بازگشت

العراق ارض المصرع المختار


لمّا عزم الامام عليه السلام علي الخروج من المدينة أتته أمّ سلمة (رض) فقالت: يا بُني لاتحزنّي بخروجك الي العراق، فإني سمعت جدّك يقول: يُقتل ولدي الحسين عليه السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلاء!

فقال لها: (يا أمّاه، وأنا واللّه أعلم ذلك، وأنّي مقتول لامحالة، وليس لي من هذا بدُّ، وإنّي واللّه لاعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإنّي أ عرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإنْ أردتِ يا أُمّاه أُريك حفرتي ومضجعي!). [1] .

وفي رواية أخري أنّه عليه السلام قال لها (رض):

(واللّه إني مقتول كذلك، وإنْ لم أخرج إلي العراق يقتلونني أيضاً..). [2] .

(وقد روي بأسانيد أنه لمّا منعه عليه السلام محمّد بن الحنفية عن الخروج إلي الكوفة قال: واللّه يا أخي، لو كنت في جُحر هامّة من هوامِّ الارض، لاستخرجوني منه حتّي


يقتلوني.). [3] .

وفي رواية أنه عليه السلام قال لابن الزبير: لئن أُدفن بشاطيء الفرات أحبُّ إليَّ من أن أُدفن بفناء الكعبة. [4] أو قوله عليه السلام: ولئن أُقتل بالطفِّ أحبُّ إليَّ من أن أُقتل بالحرم. [5] .

هذه النصوص ونظائرها تكشف لنا أنّ الامام عليه السلام منذ البدء كان قد اختار العراق أرضاً لمصرعه!

وسرُّ ذلك هو أنّ الامام عليه السلام بعد أن اختار موقفه المبدئي برفض البيعة ليزيد وبالقيام كان يعلم منذ البدء أنه مقتول لامحالة، خرج الي العراق أولم يخرج، فكان (من الحكمة أن يختار الامام عليه السلام لمصرعه أفضل الظروف الزمانية والمكانية والنفسية والاجتماعية المساعدة علي كشف مظلوميته وفضح أعدائه، ونشر أهدافه، وأن يتحرّك باتجاه تحقيق ذلك ما وسعته القدرة علي التحرّك. وبما أنّ الامام عليه السلام كان يعلم منذ البدء أيضاً أنّ أهل الكوفة لايفون له بشيء من عهدهم وبيعتهم وأنهم سوف يقتلونه: (هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ولاأراهم إلاّ قاتليَّ...)، [6] إذن فهوعليه السلام بمنطق الشهيد الفاتح كان يريد العراق، ويصرُّ علي التوجّه إليه لانه أفضل أرض للمصرع المختار، ذلك لما ينطوي عليه العراق من استعدادات للتأثر بالحدث العظيم (واقعة عاشوراء) والتغير نتيجة لها، وذلك لانّ الشيعة في العراق آنئذٍ أكثر منهم في أيّ إقليم اسلامي آخر، ولانّ العراق لم ينغلق إعلامياً ونفسياً لصالح الامويين كما هو الشام، بل لعلّ العكس هو الصحيح. وهذه الحقيقة أكّدتها الوقائع التي تلت واقعة عاشوراء، وأثبتت أيضاً صحة هذا المنطلق، ولعلّ هذا هو


السرّ المستودع في قوله عليه السلام لمّا سأله ابن عيّاش: اين تريد يا ابن فاطمة؟

حيث أجاب عليه السلام: العراق وشيعتي! [7] وقوله عليه السلام لابن عبّاس: لابدّ من العراق!. [8] [9] .


پاورقي

[1] بحار الانوار، 44: 331-332.

[2] الخرائج والجرائح، 1:253، رقم 7.

[3] بحار الانوار، 45: 99.

[4] کامل الزيارات: 73.

[5] المصدر السابق.

[6] تاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام)/ المحمودي:211 رقم 266.

[7] تاريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام)/ المحمودي: 201، حديث رقم 255.

[8] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:310.

[9] راجع: الجزء الاول من هذه الدراسة، مقالة (بين يدي الشهيد الفاتح): 161-162.