بازگشت

سبع فوائد تحقيقية


1) اختلف المؤرّخون في يوم خروج الامام عليه السلام من مكّة المكرّمة، فذكر بعضهم أنّ خروجه عليه السلام كان في اليوم الثالث من ذي الحجة، [1] وذكر آخر أنه كان في اليوم السابع منه، [2] وقال آخر إنّ ذلك كان في اليوم العاشر منه، [3] والصحيح هو أنّ خروجه عليه السلام من مكّة كان في اليوم الثامن من ذي الحجّة، بدليل قول الامام الحسين عليه السلام نفسه في رسالته الثانيّة إلي أهل الكوفة، إذ ورد فيها: (... وقد


شخصتُ إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة يوم التروية..)، [4] وبدليل ما ورد عن الامام الصادق عليه السلام في أكثر من رواية [5] أنّ الامام الحسين عليه السلام خرج من مكّة المكرّمة يوم التروية أي اليوم الثامن من ذي الحجّة الحرام.

2) خرج الامام عليه السلام من مكّة بجميع الاعلام [6] الذين قدموا معه إليها من المدينة المنوّرة، والذين انضموا إليه في الطريق بين المدينة ومكّة، [7] عدا مسلم بن عقيل عليه السلام الذي أرسله الامام عليه السلام إلي الكوفة قبله، وعدا سليمان بن رزين (رض) الذي أرسله الامام عليه السلام برسالته إلي رؤساء الاخماس ‍ في البصرة وأشرافها. كما خرج الامام عليه السلام بجميع من انضمّ إليه في مكّة من الاعلام عدا قيس بن مسهّر الصيداوي (رض)، وعبدالرحمن بن عبداللّه الارحبي (رض)، وعمارة بن عبيداللّه السلولي، الذين بعثهم الامام عليه السلام مع مسلم بن عقيل عليه السلام إلي الكوفة، [8] وعدا سعيد بن عبداللّه الحنفي (رض) وهاني بن هاني الذين بعثهما الامام عليه السلام إلي أهل الكوفة برسالته الاولي إليهم قبل إرساله مسلماًعليه السلام إليهم. [9] .

3) لايعني خروج الركب الحسينيّ من مكّة في السحر أو في أوائل الصبح أنّ خروجه كان سرّاً لم تعلم به السلطة الاموية ولم يعلم به الناس، ذلك لانّ الامام عليه السلام كان قد أعلن عن موعد حركة الركب الحسينيّ وساعة خروجه في خطبته المعروفة بعبارته الشهيرة (خطَّ الموت علي ولد آدم مخطّ القلادة علي


جيد الفتاة)، حيث قال عليه السلام في آخرها (فمن كان باذلاً فينا مهجته، موطّناً علي لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا، فإنني راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه تعالي)، [10] وكان الامام عليه السلام قد خطب هذه الخطبة في عموم الناس لافي أصحابه خاصة. [11] .

4) من المعلوم تحقيقاً و ان كان المواجهة العسكرية العلنية مع الامام الحسين عليه السلام داخل مكّة أو علي مشارفها لم تكن في صالح السلطة الامويّة، وكانت السلطة الامويّة تعلم ذلك جيّداً، الاّ انهم بأمر يزيد صمموا لكي يغتالوالامام الحسين عليه السلام و ان كان معلّقاً باستار الكعبة و مع رحيل الامام الحسين عليه السلام من مكه فشلت نقشتهم كما أنّ هذه الحقيقة لم تكن لتخفي علي الامام عليه السلام، وذلك لانّ الامويين يعلمون ماللامام الحسين عليه السلام من منزلة سامية وقداسة في قلوب المسلمين، فاغتيا له خفيتاً كان اولي عندهم من المواجهه فالمواجهة العسكرية معه داخل مكّة أو عند مشارفها تعني بالضرورة تأليب قلوب جماهير الحجيج عليهم، وتأييدهم للامام عليه السلام، وانتصارهم له وانضوائهم تحت رايته، وهذا هو (تفاقم الامر) [12] الذي يخشاه الامويون.

فضلاً عن أنّ الملتفّين حول الامام عليه السلام وهو لمّا يزل في مكّة كانوا كثيرين، بدليل أنّ الركب الحسينيّ الخارج من مكّة كان كبيراً نسبياً.

وفضلاً عن أنّ مكّة وهي مدينة دينية مقدّسة عند الجميع، لم تكن للسلطة


الاموية فيها بالفعل إلاّ قوّة محدودة تكفيها لتنفيذ وضبط الامور الادارية والقضائية، وتنظيم حركة الحجيج، وحراسة السلطان، وحفظ الامن الداخلي فعليه فكان يمكن لهم ان ينجّزوا اعتيال الام ولاتكفيها لمواجهة تمرّد أو انقلاب تقوم به جماعة كبيرة ذات عدّة واستعداد ان كان الاغتيال ممكن وهذا أيضاً شأن المدينة المنوّرة يومذاك والدليل علي ذلك أنّ كلَّ الانتفاضات الكبيرة التي حصلت في المدينة المنوّرة أو في مكّة كانت السلطة الاموية قد واجهتها بجيوش استقدمتها من خارجها، او عيون قدد سوّهم في بين الناس كما في قضية الامام الحسين لاغتياله (ع) و هذا تختلف عن انتفاضة أهل المدينة ووقعة الحرّة الاليمة، وكما في مواجهة الامويين لعبداللّه بن الزبير في مكّة. [13] .

