بازگشت

اشارة


لم يكن النعمان بن بشير محبّاً لاهل البيت عليه السلام ولاذاميلٍ إليهم، [1] لقد كان له ولابيه تأريخ أسود طويل في نصرة حركة النفاق بعد رحلة النبي (ص)، تامّاً وكان النعمان عثمانيَّ الهوي، يجاهر ببغض عليّعليه السلام، ويسيء القول فيه، وقد حاربه يوم الجمل وصفّين، وكان يتبنّي سياسة معاوية في قيادة حركة النفاق تبنيّاً تامّاً، (وكان من معالم هذه السياسة أنّ معاوية كان يتحاشي المواجهة العلنية مع الامام الحسين عليه السلام، وأنَّ معاوية لو اضطُرَّ إلي مواجهة علنية أي إلي قتال ضدّ الامام الحسين عليه السلام وظفر بالامام عليه السلام لعفا عنه، وليس ذلك حبّاً للامام عليه السلام وإنّما لانّ معاوية وهو من دهاة السياسة النكراء والشيطنة يعلمُ أنَّ إراقة دم الامام عليه السلام علناً وهو بتلك القدسيّة البالغة في قلوب الامّة كفيل بأن يفصل الامويّة عن الاسلام، ويذهب بجهود حركة النفاق عامة والحزب الامويّ خاصة أدراج الرياح، خصوصاً الجهود التي بذلها معاوية في مزج الامويّة بالاسلام في عقل الامّة وعاطفتها مزجاً لم يعد أكثر هذه الامّة بعدها يعرف إلاّ (الاسلام الاموي)، حتي صار من غير الممكن بعد ذلك الفصل بين الاسلام والامويّة إلاّ إذا أُريق ذلك الدم


المقدّس دم الامام عليه السلام علي مذبح القيام ضدّ الحكم الاموي.). [2] .

من هنا كان أسلوب النعمان بن بشير في معالجته لمستجدّات الامور في الكوفة بعد ورود مسلم عليه السلام يتّسم باللين والتسامح، لانّه كان يري إيماناً بنظرة معاوية أنّ المواجهة العلنية مع الامام الحسين عليه السلام ليست في صالح الحكم الاموي.

فلم يكن النعمان ضعيفاً، أو (حليماً ناسكاً يحبّ العافية) كما صوّرته رواية الطبري، [3] أو (يحبّ العافية ويغتنم السلامة) كما صوّرته رواية الدينوري، [4] بل كان يتضعّف مكراً وحيلة، معوّلاً علي الاسلوب السريّ والخدعة الخفية للقضاء علي الثورة والتخلص من مسلم بن عقيل عليه السلام، بل التخلّص حتّي من الامام عليه السلام، فهو أي النعمان بن بشير شيطان يحذو حذو معاوية كبيرهم الذي علّمهم الشيطنة في رسم الخطط الماكرة.

لكنّ تسارع حركة الاحداث في الكوفة يومذاك، والتحوّلات الكبيرة في ظاهر حياتها السياسية، أفزعا الامويين وعملاءهم وجواسيسهم من تجاوب الرأي العام في الكوفة مع مسلم بن عقيل عليه السلام، ورأوا أنّ زمام الامور سيكون بيد الثوّار تماماً إن لم تبادر السلطة الاموية المحليّة في الكوفة إلي اتخاذ التدابير اللازمة الكفيلة


بإعادة الوضع الكوفي إلي سابق استقراره النسبي، ورأوا أنّ سياسة اللين والتسامح التي كان يمارسها (بتضعّفه) النعمان بن بشير سوف تؤدي إلي سقوط الكوفة فعلاً بيد مسلم بن عقيل عليه السلام، وكان رأيهم أنْ لاخلاص من هذا المأزق إلاّ بعزل النعمان ومجيء والٍ جديد ظلوم غشوم، وبهذا بادروا إلي كتابة تقاريرهم السرّية بهذا النظر ورفعوها إلي يزيد في الشام.


پاورقي

[1] قال ابن قتيبة الدينوري: (فبعث الحسين بن علي مسلم بن عقيل الي الکوفة يبايعهم له، وکان علي الکوفة النعمان بن بشير، فقال النعمان: لابن بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم أحبُّ إلينا من ابن بجدل يعني يزيد فبلغ ذلک يزيد، فأراد أن يعزله..) (الامامة والسياسة، 2:4)، ومع تفرّد ابن قتيبة بهذا النقل، فإنّ هذا القول يمکن أن يُحمل علي الحزازة التي کانت في صدر النعمان علي يزيد، لانّ هذا الاخير کان يستخفّ بالانصار، ويحرّض الشعراء (الاخطل) علي هجائهم، لاأنّ النعمان کان محبّاً للامام الحسين عليه السلام.

[2] الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص 128؛ وقد کشف النعمان عن معرفته بموقف معاوية من قتل الامام الحسين عليه السلام في محاورته مع يزيد، حينما استدعاه يزيد إلي القصر بعد مقتل الامام عليه السلام وبعد نصب الرأس المقدّس بدمشق، فلمّا جاءه سأله يزيد قائلاً: کيف رأ يت ما فعل عبيداللّه بن زياد؟ قال النعمان: الحرب دول. فقال يزيد: الحمدُ للّه الذي قتله! قال النعمان: قد کان أميرالمؤمنين يعني به معاوية يکره قتله! (راجع: مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 2:59 60).

[3] راجع: تأريخ الطبري، 3:279.

[4] راجع: الاخبار الطوال: 231.