بازگشت

اشارة


لاشكّ أنّ حجّة أهل الكوفة علي الامام عليه السلام برسائلهم إليه وببيعتهم كانت قد انتفت عملياً وانتهت تماماً بعد انقلابهم علي مسلم بن عقيل عليه السلام وخذلانهم إياه، فلماذا لم يُعرض الامام عليه السلام عن التوجّه إلي العراق، بل أصرَّ علي التوجّه إليهم، وواصل الاحتجاج عليهم برسائلهم وببيعتهم؟

وفي معرض الاجابة عن هذا التساؤل قد يُقال إنّ مسلم بن عقيل عليه السلام في مستوي تاثيره علي أهل الكوفة ليس كالامام عليه السلام في مستوي تأثيره لو دخل الكوفة وكان بين ظهراني أهلها، إذ إنّ المأمول والمتوقّع أنهم سيلتفّون حول الامام عليه السلام ويسارعون الي نصرته، وهذا التصوّر كان قد أشار إليه بعض أصحاب الامام عليه السلام حين قال له: (إنّك واللّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع..)، [1] ولذا واصل الامام عليه السلام الاصرار علي التوجّه إلي الكوفة حتي بعد مقتل مسلم عليه السلام!


لكنّ التأريخ يثبت أنّ الامام عليه السلام لم يعتمد هذا النظر ولم يتحرّك علي أساسه لعلمه عليه السلام بما سيؤول إليه موقف أهل الكوفة من قبل ذلك (لاعتقادنا الحقّ بأنّ الائمة (ع) يعلمون بما كان وبما سيكون الي قيام الساعة)، ودلائل تأريخية عديدة أ يضاً تؤكّد أنه عليه السلام كان يعلم منذ البدء أنّ أ هل الكوفة سوف يخذلونه ويقتلونه، [2] ولانّ أنباء الكوفة بعد مقتل مسلم عليه السلام تدافعت إلي الامام عليه السلام بسرعة مؤكّدة علي أنّ أهل الكوفة إلاّ من رحم اللّه قد أصبحوا إلباً علي الامام عليه السلام بعد أن عبّاءهم ابن زياد لقتاله.

فلايبقي إذن إلاّ أن نقول: (إنّ الامام عليه السلام واصل التزامه بالوفاء بهذا الموعد والقول، واصرَّ علي التوجّه الي الكوفة لالانّ لاهل الكوفة حجّة باقية عليه في الواقع، بل لانّه لم يشاء أن يدع أيّ مجال لامكان القول بأنّه لم يفِ تماماً بالعهد لو كان قد انصرف عن التوجّه الي الكوفة في بعض مراحل الطريق، حتّي بعد أن أغلق جيش الحرّ دونه الطريق إليها، ذلك لانّ الامام عليه السلام مع تمام حجّته البالغة علي أهل الكوفة أ راد في المقابل بلوغ تمام العذر وعلي أكمل وجه فيما قد يُتصوَّر أنّ لهم حجّة باقية عليه، بحيث لايبقي مجال للطعن في وفائه بالعهد.). [3] .



پاورقي

[1] الارشاد: 204.

[2] منها قوله ليزيد بن الرشک: (هذه کتب أهل الکوفة إليَّ ولااراهم إلاّ قاتليَّ..) (تاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام/ تحقيق المحمودي):211، رقم 266)، ومنها قوله عليه السلام: (وخير لي مصرع أنا لاقيه) (اللهوف: 25)، وقوله عليه السلام: (الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي کربلاء) (اللهوف: 28) وقوله عليه السلام لام سلمة (رض): (يا أمّاه، قد شاء اللّه عز وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً..) (بحار الانوار، 44:331 332)، وقوله عليه السلام لاخيه محمد بن الحنفيّة (رض): (أتاني رسول اللّه 9 بعد ما فارقتک، فقال: يا حسين أخرج فإنّ اللّه قد شاء أن يراک قتيلاً) (اللهوف: 27)، وهناک غير هذه شواهد کثيرة علي علمه عليه السلام بمصيره وبخذلان أهل الکوفة له.

[3] الجزء الاوّل من هذه الدراسة (مقالة: بين يدي الشهيد الفاتح): 161.