بازگشت

القادم المتنكر في الظلام


وما إنْ تسلّم عبيداللّه بن زياد رسالة يزيد التي حملها إليه الباهلي حتّي أمر بالجهاز من وقته والمسير والتهيؤإلي الكوفة من الغد، [1] فلم يبق في البصرة بعدها إلاّ يوماً واحداً قتل فيه سليمان بن رزين (رض) رسول الامام الحسين عليه السلام إلي أشراف البصرة ورؤساء أخماسها، وألقي فيه خطاباً هدّد فيه أهل البصرة وحذّرهم من الخلاف والارجاف وتوعّدهم علي ذلك.

(ثمّ خرج عبيداللّه من البصرة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك بن


الاعور الحارثي، [2] وحشمه وأهل بيته، وكان شريك شيعياً، وقيل: كان معه خمسمائة، فتساقطوا عنه، فكان أوّل من سقط في الناس شريك، ورجوا أنْ يقف عليهم ويسبقه الحسين إلي الكوفة، فلم يقف علي أحدٍ منهم...) [3] .

فلمّا أشرف عليها نزل حتّي أمسي ليلاً، فظنّ أهلها أنّه الحسين، [4] وكان معتمّاً بعمامة سوداء وهو متلثم، (والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام إليهم فهم ينتظرون قدومه، فظنّوا حين رأوا عبيداللّه أنّه الحسين عليه السلام، فأخذ لايمرّ علي جماعة من الناس إلاّ سلّموا عليه وقالوا: مرحباً بك يا ابن رسول اللّه، قدمتَ خير مقدم، فرأي من تباشرهم بالحسين ما سأه...). [5] .

ولمّا صار في داخل المدينة في جنح الظلام توهّم الناس أنّه الامام عليه السلام، (فقالت امرأة: أللّه أكبر! ابن رسول اللّه وربّ الكعبة! فتصايح الناس، قالوا: إنّا معك أكثر من أ ربعين ألفاً. وازدحموا عليه حتّي أخذوا بذَنَبِ دابّته، وظنّهم أنّه الحسين..). [6] .

(وسار حتّي وافي القصر بالليل، ومعه جماعة قد التفّوا به لايشكون أنه الحسين عليه السلام، فأ غلق النعمان بن بشير الباب عليه وعلي خاصّته، فناداه بعض من


كان معه ليفتح لهم الباب، فاطّلع عليه النعمان وهو يظنّه الحسين عليه السلام، فقال: أنشدك اللّه إلاّ تنحيت، واللّه ما أنا بمسلّم إليك أمانتي، ومالي في قتالك من أ رب!

فجعل لايكلّمه، ثمّ إنّه دني وتدلّي النعمان من شُرف القصر، فجعل يكلّمه، فقال: إفتح لافتحتَ! فقد طال ليلك!

وسمعها إنسان خلفه فنكص إلي القوم الذين اتبّعوه من أهل الكوفة علي أنّه الحسين عليه السلام، فقال: يا قوم! ابن مرجانة والذي لاإله غيره!

ففتح له النعمان فدخل، وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضّوا!). [7] .

وفي رواية المسعودي: (..حتّي انتهي الي القصر وفيه النعمان بن بشير، فتحصّن فيه، ثمّ أشرف عليه، فقال: يا ابن رسول اللّه، مالي ولك؟ وما حملك علي قصد بلدي من بين البلدان؟

فقال ابن زياد: لقد طال نومك يا نعيم. [8] وحسر اللثام عن فيه، فعرفه ففتح له، وتنادي النّاس: ابن مرجانة!

وحصبوه بالحصباء، ففاتهم ودخل القصر!). [9] .

ممّا مرَّ من هذه المتون التأريخية التي روت لنا كيف دخل ابن مرجانة الكوفة تتضح لنا تماماً درجة الضعف المذهل التي كان عليها ممثلوا السلطة الاموية في الكوفة آنذاك، فالنعمان بن بشير يلبد في القصر ويخشي الخروج منه لمقابلة القادم المتنكّر في الظلام الذي ظنّ أنّه الحسين عليه السلام، وعبيداللّه بن زياد


وهو بين مجموعة من أهل الكوفة يخشي حتّي من إظهار صوته مخافة أن يُعرف، ويحصبه الناس بالحجارة بعد أن عرفوه فلايقوي علي شيء سوي الهروب الي داخل القصر! ومعني هذا أنّ الكوفة يومذاك كانت تعيش بالفعل حالة (الانقلاب) في رفضها النظام الامويّ، وانتظارها لوصول القيادة الشرعية القادمة إليها من مكّة المكرّمة.


پاورقي

[1] راجع: الارشاد: 187.

[2] شريک بن الحارث (الاعور) الهمداني: مضت ترجمته في الجزء الثاني: ص 159.

[3] الکامل في التأريخ، 3:388.

[4] مثير الاحزان: 30؛ وفيه (حتّي أمسي لئلاتظنّ أهلها أنه الحسين...)، ولکننا أخذنا بما نقله صاحب بحار الانوار، 44:340 عن مثير الاحزان، وهو الصحيح. وقال الشبلنجي في نور الابصار: 140، (ولمّا قرب منها عبيداللّه بن زياد تنکّر ودخلها ليلاً، وأوهم أنه الحسين، ودخلها من جهة البادية في زيّ أهل الحجاز...).

[5] تأريخ الطبري، 3:281؛ والارشاد: 187.

[6] مثير الاحزان: 30.

[7] تأريخ الطبري، 3:281؛ والارشاد: 187؛ وعنه بحار الانوار، 44:340.

[8] لعلَّ هذا المثل يُضرب لمن طالت غفلته عمّا يجري حوله من حرکة الاحداث.

[9] مروج الذهب، 3 :66-67.