بازگشت

معني محتوي الرسالة


قـال المـجـلسـي (ره) في تعليقة له علي هذه الرسالة: «لم يبلغ الفتح أي لم يبلغ ما يتمنّاه من فـتـوح الدنـيـا والتـمـتـّع بـهـا، وظـاهـر هـذا الجـواب ذمـّه، ويحتمل أن يكون المعني أنه (ع) خيّرهم في ذلك فلا إثمَ علي من تخلّف». [1] .

فـالمـجـلسـي (ره) فـسـّر الفـتـح بـالمـكـاسـب والفـتـوح الدنـيـويـة والتـمـتـّع بـهـا، كـمـا احـتـمل أن يكون المعني أنّ الامام (ع) خيّر بني هاشم في مسألة الالتحاق به فلا إثم علي من تخلّف عنه ولم يلتحق به!!

لكنّ القرشيّ فسّره بفتح من نوع آخر لم يكن ولا يكون لغير الامام أبي عبداللّه الحسين (ع) مدي العـصـور وإلي قـيـام السـاعـة، فـقال: «لقد أخبر الاسرة النبوية بأنّ من لحقه منهم سوف يظفر بالشهادة، ومن لم يلحق به فإنه لاينال الفتح، فأي فتح هذا الذي عناه الامام؟

إنـّه الفـتـح الذي لم يـحـرزه غـيـره مـن قـادة العـالم وأبـطـال التـأريـخ، فـقـد انـتـصـرت مـبـادئه وانتصرت قيمه، وتألّقت الدنيا بتضحيته، وأصـبـح إسـمـه رمـزاً للحـق والعـدل، وأصـبحت شخصيته العظيمة ليست ملكاً لامّة دون أمّة ولا لطـائفـة دون أخري، وإنّما هي ملك للانسانية الفذّة في كلّ زمان ومكان، فأي فتح أعظم من هذا الفتح، وأي نصرٍ أسمي من هذا النصر؟» [2] .

وقد يفسّر هذا الفتح بتفسير آخر، وهو أنّ المراد بهذا الفتح هو التحولات


والتغيرات الحاسمة لصـالح الاسلام الناشئة عن شهادته (ع) في عصره وفي العصور المتعاقبة إلي قيام الطالب بـدمـه الامـام المـهـدي (ع) الذي يـمـثـل قـيـامـه الفـصـل الاخير من نهضة جدّه الحسين (ع)، والذي يمثّل ظهوره علي كلّ الارض ظهور الدين المحمديّ علي الدين كلّه وذلك هو الثمرة الاخيرة لنهضة عاشورأ [3] .

ولعلّ المرحوم السيّد المقرّم ذهب إلي بعض أبعاد هذا المعني بقوله: «كان الحسين (ع) يعتقد في نـهـضـتـه أنـه فـاتـح مـنـصـور لمـا فـي شـهـادتـه مـن إحـيـأ ديـن رسـول اللّه، وإماتة البدعة، وتفظيع أعمال المناوئين، وتفهيم الامّة أنهم أحقّ بالخلافة من غـيـرهـم، وإليـه يـشـير في كتابه الي بني هاشم: من لحق بنا منكم استشهد، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح.

فـإنـه لم يـرد بـالفـتـح إلاّ مـا يـتـرتـّب عـلي نـهـضـتـه وتـضـحـيـتـه مـن نـقـض دعـائم الضـلال وكـسـح أشـواك البـاطـل عـن صـراط الشـريـعـة المـطـهـّرة، وإقـامـة أركـان العدل والتوحيد، وأنّ الواجب علي الامّة القيام في وجه المنكر.

وهـذا مـعـنـي كـلمـة الامـام زيـن العـابـديـن (ع) لابـراهـيـم بـن طـلحـة بـن عـبـيـداللّه لمـّا قال له حين رجوعه إلي المدينة: من الغالب!؟ فقال السجّاد(ع):

إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب! [4] .

فـإنـه يـشـيـر إلي تـحـقـق الغـايـة التـي ضـحـّي سـيـد الشـهـدأ نـفـسـه القـدسـيـة لاجـلهـا، وفـشـل يـزيـد بـمـا سـعـي له مـن إطـفـأ نـور اللّه، ومـا أراده أبـوه مـن نـقـض مـسـاعـي الرسول (ص)، وإماتة الشهادة له بالرسالة بعد أن كان الواجب علي الامّة في


الاوقات الخمس الاعلان بالشهادة لنبيّ الاسلام...» [5] .

