بازگشت

قول السيد المقرم


«فـإنّ المـتامّل في صك الولاية الذي كتبه سيد الشهدأ لمسلم بن عـقيل لايفوته الاذعان بما يحمله من الثبات والطمأنينية ورباطة الجأش، وأنه لايهاب الموت، وهـل يـعـدو بـآل أبـي طـالب إلاّ القـتل الذي لهم عادة وكرامتهم من اللّه الشهادة؟ ولو كان مسلم هـيـّابـاً فـي الحروب لما أقدم سيد الشهدأ علي تشريفه بالنيابة الخاصة عن التي يلزمها كلّ ذلك.

فـتـلك الجـمـلة التـي جـأ بـهـا الرواة، وسـجـلهـا ابـن جـريـر للحـطّ مـن مـقـام ابـن عـقـيـل الرفـيـع مـتـفـكـكـة الاطـراف واضـحـة الخـلل، كـيـف وأهل البيت ومن استضأ بأنوار تعاليمهم لايعبأون بالطيرة ولا يقيمون لها وزناً.

وليس العجب من ابن جرير إذا سجّلها ليشوّه بها مقام شهيد الكوفة كما هي عادته في رجالات هذا البـيـت، ولكـنّ العجب كيف خفيت علي بعض أهل النظر والتدقيق حتي سجّلها في كتابه، مع أنه لم يـزل يـلهـج بـالطـعـن فـي أمـثـالهـا ويـحـكـم


بـأنـهـا مـن وضـع آل الزبير ومن حذا حذوهم» [1] .

ويـظـهـر أنّ السـيـّد المـقـرّم يـري صـحـة أصـل الحـادثـة ومـوت الدليـليـن وأنّ مـسـلم ابـن عـقـيـل (ع) بعث برسالة الي الامام (ع) وأنّ الامام (ع) قد بعث إليه بجواب، ولكن المضمون الذي يـنـسب فيه التطيّر والجبن الي مسلم بن عقيل (ع) هو من الموضوعات المختلقة التي لا صحة لها [2] .

غير أنّ الشيخ باقر شريف القرشي ينكر أصل الرسالة والجواب ويراهما من الموضوعات حيث يقول:

1ـ «إنّ مـضـيـق الخـبـت الذي بعث منه مسلم رسالته إلي الامام يقع مابين مكّة والمدينة حسب مانصّ عـليه الحموي (معجم البلدان 2: 343) في حين أنّ الرواية تنصّ علي أنّه استأجر الدليلين من يـثـرب، وخـرجـوا إلي العراق فضلّوا عن الطريق وماتا الدليلان، ومن الطبيعي أنّ هذه الحادثة وقعت مابين المدينة والعراق، ولم تقع مابين مكّة والمدينة.

2ـ إنـّه لو كـان هـنـاك مكان يُدعي بهذا الاسم يقع مابين يثرب والعراق لم يذكره الحموي فإنّ السـفـر مـنه الي مكّة ذهاباً وإياباً يستوعب زماناً يزيد علي عشرة أيّام، في حين أنّ سفر مسلم من مـكـّة الي العراق قد حدّده المؤرّخون فقالوا: إنّه سافر من مكّة في اليوم الخامس عشر من رمضان، وقدم إلي الكوفة في اليوم الخامس من شوّال، فيكون مجموع سفره عشرين يوماً، وهي أسرع مدّة يـقـطـعها المسافر


من مكّة الي المدينة (ثم الي الكوفة)... [3] وإذا استثنينا من هذه المدّة سفر رسول مسلم من ذلك المكان ورجوعه إليه، فإنّ مدّة سفره من مكّة إلي الكوفة تكون أقلّ من عشرة أيّام، ويستحيل عادة قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن.

3ـ إنّ الامـام اتـهـم مـسـلمـاً ــفـي رسـالتـه بـالجبن، وهو يناقض توثيقه له من أنه ثقته وكبير أهل بيته، والمبرّز بالفضل عليهم، ومع اتصافه بهذه الصفات كيف يتّهمه بالجبن!؟

4ـ إنّ اتـهـام مـسـلم بـالجـبـن يـتـنـاقـض مـع سـيـرتـه، فـقـد أبـدي هـذا البـطـل العـظـيـم مـن البـسـالة والشـجـاعـة النـادرة مـا يـبـهـر العـقـول، فإنّه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحده من دون أن يعينه أو يقف إلي جـنـبـه أيّ أحـد، وقـد أشـاع فـي تـلك الجـيـوش المـكـثـفـة القتل مما ملا قلوبهم ذعراً وخوفاً، ولمّا جيء به أسيراً الي ابن زياد لم يظهر عليه أيّ ذلٍ أو انـكـسـار، ويـقـول فـيـه البـلاذري: إنـه أشـجـع بـنـي عـقـيـل وأرجـلهـم (أنساب الاشراف 2: 836)، بل هو أشجع هاشمي عرفه التأريخ بعد أئمّة أهل البيت (ع).

إنّ هـذا الحـديـث من المفتريات الذي وضع للحطّ من قيمة هذا القائد العظيم الذي هو من مفاخر الامّة العربية والاسلامية» [4] .

ولذا فـنـحـن نـرجّح رأي القرشي علي رأي المقرّم في هذه المسألة، ونذهب للذي ذهب إليه في أنّ أصل الرسالة والجواب لا صحة لهما، والشك قويّ في أنّ الحادثة أيضاً لا صحة لها.



پاورقي

[1] مسلم بن عقيل: 138.

[2] راجع نفس المصدر: 111 ـ 113.

[3] مابين القوسين ليس من الاصل، ولکنّ الصحيح هو هکذا.

[4] حياة الامام الحسين (ع) 2: 343 ـ 344.