بازگشت

هلع السلطة الاموية من خبر خروج الامام


روي ابن قتيبة الدينوري أنّ عمرو بن سعيد بن العاص والي مكّة حينما بلغه خبر خروج الامام الحسين عليه السلام عن مكّة المكرّمة قال: (إركبوا كُلَّ بعير بين السماء والارض فاطلبوه!)، فكان الناس يعجبون من قوله هذا، فطلبوه فلم يُدركوه! [1] .

ومع أنّ لنا تحفّظاً علي هذا الخبر من جهة أنّ الثابت تأريخياً أنَّ الامام عليه السلام لم يخرج عن مكّة سرّاً وإنْ كان خروجه في السحر أو في أوائل الصباح، إذ كان الامام عليه السلام قد خطب الناس في مكّة ليلة الثامن من ذي الحجة خطبته الشهيرة التي قال فيها:

(من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً علي لقاء اللّه نفسه، فليرحل معنا، فإنني راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه تعالي). [2] .

وعلي هذا فإنّ خبر موعد خروجه عليه السلام كان قد انتشر بين الناس في مكّة قبل خروجه، أ ي في ذات الليلة التي خرج في أواخرها أو في أوائل صباحها، ومن


الطبيعي ان تكون السلطة الاموية في مكّة قد علمت بهذا الموعد كما علم الناس في مكّة علي الاقل من خلال جواسيسها وعيونها.

ومن جهة أخري فإنّ الركب الحسينيّ الخارج عن مكّة وكان كبيراً نسبياً أوائل الخروج لايمكن أن يبعد كثيراً عن مكة فيختفي بهذه السرعة وفي تلك الفاصلة الزمنيّة القصيرة عن الانظار حتي يُطلب فلايُدرك!

هذا مع أنّ المشهور تأريخياً أنّ رُسل عمرو بن سعيد ورجال شرطته قد أدركوا الركب الحسينيّ في أوائل طريقه نحو العراق!

غير أنَّ الامر المهمّ الذي يكشف عنه هذا الخبر هو الهلع الكبير والذعر البالغ اللذان انتابا السلطة الاموية لخروج الامام عليه السلام بالفعل، حتي كأنَّ والي مكّة آنذاك أراد أن يُعبّيء كلّ واسطة بين السماء والارض ويسخّرها لمنع الامام عليه السلام من الخروج عن مكّة!

لقد عظم خروج الامام عليه السلام عن مكّة علي السلطة الاموية لانّ هذا الخروج كان معناه انفلات الثورة الحسينيّة من طوق الحصار الذي سعت السلطة الاموية إلي تطويقها به في المدينة المنوّرة ففشلت، ثمّ جهدت في سبيل ذلك في مكّة أيضاً، طمعاً في القضاء علي هذه الثورة في مهدها قبل انفلاتها من ذلك الحصار، من خلال القضاء علي قائدها بإلقاء القبض عليه أو اغتياله أو قتله بالسمّ في ظروف مفتعلة غامضة تستطيع السلطة الاموية أن تِلقي فيها بالتهمة علي غيرها، وتغطّي علي جريمتها بألف ادّعاء، وقد تطالب هي بدمه بعد ذلك فتضللّ الامّة وتظهر للناس ‍ بمظهر الاخذ بثاءر الامام عليه السلام، فتبقي مأساة الاسلام علي ما هي عليه، بل تترسّخ المصيبة وتشتدّ!

إذن فخروج الامام عليه السلام عن مكّة المكرّمة في ذلك التوقيت المدروس كما فوّت علي السلطة الاموية الفرصة للتخلّص من الامام عليه السلام بطريقة تختارها هي، وتتمكن من الاستفادة منها إعلامياً لتضليل الامّة، كذلك فقد فوّت عليها فرصة


تطويق الثورة ومحاصرتها وخنقها، إذ كان (خروجه عليه السلام من المدينة وكذلك من مكة في الاصل انفلاتاً بالثورة المقدّسة من طوق الحصار والتعتيم الامويّ، إضافة الي خوفه عليه السلام من أن تُهتك حرمة أحد الحرمين الشريفين بقتله). [3] .

إذن فقد حقَّ لبني أميّة أن يهلعوا لخروج الامام عليه السلام، لانّ هذا الخروج حرمهم من أن يرسموا هم فصول المواجهة مع الامام عليه السلام، وأن يختاروا هم الظروف الزمانية والمكانية والاعلامية لهذه المواجهة، في وقت (كان الامام عليه السلام حريصاً علي أن يتحقّق مصرعه الذي كان لابدّ منه ما لم يبايع في ظروف زمانية ومكانية يختارها هوعليه السلام، لايتمكّن العدوّ فيها أنْ يعتّم علي مصرعه، أو أنْ يستفيد من واقعة قتله لصالحه، فتختنق الاهداف المنشودة من وراء هذا المصرع الذي أ راد منه عليه السلام أن تهتزّ أعماق وجدان الامّة لتتحرك بالاتجاه الصحيح الذي أراده عليه السلام لها.). [4] .


پاورقي

[1] الامامة والسياسة، 2:3؛ والعقد الفريد، 4:377.

[2] مثير الاحزان: 41؛ واللهوف: 25.

[3] و الجزء الاوّل من هذه الدراسة: ص 376.

[4] و الجزء الاوّل من هذه الدراسة: ص 376.