بازگشت

تأمل و ملاحظات


1) هذا النصّ الذي أورده ابن الاثير يفيد أنّ خطّة اغتيال عبيداللّه كانت من وضع شريك وعلي كراهية من هانيء، لكنّ مصادر أخري ذكرت أنّ هانئاً هو الذي كان مريضاً، وهو صاحب خطّة اغتيال عبيداللّه بن زياد، قال اليعقوبي: (وقدم عبيداللّه بن زياد الكوفة، وبها مسلم بن عقيل قد نزل علي هانيء بن عروة، وهانيء شديد العلّة، وكان صديقاً لابن زياد، فلمّا قدم ابن زياد الكوفة أُخبر بعلّة


هانيء، فأتاه ليعوده، فقال هانيء لمسلم بن عقيل وأصحابه وهم جماعة: إذا جلس ابن زياد عندي وتمكّن، فإنّي سأقول اسقوني، فاخرجوا فاقتلوه...). [1] .

ويُرجّح أنّ خطّة اغتيال عبيداللّه بن زياد كانت من وضع شريك الحارثي لانه كان من قبلُ في الطريق من البصرة الي الكوفة قد بادر إلي التساقط هو وجماعة ممن معه ليقف عليهم ابن زياد فيتأخّر عن الوصول إلي الكوفة ويسبقه الامام عليه السلام إليها، كما أنّ شريكاً كان يحرّض هانئاً علي مساعدة مسلم عليه السلام والقيام بأمره، وقد روي الدينوري: أنّ شريكاً قال لمسلم عليه السلام: (إنّما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، وقد أمكنك اللّه منه، هو صائرٌ إليَّ ليعودني، فقُم فادخل الخزانة، حتّي إذا اطمأنَّ عندي، فاخرج إليه فقاتله، ثم صِرْ إلي قصر الامارة، فاجلس فيه فإنّه لاينازعك فيه أحدٌ من الناس، وإنْ رزقني اللّه العافية صِرتُ الي البصرة فكفيتك أمرها وبايع لك أهلها. فقال هانيء بن عروة: ما أحبّ أن يُقتل في داري ابن زياد!ّ فقال له شريك: ولِمَ؟ فواللّه إنّ قتله لقربان إلي اللّه!). [2] .

2) كانت كراهية هانيء لقتل ابن زياد في بيته لاتختص بابن زياد، بل هي كراهية قتل أي رجل في بيته، [3] وذلك تمسكاً بالاعراف والعادات العربية التي لاتبيح قتل الضيف والقاصد إليها في بيوتها لما في ذلك من سُبَّة ومعابة تبقي علي الالسن مدي الايام، وهذا لايعني أنَّ هانئاً (رض) كان لايتمني قتل ابن زياد، فقد قال لمسلم عليه السلام علي ما في رواية الطبري: (أما واللّه، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً


كافراً غادراً، ولكن كرهتُ أن يُقتل في داري!). [4] .

3) أساءت بعض المصادر التأريخيّة إلي شخصيّة مسلم بن عقيل عليه السلام، إساءة منكرة إذ نسبت إليه الجبن والفشل حيث لم يقدم علي قتل ابن زياد، فقد قال الدينوري في أخباره الطوال: (ثمّ قام عبيداللّه وخرج، فخرج مسلم بن عقيل من الخزانة، فقال شريك: ما الذي منعك منه إلاّ الجبن والفشل!؟)، [5] ومع اعتراف ابن قتيبة وهو دينوري آخر بأنَّ مسلماًعليه السلام كان من أشجع الناس إلاّ أنّه ادّعي أنّ كبوة قد أخذت مسلماًعليه السلام حين لم يقدم علي قتل ابن زياد، يقول هذا الدينوري: (فخرج عبيداللّه، ولم يصنع الاخر شيئاً، وكان من أشجع الناس ولكنه أخذته كبوة..). [6] .