5) وما قدّمناه لاينافي حقيقة أنّ الامام عليه السلام خرج من مكّة مبادراً قبل شروع أعمال الحجّ خوفاً من أن تغتاله السلطة الاموية في مكّة، فتنتهك بذلك حرمة البيت الحرام، ذلك لانّ الامويين إنْ لم يكونوا قد تمكّنوا من اختطافه أو اغتياله طيلة مدّة بقائه الطويلة نسبياً في مكّة بسبب احتياطات الامام عليه السلام وحذره، وحمايته من قبل أنصاره من الهاشميين وغيرهم، [14] فإنَّ فرصة الامويين لتنفيذ


خطّتهم ستكون مؤاتية بصورة أفضل عند شروع أعمال الحجّ، وستكون احتمالات نجاحها أكبر، ذلك لانَّ الامام عليه السلام علي فرض بقائه في مكّة سيكون هو ومن معه وجموع الحجيج مشغولين في أعمال الحجّ وأجوائها العبادية، عُزّلاً من السلاح، وسيساعد وجود الامام عليه السلام في زحام الحجيج كثيراً علي تنفيذ ما أرادته السلطة الاموية به من سوءٍ وشرّ، ولذا بادرعليه السلام إلي الخروج من مكّة يوم التروية. [15] .

6) فإذا علمنا من كلّ ما مضي أنّ خروج الامام عليه السلام لم يكن سرّاً، ولم يكن خوفاً من مواجهة حربية علنية مع السلطة الامويّة في مكّة، أدركنا أنَّ هناك لعله كان سبباً آخر رئيساً كان قد دفع الامام عليه السلام الي اختيار السحر أو أوائل الصبح في ستر الظلام موعداً للخروج، وهذا السبب لعله هو الغيرة الحسينية الهاشمية التي تأبي أن تتصفّح أنظار الناس في مكّة حرائر بيت العصمة والرسالة، والنساء الاُخريات في الركب الحسينيّ، في حال خروج الامام عليه السلام في وضح النهار حيث تغصّ مكّة بالناس.

إنّ هذا لعله هو السبب الاقوي في مجموعة الاسباب التي دفعت الامام عليه السلام إلي الخروج في السحر، أو في أوائل الصبح.

7) يُستفاد من بعض كتب السير والمقاتل انّ الامام عليه السلام كان قد اعتمر عمرة


التمتع ثم عدل عنها إلي العمرة المفردة لعلمه بأنّ الظالمين سوف يصدّونه عن إتمام حجّه. [16] .

والصحيح تحقيقاً هو أنّ الامام الحسين عليه السلام قد دخل في إحرام العمرة المفردة ابتداءً، أي لم يكن أحرم لعمرة التمتع ثمّ عدل عنها الي العمرة المفردة.

وقد تبنّي هذا القول من الفقهاء السيّد محسن الحكيم (ره)، والسيّد الخوئي (ره)، والسيّد السبزواري (ره)، وآخرون غيرهم. [17] .

يقول السيّد الحكيم (ره) في مستمسك العروة الوثقي: (.. وأمّا ما في بعض كتب المقاتل من أنّه عليه السلام جعل عمرته عمرة مفردة، ممّا يظهر منه أنها كانت عمرة تمتّع وعدل بها إلي الافراد، فليس ممّا يصحّ التعويل عليه في مقابل الاخبار المذكورة التي رواها أهل البيت (ع)). [18] .

ويقول الشيخ محمد رضا الطبسي (ره): (المشهور بين الاصحاب رضوان اللّه عليهم أنّ من دخل مكّة بعمرة التمتع في أشهر الحجّ لم يجز له أن يجعلها مفردة، ولاأن يخرج من مكّة حتي يأتي بالحجّ لانها مرتّبة (مرتبطة) بالحجّ، نعم عن ابن إدريس القول بعدم الحرمة وأنّه مكروه، وفيه أنه مردود بالاخبار.). [19] .

(كما يضعّف أيضاً القول بوقوع التبديل الي العمرة المفردة هو أنّه لو كان لاجل الصدّ ومنع الظالم فإنّ المصدود عن الحجّ يكون إحلاله بالهدي، كما أشار


إليه الشهيد الاوّل في الدروس، [20] والشهيد الثاني في المسالك.) [21] [22] .

