بازگشت

رسائل اموية إلي ابن زياد


في كيان الحزب الاموي هناك تيّاران مختلفان في صدد نوع الموقف الذي يجب أن يتّخذه الامويون في مواجهة الامام الحسين عليه السلام، التيّار الاوّل يتزعّمه معاوية بن أبي سفيان، ويري هذا التيّار أنّ المواجهة العلنيفة مع الامام الحسين عليه السلام ليست في صالح الحكم الاموي، فلابدّ من تحاشي مثل هذه المواجهة معه عليه السلام، ويري هذا التيّار أنّ المتاركة بين الامام عليه السلام وبين بني أميّة هي أفضل ما يوافق مصلحة الحكم الاموي، حتّي يأتي علي الامام عليه السلام ريب المنون فيخلو لبني أميّة وجه الساحة السياسية بعد موت ابن رسول اللّه (ص)، ويري هذا التيّار أنّه إذا كان لابدّ من مواجهة مع الامام عليه السلام فينبغي أن تكون مواجهة سريّة غير مكشوفة، يتمّ التخلّص فيها من وجود الامام عليه السلام بنفس الطريقة التي تمّ التخلّص فيها من أخيه الامام الحسن عليه السلام أو بما يماثلها، حتّي لايُستفزَّ الرأي العام في الامّة بموته عليه السلام ضدّ الحكم الاموي.

ويتبنّي هذا الرأي دهاة الامويين وحلماؤهم وذوو النظر البعيد منهم، ومن هؤلاء مثلاً الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. [1] .

أما التيّار الاخر فيتزعمه يزيد بن معاوية، وينضمّ إليه جميع قصيرو النظر والتفكير وأهل الحمق والخرق من بني أميّة، أمثال مروان بن الحكم، [2] وعمرو بن سعيد الاشدق.


ويري هذا التيّار أنّه لابدّ من المبادرة إلي التخلص من الامام الحسين عليه السلام إذا ما أعلن عن رفضه البيعة وعن قيامه ضد الحكم الاموي، سواء من خلال مواجهة سرّية أو علنية!

وكان معاوية يعلم بوجود هذا التيار الاخر داخل الحزب الامويّ، ويعرف أشخاصه، وقد حذّر الامام عليه السلام من بطش هذا التيّار وهدّده به في رسالته التي بعث بها إلي الامام عليه السلام علي أثر حادثة استيلاء الامام عليه السلام علي حمولة القافلة القادمة إلي معاوية من اليمن، فقد ورد في هذه الرسالة قوله: (.. ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة! وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك! وأتجاوز عن ذلك! ولكنّي واللّه أتخوّف أن تُبتلي بمن لاينظرك فواق ناقة!). [3] .

فلمّا مات معاوية وسيطر التيّار الارعن علي دفّة الحكم الاموي، وبعد أن أصرَّ الامام عليه السلام علي رفض البيعة ليزيد، وخرج إلي العراق فعلاً ولم يتمكّن الامويون من خطفه أو اغتياله في المدينة أو في مكّة اضطرب الامويون عامة ودهاتهم خاصة اضطراباً شديداً خوفاً من نتائج المواجهة العلنية مع الامام عليه السلام، ومن مصاديق هذا الاضطراب الرسالة التي بعثها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلي عبيداللّه بن زياد، والتي كان نصّها: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الوليد بن عتبة إلي عبيداللّه بن زياد: أمّا بعدُ، فإنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق، وهو ابن فاطمة، وفاطمة ابنة رسول اللّه (ص)، فاحذر يا ابن زياد أن تبعث إليه رسولاً فتفتح علي نفسك ما لاتختار من الخاص ‍ والعام. والسلام). [4] .

هذه الرسالة كاشفة تماماً عن طريقة التفكير التي يتبنّاها التيّار الاوّل داخل


الحزب الاموي (طريقة تفكير معاوية)، فالوليد لايذكّر ابن زياد بجلالة منزلة الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه (ص) ليخوّفه من عذاب اللّه في الاخرة، بل يحذّره ويخوّفه من انقلاب الرأي العام والخاص ضدّ الحكم الاموي!! ولاشيء عن عذاب الاخرة!!

وجدير بالذكر أنّ التيّار الاموي الاخر لايعباء بطريقة تفكير تيّار معاوية والوليد بن عتبة! ولذا ورد في ذيل خبر هذه الرسالة: (قال: فلم يلتفت عبيداللّه بن زياد إلي الكتاب). [5] .

