بازگشت

الاجراءات الارهابية الغاشمة


وما إنْ دخل ابن مرجانة القصر وهدأت أنفاسه المضطربة من شدّة الخوف والتعب، واطّلع علي حقيقة مجريات حركة الاحداث في الكوفة، حتي بدأت قرارات الغشم الارهابية، وقد مهّد لقراراته وإجراءاته الظالمة بخطاب إرهابيّ توعّد أهل الكوفة فيه بالسوط، والسيف، ورغبّهم بالانقياد إليه بادّعائه أنّ بزيد أمره بإنصاف المظلوم واعطاء المحروم وبالاحسان إلي السامع المطيع!، قال ابن زياد: (أمّا بعدُ، فإنّ أميرالمؤمنين أصلحه اللّه ولاّني مصركم وثغركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، وبالاحسان إلي سامعكم ومطيعكم، وبالشدّة علي مريبكم وعاصيكم، وأنا متّبع فيكم أمره، ومنفّذٌ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البرّ! وسوطي وسيفي علي من ترك أمري وخالف عهدي، فليُبقِ امرؤعلي نفسه! الصدق يُنبيء عنك لاالوعيد!). [1] .

ثمّ أتبع خطابه بإجراء قمعي رهيب (فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً، فقال: اكتبوا إليَّ الغرباء، ومن فيكم من طلبة [2] أميرالمؤمنين، ومن فيكم من الحرورية، [3] .


وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق! فمن كتبهم لنا فبريء، ومن لم يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف، ولايبغي علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل برئت منه الذّمة، وحلال لنا ماله وسفك دمه، وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا صُلب علي باب داره، وأُلغيت تلك العرافة من العطاء، وسُيّر إلي موضع بعُمان الزارة.) [4] [5] .

لقد كان لهذا القرار الجائر أكبر الاثر علي مجري حركة الاحداث في الكوفة، إذ كان العرفاء الواسطة بين السلطة والناس آنذاك، فهم المسؤولون عن أمور القبائل، يوزّعون عليهم العطاء، ويقومون بتنظيم السجلاّت العامة، التي فيها أسماء الرجال والنساء والاطفال، ويسجّل فيها من يولد ليفرض له العطاء، ويحذف منها الميّت ليحذف عطاؤه، وكانوا أيضاً مسؤولين عن شؤون الامن والنظام، وكانوا أيّام الحرب يقومون بأمور تعبئة الناس لها، ويخبرون السلطة بأسماء المتخلّفين عنها، وتعاقب السلطة العرفاء أشدّ العقوبة إذا أهملوا واجباتهم أو قصّروا فيها، ولقد كان للعرفاء بعد هذا القرار دور كبير في تخذيل الناس عن الثورة، وإشاعة الخوف والرهبة بينهم، كما كان لهم بعد ذلك دور كبير في زجّ الناس لحرب الامام الحسين عليه السلام.


پاورقي

[1] تأريخ الطبري، 3:281؛ والارشاد:188.

[2] اي الذين يطلبهم يزيد ويبحث عنهم ليعاقبهم.

[3] أي الخوارج.

[4] موضع معروف علي ساحل الخليج قرب عمان، شديد الحرارة، يُنفي إليه المخالفون آنذاک.

[5] تأريخ الطبري، 3:281؛ والارشاد: 188؛ وتذکرة الخواص: 200.