بازگشت

الاصرار علي الطريق الاعظم


وتقول الرواية التأريخيّة وهي تصف الجادة التي سلكها الركب الحسينيّ بقيادة الامام الحسين (ع) عند خروجه من المدينة إلي مكّة المكرّمة:

(فـسـار الحـسـيـن (ع) إلي مـكـّة وهـو يـقـراء: (فـخـرج مـنـهـا خـائفـا يـتـرقـّب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين)، ولزم الطريق الاعظم.

فـقـال له أهـل بـيـتـه: لو تـنـكـّبـت الطـريـق الاعـظـم كـمـا فعل ابن الزبير كي لايلحقك الطلب.

فقال: (واللّه، لاأفارقه حتّي يقضي اللّه ما هو قاض!) [1] .

وفي رواية الفتوح:

(فـقـال له ابـن عـمـّه مـسـلم بـن عـقـيـل بـن أبـي طـالب: يـا ابـن بـنـت رسـول اللّه (ص)، لو


عـدلنـا عـن الطـريـق وسـلكـنـا غـيـر الجـادّة كـمـا فعل عبداللّه بن الزبير كان عندي الرأي، فإنّا نخاف أن يلحقنا الطلب!

فقال له الحسين (ع): (لاواللّه يا ابن عمّي، لافارقت هذا الطريق أبدا أو أنظر إلي أبيات مكّة، أو يقضي اللّه في ذلك ما يحبّ ويرضي).

ثـمّ جـعـل الحـسـيـن يـتـمـثـّل بـشـعـر يـزيـد بـن مـفـرغ الحـمـيـري وهـو يقول:



لاسهرت السوام في فلق الصبـ

ـح مضيئا ولادُعيتُ يزيدا



يوم أُعطي من المخافة ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا [2] .



وهنا قد يتسأل المتأمّل عن سبب إصرار الامام (ع) عن سلوك الطريق الاعظم إصرار من يرضي بمواجهة كلّ خطر محتسب وغير محتسب ولايرضي بالتخلّي عن سلوك هذا الطريق الرئيس!؟

هل هي الشجاعة الحسينيّة من وراء كلّ هذا الاصرار؟

أم أنّ الامـام (ع) أراد مـن وراء ذلك أمـرا إعـلامـيـّا وتـبـليـغـيـّا للتـعـريـف بـقيامه ونهضته من خـلال التـقـاء الركـب الحـسـيـنـيّ القـاصـد إلي مـكـّة بـكـلّ المـارّة والقـوافـل عـلي الطـريق الاعظم، لانّهم سيتساءلون عن سبب خروج الامام (ع) من مدينة جدّه (ص) مع جلّ بني هاشم ومَن معهم مِن أنصاره، ويتعرّفون من الامام (ع) مباشرة علي أهدافه التي نهض مـن أجـلها، فينضمُّ إليه من يوفّقه اللّه تعالي إلي نصرته، وينتشر أمر هذا القيام المقدّس بـيـن النـاس فـي مـنـاطق عديدة، فيتحقّق بذلك عملٌ إعلامي وتبليغي ضروري لتوسيع رقعة هذا القيام المبارك وكسب الانصار له؟


لاشك أنّ تعليل إصراره (ع) علي لزوم الطريق الاعظم بالشجاعة الحسينيّة تعليلٌ صحيحٌ في نـفـسـه، وكـذلك تـعـليله بالهدف الاعلامي والتبليغي للتعريف بقيام الامام (ع) ونهضته، ولامنافاة بين هذين التعليلين.

ولعـل التـعليل الاهمّ الذي يمكن أن يُضاف إليهما، هو أنّ الامام الحسين (ع) في إصراره علي لزوم الطـريـق الاعـظـم أراد أن يـُعـلن للامـّة أنـّه ليـس من العصاة البغاة الخارجين علي حكومة شرعيّة كانوا قد اعترفوا بها ثمّ تمرّدوا عليها، أولئك الذين يلوذون بالطرق الفرعيّة خوفا من رصد الحكّام وفرارا من قبضتهم.

أراد (ع) أن يُعلن للامّة أنّه هو ممثّل الشرعيّة لاالحكم الامويّ، وأنّه هو صاحب الحقّ بالطريق الاعـظـم، وبـالخـلافـة، وبـكـلّ شـؤون الامـّة، وأنـّه هـو الاصل الشرعي، وأنّ يزيد هو الشذوذ والخلاف والانحراف والمتمرّد علي الشرعيّة.

وهـذا البـعـد بـعـدٌ تـبـليـغـي وإعـلامـي ثـابـت فـي حـركـة الامام الحسين (ع)، وهو مفسّرٌ عامُّ لجميع تـفـاصـيـل حـركـة نـهـضـتـه المـقـدّسـة مـنـذ حـيـن قـال لوالي المـديـنـة: (أيـّهـا الامـيـر، إنـّا أهـل بـيـت النـبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، وبنا فتح اللّه وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، مثلي لايبايع لمثله، ولكن نـصـبـح وتـصـبـحون، وننتظر وتنتظرون أيّنا أحقّ بالخلافة.) [3] إلي ساعة استشهاده (ع) في كربلاء.



پاورقي

[1] الارشاد: 223.

[2] الفتوح، 5: 22.

[3] الفتوح، 5: 14.