وهذا غير صحيح، فلم يعرف مسلم عليه السلام الجبن، ولم تأخذه كبوة، وقد ذكرت مصادر تأريخية أنّ كراهية هانيء لقتل ابن زياد بل لقتل أي رجل في بيته، كانت واحداً من الاسباب التي منعت مسلماًعليه السلام من تنفيذ خطة شريك، [7] كما ذكرت بعض مصادرنا المعتبرة أنّ أمرأة في بيت هانيء كانت قد تعلّقت بمسلم عليه السلام وتوسّلت إليه وهي تبكي ألاّ يقتل ابن زياد في دارهم، قال ابن نما (ره): (فخرج مسلم والسيف في كفّه، وقال له شريك: يا هذا، ما منعك من الامر!؟ قال مسلم: لمّا هممتُ بالخروج فتعلّقت بي امرأة قالت: ناشدتك اللّه إن قتلت ابن زياد في دارنا! وبكت في وجهي! فرميت السيف وجلستُ.


قال هانيء: يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها، والذي فررتُ منه وقعتُ فيه!). [8] .

وهناك سببٌ آخر وهو أنّ مسلماًعليه السلام ذكر أنّ السبب الذي منعه من قتل ابن زياد إضافة إلي كراهية هانيء (رض) لذلك هو حديث سمعه عن عليّعليه السلام عن رسول اللّه (ص): (إنّ الايمان قيد الفتك، لايفتك مؤمن)، [9] والفتكُ لغة هو: (أن يأتي الرجلُ صاحبه وهو غارُّ غافلٌ حتّي يشدَّ عليه فيقتله، وإنْ لم يكنْ أعطاه أماناً قبل ذلك.). [10] .

وقد علّق هبة اللّه الشهرستاني (ره) علي تعليل مسلم عليه السلام إحجامه عن قتل ابن زياد بهذا الحديث قائلاً: (كلمة كبيرة المغزي، بعيدة المدي، فإنَّ آل عليّ من قوّة تمسكهم بالحقّ والصدق نبذوا الغدر والمكر حتّي لدي الضرورة، واختاروا النصر الاجل بقوّة الحقّ علي النصر العاجل بالخديعة، شنشنة فيهم معروفة عن أسلافهم، وموروثة في أخلاقهم، كأنهم مخلوقون لاقامة حكم العدل والفضيلة في قلوب العرفاء الاصفياء، وقد حفظ التأريخ لهم الكراسي في القلوب). [11] .


ومن الملفت للانتباه أنّ هناك إضافة مريبة في نقل ابن الاثير لمتن هذا الحديث، وهي (فلايفتك مؤمن بمؤمن!) بدلاً من (فلايفتك مؤمن)، وكأنَّ ابن الاثير أراد أنّ يطبّق الايمان علي عبيداللّه بن زياد، وأنّ مسلماًعليه السلام إنّما امتنع عن قتله لانّه مؤمن!!


پاورقي

[1] تأريخ اليعقوبي، 2: 243؛ وانظر: الامامة والسياسة:، 2:4.

[2] الاخبار الطوال: 234.

[3] جاء في کتاب تجارب الامم، 2:44: (فقال هانيء: إنّي لاکره قتل رجلٍ في منزلي).

[4] تأريخ الطبري، 3:282.

[5] الاخبار الطوال: 234.

[6] الامامة والسياسة، 2:4.

[7] راجع: تاريخ الطبري، 3:282؛ والکامل في التأريخ، 3:390؛ وتجارب الامم، 2:44.

[8] مثير الاحزان: 31 32؛ وهذه الرواية کاشفة عن أنّ هانئاً(رض) لم يکن يکره قتل ابن زياد في داره، أو أنه آثر قتله علي رغم تلک الکراهية، فتأمّل!.

[9] الاخبار الطوال: 235؛ وتأريخ الطبري، 3:282؛ وتجارب الامم، 2:44؛ وقد ذکر ذلک أيضاً الطبرسي (ره) في کتابه إعلام الوري: 223، وقال ابن شهرآشوب في المناقب، 3:364: (وقال أبوالصباح الکناني: قلتُ لابي عبداللّه عليه السلام: إنّ لنا جاراً من همدان يُقال له الجعد بن عبداللّه، يسبُّ أميرالمؤمنين عليه السلام أفتأذن لي أن أقتله؟ قال: إنّ الاسلام قيّد الفتک...).

[10] لسان العرب، 10:472 (فتک)؛ وقال: (ومنه الحديث: أنّ رجلاً أتي الزبير فقال له: ألاأقتلُ لک عليّاً؟ قال: فکيف تقتله؟ قال: أفتک به! قال: سمعت رسول اللّه 9 يقول: قَيَّدَ الايمانُ الفتکَ، لايفتک مؤمن).

[11] نهضة الحسين: 84.