّ يُردّ علي ما ذهب إليه مؤلّف الجزء الثاني بما يلي:

1) أنّ رواية الارشاد التي تقول إنّ زياداً هو القاتل ضعيفة لاأقلّ بالشعبي وهو عامر بن شراحيل (قال الشيخ المفيد(ره): وبلغ من نصب الشعبي وکذبه أنه کان يحلف باللّه أنّ عليّاً دخل اللحد وما حفظ القرآن. وبلغ من کذبه أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة إلاّ أربعة فإن جاؤا بخامس فأنا کذّاب... کان الشعبي سکّيراً خمّيراً مقامراً، روي عن أبي حنيفة أنّه خرق ما سمع منه لمّا رأي خمره وقمره؛ راجع: الفصول المختارة: 171 وقاموس الرجال، 5:612) (الجزء الثاني من هذه الدراسة: 239).

ومن هنا يسري الحکم علي ما ورد في إعلام الوري والانساب وشرح النهج وميزان الاعتدال ولسان الميزان بشأن هذه الرواية لانّ الجميع عن الشعبي!

2) إنّ رواية کتاب الاختصاص لها طريق آخر غير کتاب الاختصاص وهو کتاب (أمالي الطوسي: 165، رقم 276/28، ففيه يروي الطوسي (ره) مباشرة عن أستاذه المفيد(ره)، بسند آخر عن أبي حسّان العجلي، وبهذا ينتفي اثر عدم قبول هذه الرواية بسبب التشکيک في کون کتاب الاختصاص من تأليف الشيخ المفيد(ره)!

3) صحيح أنّ لقب الدعيّ أطلق علي زياد بسبب ادّعاء معاوية بأنه أخوه لابيه من الزنا، ولکنّ هذا لايمنع من إطلاق هذا اللقب علي ابنه عبيداللّه أيضاً، ألم تسمع قول الامام الحسين عليه السلام: (الاوإنّ الدعيّ بن الدعيّ قد رکز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة) (مقتل الحسين عليه السلام، للمقرّم: 234) وقول عبداللّه بن يقطر(رض): (ايها الناس، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه 9 إليکم لتنصروه وتؤازروه علي ابن مرجانة وابن سميّة الدعيّ بن الدعيّ) (إبصار العين: 93).

4) الرسالة الاحتجاجية الکبيرة التي بعث بها الامام الحسين عليه السلام إلي معاوية، والتي احتجّ فيها عليه في جملة ما احتجّعليه السلام به بقتله مجموعة من أعلام شيعة علي عليه السلام، کحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والحضرميين، هذه الرسالة کتبها الامام عليه السلام بعد أن أخذ معاوية الناس بالبيعة لابنه يزيد بولاية العهد (وأخذک الناس ببيعة إبنک، غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالکلاب...) (اختيار معرفة الرجال، 1:252، رقم 99)، فهذه الرسالة إذن کان الامام عليه السلام قد بعثها إلي معاوية بعد موت زياد بن أبيه، لانّ معاوية إنّما أخذ الناس بهذه البيعة ليزيد بعد موت زياد لمعارضته الشديدة لذلک.

فلوکان زياد هو قاتل رشيد الهجري (رض) لکان الامام عليه السلام علي احتمالٍ قويّ قد احتجّ علي معاوية أيضاً بقتل رشيد(رض) لمنزلته الخاصة عند عليّعليه السلام والتي قد لاتقلّ عن منزلة حجر بن عدي (رض) وعمرو بن الحمق الخزاعي (رض) والحضرميين (رض)، وفي هذا مؤيّد قويّ علي أنّ زياداً ليس هو قاتل رشيد(رض) بل إبنه عبيداللّه!.

[2] لو کان هذا السؤال موجّهٌ إلي إنسان وخزته شوکة أو جرحت يده سکين جرحاً بسيطاً لکان سؤالاً في محلّه، أمّا أنْ يوجّه هذا السؤال إلي رجل قطعت يداه ورجلاه فهذا کاشف عن أنَّ السائل يعلم أنَّ هذا الرجل علي مستويً عال جداً من الناحية المعنوية والرياضة الروحية إلي درجة أنّه يتسامي علي الالام العظيمة فهي عنده طفيفة جداً أو لايشعر بها، ولقد صدّق رشيد(رض) ظنّ ابنته إذ أجابها: لايا بنيّة إلاّ کالزحام بين الناس!.

[3] اختيار معرفة الرجال، 1 :290-291، رقم 131، وروي الشيخ الطوسي (ره) هذه الرواية بتفاوت، عن الشيخ المفيد(ره) بسند إلي أبي حسّان العجلي، عن بنت رشيد الهجري (رض)، وفيها: (ثمّ دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجّعون له، فقال: إيتوني بصحيفة ودواة أذکر لکم ما يکون ممّا علّمنيه مولاي أميرالمؤمنين عليه السلام، فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذکر ويُملي عليهم أخبار الملاحم والکائنات، ويسندها إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فبلغ ذلک ابن زياد فأرسل إليه الحجّام حتي قطع لسانه، فمات من ليلته تلک رحمه اللّه.) (أمالي الطوسي: 165،رقم 276/28).

[4] الزرنوق: تثنيته الزرنوقان، وهما منارتان تبنيان علي جانبي رأس البئر.

[5] اختيار معرفة الرجال، 1 :291-292، رقم 132.