بازگشت

تنفيذ امر رسول الله


وفي مجموعة نصوص تصريحات الامام الحسين عليه السلام بصدد علّة اختياره التوجّه الي العراق لاإلي غيره هناك فئة من هذه النصوص يصرّح فيها الامام عليه السلام بأنه إنما يخرج الي العراق بالذات امتثالاً لامر رسول اللّه (ص).

وقد تلقّي الامام الحسين عليه السلام أمر رسول اللّه (ص) عن طريق (الرؤيا)، التي تكررّت غير مرّة، وهي رؤيا حقّة لانَّ الرائي إمام معصوم عليه السلام، لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، ولانَّ المرئيَّ هو رسول اللّه (ص)، والثابت في الاثر أنّ من رآه في المنام فقد رآه. [1] .

وكان بدء هذه الرؤيا الحقّة في المدينة المنوّرة بعدما أعلن الامام عليه السلام رفضه مبايعة يزيد بعد موت معاوية أمام الوليد بن عتبة والي المدينة يومذاك، تقول الرواية:

(فلمّا كانت الليلة الثانية خرج الي القبر أيضاً، فصلّي ركعتين، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول:

(اللّهمّ إنّ هذا قبر نبيّك محمد، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الامر ما قد علمت، أللّهمَّ وإنّي أُحبّ المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحقّ هذا القبر ومن فيه إلاّ ما اخترت من أمري هذا ماهو لك رضي.

ثمّ جعل الحسين عليه السلام يبكي، حتي إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه علي القبر فأغفي ساعة، فرأي النبيّ (ص) قد أقبل في كبكبة من الملائكة عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن خلفه، حتّي ضمَّ الحسين عليه السلام إلي صدره، وقبّل بين عينيه، وقال (ص):


يا بنيّ يا حسين، كأنّك عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمّتي، وأنت في ذلك عطشان لاتُسقي وظمآن لاتُروي، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي!، ما لهم لاأنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة، فما لهم عند اللّه من خلاق.

حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قد قدموا عليَّ، وهم إليك مشتاقون، وإنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة!

فجعل الحسين عليه السلام ينظر في منامه الي جدّه (ص) ويسمع كلامه، وهو يقول:

يا جدّاه، لاحاجة لي في الرجوع الي الدنيا أبداً، فخذني إليك واجعلني معك إلي منزلك!

فقال له النبيّ (ص):

يا حسين، إنه لابدّ لك من الرجوع الي الدنيا حتي ترزق الشهادة وما كتب اللّه لك فيها من الثواب العظيم، فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتي تدخلوا الجنّة.). [2] .

وقد أشار الامام عليه السلام إلي هذا الامر أيضاً في آخر لقاء له مع أخيه محمد بن الحنفية (رض) في مكّة المكرّمة في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكّة، تقول الرواية: (سار محمّد بن الحنفية الي الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكّة، فقال: يا أخي، إنَّ أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فإنْ رأيت أن تقيم فإنّك أعزُّ من في الحرم وأمنعه!

فقال عليه السلام: يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت.


فقال له ابن الحنفيّة: فإن خفت فَسِرْ الي اليمن أو بعض نواحي البرّ، فإنك أ منع الناس به ولايقدر عليك أحد.

فقال عليه السلام: أنظر فيما قُلتَ.

ولمّا كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفيّة، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها، فقال له: يا أخيّ، ألم تعدني النظر فيما سألتك؟

قال عليه السلام: بلي.

قال: فما حداك علي الخروج عاجلاً!؟

فقال عليه السلام: أتاني رسول اللّه (ص) بعدما فارقتك، فقال: يا حسين، أخرج فإنّ اللّه قد شاء أن يراك قتيلا!.

فقال له ابن الحنفيّة: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك، وأنت تخرج علي مثل هذه الحال؟!

فقال له عليه السلام: قد قال لي: إنّ اللّه قد شاء أن يراهنّ سبايا! وسلّم عليه ومضي.). [3] .

كما أشار الامام عليه السلام أيضاً الي أمر هذه الرؤيا بعد خروجه عن مكّة، في ردّه علي عبداللّه بن جعفر (رض) ويحيي بن سعيد حينما ألحّا عليه بالرجوع وجهدا في ذلك، حيث قال عليه السلام لهما: (إنّي رأيتُ رؤيا فيها رسول اللّه (ص)، وأُمرتُ فيها بأمرٍ أنا ماضٍ له، عليَّ كان أو لي!)، ولما سألاه: فما تلك الرؤيا؟

قال عليه السلام: (ما حدّثت بها أحداً، وما أنا محدّث بها حتي ألقي ربّي!). [4] .

ويستفاد من هذا الخبر أنّ هذه الرؤيا التي أخبر الامام عليه السلام عنها عبداللّه بن


جعفر (رض) ويحيي بن سعيد هي غير الرؤيا التي رآها في المدينة وغير الرؤيا التي أخبر عنها أخاه محمّد بن الحنفيّة (رض)، بدليل أنه عليه السلام امتنع عن ذكر تفاصيلها، وذكر أنه لم يحدّث بها أحداً ولايحدّث بها.

ولايخفي أنّ الاخيرتين من هذه الرؤي الثلاث صريحتان في أنّ أمر رسول اللّه (ص) كان متعلّقاً بالتوجّه إلي العراق لابأصل الخروج فقط، ذلك لانّ الامام عليه السلام ذكر أمر رسول اللّه (ص) في ردّه علي كلّ من محمّد بن الحنفيّة (رض) وعبداللّه بن جعفر (رض) ويحيي بن سعيد الذين نهوه عن التوجه الي العراق.


پاورقي

[1] راجع: مصابيح الانوار، 2:1؛ المطبعة العلميّة النجف الاشرف عن الصدوق (ره) في الامالي والعيون.

[2] الفتوح، 5:27 29 وعنه مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:186، وبحار الانوار، 44:328 بتفاوت عن کتاب تسلية المجالس.

[3] اللهوف: 27؛ وعنه بحار الانوار، 44:364.

[4] تاريخ الطبري، 3:297 والکامل في التاريخ، 3:402؛ وتاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام/ تحقيق المحمودي): 202، رقم 255 بتفاوت وفيها (حتي ألاقي عملي)، وکذلک البداية والنهاية، 8:176.