وروي ابن عساكر أن مروان كتب إلي عبيداللّه بن زياد: (أمّا بعدُ: فإنّ الحسين بن عليّ قد توجّه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم، وباللّه ما أحدٌ يسلّمه اللّه أحبّ إلينا من الحسين! فإيّاك أن تهيج علي نفسك مالايسدّه شيء، ولاتنساه العامة ولاتدع ذكره، والسلام.). [6] .

وقال الشيخ محمد باقر المحمودي في حاشية الصفحة التي فيها هذا الخبر: (وكلّ من ألمَّ بشيء من سيرة مروان يعلم يقيناً أنّ هذا الكلام والكتاب لايلائم نفسيّات مروان ونزعاته وماكان يجيش في قلبه من بغض أهل البيت، وتمنّيه استئصالهم واجتثاثهم عن وجه الارض، فإن كان لهذا الكتاب أصل وواقعيّة فالمظنون أنّه للوليد بن عتبة بن أبي سفيان، كما نقله عنه الخوارزمي في أوّل الفصل 11 من مقتله: ج 2: ص 221، ونقله أيضاً ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح). [7] .


وكذلك روي ابن كثير في تأريخه [8] أنّ هذه الرسالة من مروان إلي ابن زياد، وقال الشيخ المحقّق باقر شريف القرشي معلّقاً علي ذلك: (واشتبه ابن كثير فزعم أنّ مروان كتب لابن زياد ينصحه بعدم التعرّض للحسين، ويحذّره من مغبّة الامر، ورسالته التي بعثها إليه تضارع رسالة الوليد السابقة مع بعض الزيادات عليها... إنّ من المقطوع به أنّ هذه الرسالة ليست من مروان فإنّه لم يفكّر بأيّ خير يعود للامّة، ولم يفعل في حياته أيّ مصلحة للمسلمين، يُضاف إلي ذلك مواقفه العدائية للعترة الطاهرة وبالاخص للامام الحسين، فهو الذي أشار علي حاكم المدينة بقتله، وحينما بلغه مقتل الامام أظهر الفرح والسرور! فكيف يوصي ابن زياد برعايته والحفاظ عليه!؟). [9] .

نعم، إنّ مروان بن الحكم وهو من أعلام التيّار الاموي الارعن الذين تتلظّي قلوبهم حنقاً علي أهل البيت وبغضاً لهم، لايمكن أن تصدر عنه مثل هذه الرسالة وإن كانت هذه الرسالة لاتفيض إلاّ بالخوف من هياج الرأي العام ضد الامويين! ذلك لانّ أفراد التيّار الاموي الارعن تشابهت قلوبهم وتماثلت أقلامهم فيما كتبوا به من تهديد لابن زياد: في أنّه إنْ لم يقتل الامام عليه السلام يعُدْ إلي أصله الحقيقي عبداً لبني ثقيف! فهذا عمرو بن سعيد بن العاص ‍ الاشدق وهو من طغاة بني أميّة الرعناء يكتب الي ابن زياد بعد خروج الامام الحسين عليه السلام من مكّة قائلاً: (أمّا بعدُ: فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبيد!)، [10] وكأنّه يستلّ ذات المعاني من قلب سيّده يزيد بن معاوية الذي كتب إلي ابن زياد


قائلاً: (قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلي الحسين في القدوم عليهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان، وأيّأمك من بين الايّام، فإنْ قتلته وإلاّ رجعت إلي نسبك وإلي أبيك عُبيد، [11] فاحذر أن يفوتك!). [12] .



پاورقي

[1] راجع: الجزء الاوّل: (الامام الحسين عليه السلام في المدينة المنوّرة): 361-365، عنوان: شخصية الوليد بن عتبة.

[2] في مشورة مروان بن الحکم علي الوليد بن عتبة بحبس الامام عليه السلام وبقتله إن لم يبايع دليل علي انتماء مروان لهذا التيّار، وعلي نوع طريقة تفکير هذا التيّار.

[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 18:327.

[4] الفتوح: 5 :121-122.

[5] الفتوح: 5:122.

[6] تاريخ ابن عساکر / ترجمة الامام الحسين عليه السلام / تحقيق المحمودي: 229، حديث رقم 256.

[7] المصدر السابق.

[8] البداية والنهاية: 8:165.

[9] حياة الامام الحسين بن علي 8: 3:58.

[10] تاريخ ابن عساکر / ترجمة الامام الحسين عليه السلام / تحقيق المحمودي: 299 حديث رقم 256.

[11] الجد الحقيقي لعبيد اللّه بن زياد بن عبيد (وعبيد کان غلاماً لثقيف).

[12] تأريخ اليعقوبي: 2:155.