ولم يَرد في خبر أو أثرٍ أنّ الامام الحسين عليه السلام كان قد أحلّ من إحرام عمرته بالهدي.


پاورقي

[1] لانّ الامام عليه السلام دخل مکّة في الثالث من شعبان وخرج منها في الثامن من ذي الحجّة.

[2] راجع: کامل الزيارات: 73؛ وتذکرة الخواص: 217.

[3] راجع: تأريخ دمشق، 14:212؛ وتهذيب الکمال، 4:493.

[4] راجع الارشاد: 202؛ وتأريخ الطبري، 3:293 و301.

[5] راجع: التهذيب، 5:436، حديث رقم 162؛ والاستبصار، 2:327 رقم 1160.

[6] تحرزّنا بکلمة (الاعلام) لاننا لايمکن أن نحيط علماً بالمجهولين من الخدم والموالي وغيرهم.

[7] کالشهداء الجهنيين الثلاثة (رض) الذين انضمّوا إليه من (مياه جهينة).

[8] راجع: تأريخ الطبري، 3:277؛ والارشاد: 185.

[9] راجع: الارشاد: 185.

[10] راجع: اللهوف: 26.

[11] لانعلم أنّ مؤرّخاً ذکر أنّ الامام عليه السلام خطب هذه الخطبة في أصحابه إلاّ الشيخ محمد السماويّ(ره) في کتابه إبصار العين: 27، ولم يذکر الشيخ السماوي (ره) المصدر الذي أخذ عنه هذه الدعوي الشاذة.

[12] لمّا امتنع الرکب الحسينيّ علي جند الاشدق عند مشارف مکّة، واضطرب الفريقان بالسياط، (وبلغ ذلک عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الامر! فأرسل الي صاحب شرطته يأمره بالانصراف!). (الاخبار الطوال: 244).

[13] وعدا هذا الدليل، هناک إشارات وأدلّة تأريخية عديدة تؤکّد هذه الحقيقية منها علي سبيل المثال لاالحصر ما رواه السيّد ابن طاووس (ره) من أنّ يزيد أمر (عمرو بن سعيد) بمناجزة الحسين عليه السلام (إنْ هو ناجزه!) أو يقاتله (إنْ هو قدر عليه!) (راجع: اللهوف: 27 وراجع التحقيق في متن هذه الرواية في الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص 199)، وفي هذا إشعار کاف أوّلاً: بعلم السلطة الاموية بأنّ مواجهة عسکرية علنية مع الامام عليه السلام في مکّة أو عند مشارفها لن تکون في صالحها، وثانياً: بعدم کفاية القوة الاموية لمثل هذه المواجهة.

[14] ودليل ذلک أنّ الامام الحسين عليه السلام وقد احتاط للقائه مع الوليد بن عتبة والي المدينة بحماية مؤلّفة من ثلاثين رجلاً مسلّحاً، تحسّباً لکل طاريء في هذا اللقاء لابدّ وأن يکون قد احتاط لکلّ طاريء متوقّع في مکّة، وهو يعلم أنّ يزيد يريد اختطافه أو اغتياله، ويعلم أنّ الاشدق جبار متکبّر شرّير من أسواء جبابرة بني أميّة وطواغيتها.

هذا ما تقتضيه حکمة وحذر وحيطة الانسان المطارد المطلوب العادي، فما بالک بحکمة وحذر وحيطة الامام الحسين عليه السلام؟!.

[15] هذا فضلاً عن العوامل الاخري التي شکّلت مع هذا العامل الاساس علّة الخروج في ذلک اليوم، کالعامل الاعلامي والتبليغي الهادف الي إثارة تساؤل الناس واستغرابهم من الخروج في يوم التروية وترک الحجّ، ليکون في الاجابة عن کلّ تلک التساؤلات والاستغراب تعريف بالنهضة الحسينية ودعوة الناس الي تأييدها ونصرتها.

[16] راجع مثلاً: الارشاد: 200؛ وإعلام الوري: 230؛ وروضة الواعظين: 177.

[17] راجع: مستمسک العروة الوثقي، 11:192؛ ومعتمد العروة الوثقي، 2:236.؛ ومهذّب الاحکام، 12:349 وانظر: کتاب الحجّ(تقريرات السيّد الشاهرودي): 2:312 وتقريرات الحجّ للسيّد الگلبايگاني، 1:58 والمحقّق الداماد: کتاب الحجّ، 1:333.

[18] مستمسک العروة الوثقي، 11:192.

[19] ذخيرة الصالحين، 3:124.

[20] راجع: الدروس، 1:478.

[21] راجع: مسالک الافهام، 2:388.

[22] الجزء الثاني من هذه الدراسة: 98 وللتعرّف علي تفصيل هذه القضية التحقيقية راجع نفس الجزء الثاني من هذه الدراسة: 93 98 تحت عنوان: (عمرة التمتع أم عمرة مفردة؟).