وقد راجعنا موارد كلمة الفتح في القرآن الكريم فوجدناها إثني عشر هي:

1ـ (فإن كان لكم فتح من اللّه قالوا ألم نكن معكم...). [6] .

2ـ (فعسي اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده...). [7] .

3ـ (إن تستفتحوا فقد جأكم الفتح). [8] .

4ـ (ويقولون متي هذا الفتح إن كنتم صادقين). [9] .

5ـ (قل يوم الفتح لاينفع الذين كفروا إيمانهم). [10] .

6ـ (إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً). [11] .

7ـ (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً). [12] .

8ـ (فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً). [13] .


9ـ (فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين). [14] .

10ـ (لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل...). [15] .

11ـ (وأخري تحبّونها نصر من اللّه وفتح قريب). [16] .

12ـ (إذا جأ نصر اللّه والفتح). [17] .

ومـعني الفتح في هذه الموارد: إمّا فتح مكّة، أو فتح بلاد المشركين، أو فتح اللّه لمحمّد(ص) عـلي جـمـيـع خـلقـه، أو بـمعني نصر محمّد(ص)، أو النصر بمحمد(ص)، أو بمعني القضأ والحـكـم، أو القـضـأ بـعـذاب المـشركين في الدنيا، أو الحكم بالثواب والعقاب يوم القيامة [18] .

وورد فـي تـفـسير القمي في (وأخري تحبّونها نصر من اللّه وفتح قريب): يعني في الدنيا بفتح القائم، وأيضاً قال: فتح مكّة [19] .

وورد فـي كـتـاب تـأويـل الايـات عـن الامـام الصـادق (ع) فـي قـوله تـعـالي: (قـل يـوم الفـتـح لايـنـفـع الذيـن كـفـروا إيـمـانـهـم ولاهـم يـُنـظـرون) [20] أنـه قال:

«يـوم الفـتـح يـوم تـفـتـح الدنـيـا عـلي القـائم، لا يـنـفـع أحـداً تـقـرّب بـالايـمـان مـالم يكن قبل ذلك مؤمناً وبهذا الفتح موقناً، فذلك الذي ينفعه إيمانه، ويعظم عند اللّه


قدره وشأنه، وتزخرف له يوم البعث جنانه، وتحجب عنه نيرانه، وهذا أجر الموالين لامير المؤمنين وذرّيته الطيبين صلوات اللّه عليهم أجمعين» [21] .

والمـتـأمـل يـجـد أنّ الفـتـح فـي رسـالة الامـام الحـسـين (ع) بأيّ معنيً كان من معانيه القرآنية لاينسجم مع ماذهب إليه العلامة المجلسي (ره) في أنّ المراد به في هذه الرسالة هو ما يُتمنّي من فتوح الدنيا والتمتّع بها!.


پاورقي

[1] بحار الانوار 42: 81 ـ مثله القمي في سفينة البحار 7:429.

[2] حياة الامام الحسين (ع) 3: 45.

[3] راجع: الجزء الاول من هذه الدراسة: مقالة (بين يدي الشهيد الفاتح).

[4] انظر: أمالي الشيخ الطوسي: 677، ح 1432، وبحار الانوار 45: 177.

[5] مقتل الحسين (ع)/ للمقرّم: 66.

[6] سورة النسأ، الاية 141.

[7] سورة المائدة، الاية 52.

[8] سورة الانفال، الاية 19.

[9] سورة السجدة، الاية 28.

[10] سورة السجدة، الاية 29.

[11] سورة الفتح، الاية 1.

[12] سورة الفتح، الاية 18.

[13] سورة الفتح، الاية 27.

[14] سورة الشعرأ، الاية 118.

[15] سورة الحديد، الاية 10.

[16] سورة الصف، الاية 13.

[17] سورة النصر، الاية 1.

[18] انظر مجمع البيان 3: 207 و 4: 531، و8: 332، و9: 233، و10: 554.

[19] تـفسير القمي، 2:366؛ تفسير الصافي، 5:171؛ نور الثقلين، 5:318؛ البحار، 51:49.

[20] سورة السجدة، الاية 29.

[21] نفس المصدر 5: 345 رقم 1782.