بازگشت

رسالة اخري من الامام الحسين


روي صـاحـب الفـتـوح أنّ يـزيـد بـن مـعـاويـة كـتـب مـن الشـام كـتـابـاً إلي أهل المدينة من قريش وبني هاشم، وأرفق مع كتابه أبياتاً من الشعر يخاطب فيها الامام الحسين (ع) أسـاساً، ويفهم من سياق رواية ابن أعثم الكوفي أنّ الرسالة وصلت إلي المدينة والامام (ع) فـي مـكـّة، كـمـا يـقـوّي هـذا الظـن قـول ابـن أعـثـم بـعـد ذكـره الابيات الشعرية: «فنظر أهل المدينة إلي هذه الابيات ثم وجّهوا بها وبالكتاب إلي الحسين ابن عليّ(ع»).

والابيات هي:



«ياأيها الراكب الغادي لطيّته

علي عذافرة في سيره [1] قحمُ



أبلغ قريشاً علي نأي المزار بها

بيني وبين الحسين اللّهُ والرحمُ



وموقف بفنأ البيت ينشده

عهد الاله وما توفي به الذممُ



غنيتم قومكم فخراً بأمِّكمُ

أمُّ لعمري حصان برّة كرمُ






هي التي لايُداني فضلها أحدٌ

بنت الرسول وخير الناس قد علموا



وفضلها لكم فضلٌ وغيركم

من يومكم لهم في فضلها قسمُ



إني لاعلم حقاً غير ما كذبٍ

والطرف يصدقُ أحياناً ويقتصمُ



أن سوف يُدرككم ما تدّعون بها

قتلي تهاداكم العُقبان والرخمُ



ياقومنا لاتشبّوا الحرب إذ سكنتْ

تمسّكوا بحبال الخير واعتصموا



قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم

من القرون وقد بادت بها الاممُ



فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً

فرُبّ ذي بذخ زلّت به قدم» [2] .



وتـقـول الروايـة أنّ الامـام الحـسـين (ع) لمّا نظر في الكتاب علم أنه كتاب يزيد ابن معاوية، فكتب (ع) الجواب:

«بـسـم اللّه الرحـمـن الرحـيـم (وإنْ كـذّبـوك فـقـل لي عـمـلي ولكـم عـمـلكـم أنـتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريء مما تعملون) [3] والسّلام» [4] .

ومـن ظـاهـر هذه الرواية لايمكن القطع بأنّ الامام كتب الجواب ليزيد أو أرسله إليه وإن كان المـخـاطـَب فـيـهـا هـو يـزيـد، إذ قـد يـكـون الامـام (ع) بـعـث بـالجـواب إلي أهـل المـديـنـة الذين وجّهوا بالكتاب وبالابيات إليه، ثم هم بعد ذلك يوصلونه أو ينقلون محتوي الجواب إلي يزيد.

ولم تـذكـر هـذه الروايـة مـن هـم أهـل المـديـنـة مـن قـريـش وبـنـي هـاشـم الذيـن أرسل إليهم يزيد الكتاب، لكن ابن عساكر قال: كتبه يزيد إلي عبداللّه بن العباس، وذكر


الابيات الشعرية بتفاوت [5] .

والمتأمّل في أبيات يزيد وفي جواب الامام (ع) يري سنن اللّه تكرر نفسها في المواجهات بين الربـانـيـيـن والطـواغيت، فهذا يزيد بمنطق الطاغوت في أبياته يهدّد الامام (ع) بالاضطهاد والقتل في الدنيا! وذلك قصاري ما يستطيعه الطغاة. أمّا الامام (ع) فبمنطق الرَّبانيّين فيصرّح بـانـفـصـام الاصـرة بـيـن عـمـل المـهـتـدين وعمل الضالين وبالبرأة بينهم، تصريحاً يستبطن التهديد بالجزأ الاخروي وبعذاب اللّه الذي لافتور فيه ولا انقطاع.

وفـي مـتـن الجـواب ازدرأ كامل بيزيد إذ لم يذكر الامام (ع) اسمه ولم يلقّبه بلقب، ولم يسلّم عـليـه، مـمـا يـُفـهـم مـنـه أنّ يـزيـد لعـنـه اللّه مـصـداق تـام للمـكـذّب بـالديـن وبالرسل والاوصيأ(ع).


پاورقي

[1] هـکـذا فـي الاصـل، والصـحـيـح هـو: (فـي سـيـرهـا)، لان العـذافـر الجمل الشديد الصلب، والعذافرة هي الانثي (الناقة).. (راجع لسان العرب: مادة عذفر).

[2] الفتوح 5: 76.

[3] سورة يونس: 41.

[4] الفتوح 5: 76.

[5] انظر: تأريخ ابن عساکر 14: 210.