بازگشت

مع العامل الاهم من عوامل الثورة الحسينية


في لقائه (ع) مع أخيه عمر الاطرف الذي قال للامام (ع) (فلولاناولتَ وبايعتَ!) جدّد الامام (ع) رفـضـه القـاطـع لمـبـايعة يزيد قائلا: (لاأُعطي الدنيّة من


نفسي أبدا)، وأكّد (ع) لاخيه مـحـمـد بـن الحـنـفـيـة (ر) أيـضـاً عـلي هـذه القـاطـعـيـة فـي رفـض البـيـعـة حـيـث قـال: (يـا أخـي، واللّه لو لم يـكـن في الدنيا ملجاء ولامأوي لمابايعتُ واللّه يزيد بن معاوية أبدا...).

وهـذا الرفـض القـاطـع لبـيـعـة يـزيـد ـ وهـو العـامـل الاوّل مـن العـوامـل المـؤثّرة في النهضة الحسينيّة ـ لو كان منبعثا من سبب شخصي لكان الامام (ع) قد سكت عن الحكم الامويّ في حال سكوت هذا الحكم عن مطالبة الامام (ع) بالبيعة، ولكانت مشكلة هذا الحكم مع الامام (ع) قد انتهت عند هذه الحدّ!!.

لكـنّ عـامـل رفـض البـيـعـة عـنـد الامـام (ع) كـان مـنـبـعـثـا مـن سـبـب مـبـدئي تـمـثـل فـي الخـطـر المـاحـق الذي يـهـدّد الاسـلام فـي حـال سـكـوت الامـام (ع) عـن حـاكـم مـثـل يـزيـد بـن مـعـاويـة: (وعـلي الاسـلام السـلام إذ بـُليـت الامـّة بـراعـٍ مـثـل يـزيـد)، وهـذا السـبـب نـفـسـه هـو الذي جـعـل الامام (ع) وجها لوجه أمام مسؤوليّة التحرّك والنهوض لطلب الاصلاح في أمّة جدّه (ص) والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهـذا السـبـب المـبـدئي المـشـتـرك هـو الذي مـزج فـي الحـقـيـقـة بـيـن عامل رفض البيعة وعامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما التفكيك بينهما في الحديث عنهما إلاّ تفكيك إعتباري.

ونـتـيجة لهذا الامتزاج في الحقيقة، كان عامل رفض البيعة قد استمدَّ أهميّته الكبيرة الناشئة عن الاهمّية العليا التي يختصّ بها عامل الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلاّ لكان من المحتمل أن ينتهي الامر بسكوت الامام (ع) ـحاشاه عن يزيد بسكوت يزيد عن مطالبته بالبيعة!!

فـعـامـل الامـر بـالمـعـروف والنـهـي عـن المـنـكـر إذن هـوالعـامـل الاهـمّ فـي مـجـمـوعـة العوامل المؤثّرة في النهضة الحسينيّة المقدّسة.


وفـي الوصيّة التي أوصي بها الامام الحسين (ع) إلي أخيه محمّد بن الحنفيّة (ر) نجدُ الامام (ع) يـحـصـر العـلّة فـي خـروجـه بـهـذا العـامـل وحـده، إنـّه (ع) لايـعلّل الخروج في هذه الوصيّة بعامل رفض البيعة ولايتحدّث عنه فيها، كما لايعلّله بعاملٍ آخر مـن العـوامـل الاخـري المـؤثـّرة فـي نـهـضـتـه المـقـدّسـة كعامل رسائل أهل الكوفة مثلا، إنّه (ع) في هذه الوصيّة يتحدّث فقط عن طلب الاصلاح وضرورة تـغـيـيـر الاوضـاع الفـاسـدة مـن خـلال الامـر بـالمـعـروف والنـهـي عـن المـنـكـر، وهـذا دليـل واضـح وقـاطـع عـلي الاهـمـّية العليا لعامل الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكـأنّ هـذه الوصـيـّة تـتـحـدّث عـن ظـهـور التـأثـيـر المـسـتـقـلّ لهـذا العامل الاهمّ.

في إطار عامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدُ الامام (ع) هوالذي يقرّر المواجهة مع الحكم الامويّ ابتداءً، لاأنّ دعوة أهل الكوفة هي التي دفعته إلي المواجهة، ولامطالبة الحكم الامويّ إيـّاه بـالبـيـعـة ورفـضـه (ع) لهـذه البـيـعـة هـوالذي دفـعـه إلي المـواجـهـة، بل لانّ تحوّل الحرام إلي حلال والحلال إلي حرام وتفشّي الفساد في حياة الامّة هو الذي وضع الامام (ع) أمام ضرورة المواجهة ووجوب القيام والنهضة.

ولايـعـنـي هـذا أنّ الامـام (ع) كان قد ترك أو تهاون في واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الاصلاح في الامّة في زمن معاوية، بل قد كان (ع) ينهض في زمن معاوية بأعباء هذا الواجب المـقـدّس بأشكال مختلفة ومناسبات متوالية، لكنّ أداء هذا الواجب في إطار النظر إلي الاثار وحساب النتائج المترتّبة علي ذلك آنئذٍ (عدم احتمال حصول النتائج المرجوّة) كان يقف دون حدّ الخروج علي معاوية مادام حيّا.

وإذا كـانـت العوامل المؤثّرة في أيّة نهضة هي التي تمنحها القيمة والاهمّية


الجديرة بها، فإنّ عـامل الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر قد منح الثورة الحسينيّة قيمة أعلي بكثير ممّا مـنـحـتـهـا العـوامـل الاخـري المـؤثـّرة فـيـهـا، كـعـامـل رفـض ‍ البـيـعـة، وعـامـل رسـائل أهـل الكـوفـة مـثـلا، فـلقـد تـمـكـّنـت هـذه الثـورة المـقـدّسـة اسـتـنـادا إلي عامل طلب الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تكون جديرة بالخلود والحياة، وأن تكون الثورة الاسوة.

وكـمـا أنّ عامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قد رفع من قيمة وأهمّية الثورة الحسينيّة، فإنّ هـذه الثـورة المـقـدّسـة بـالمـقـابـل قـد رفـعـت مـن قـيـمـة وأهـمـّيـة مـبـداء وأصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إثباتا لاثبوتا.

وتوضيح ذلك: هوأنّ لمبداء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمة محدّدة وأهميّة معيّنة ثبوتا، أي فـي واقـع الامـر، أو فـي نـفـس الامـر، أو فـي مـتـن الاسـلام، هـذه القـيمة حدّدها اللّه تبارك وتـعـالي فـي مـتـن التـشـريـع الاسـلامـي، ويـعـلمـهـا كـمـا هـي فـي الواقـع اللّه تبارك وتعالي والراسخون في العلم محمّد وأهل بيته المعصومون صلوات اللّه عليهم أجمعين.

وهذا الامر ينطبق علي كلّ الاصول والمبادي الاسلاميّة، فلكلٍّ منها حدُّ معيّن ومقام معلوم وأهمّية محدّدة في متن الاسلام في مقام الثبوت أي في الواقع أو في مقام الشئ بذاته.

وهـذا غـيـر مـقـام الاثـبـات، أي مقام الشيء بالنسبة إلينا، حيث يمكن في هذا المقام أن نُخطي في النظر والتأمّل والاستنتاج، فنقيّم الشي تقييما نبخسه فيه حقّه من القيمة والاهمية، أو نمنحه فوق ما يستحقّ منها.

إذن فـمـقام الاثبات يختلف عن مقام الثبوت، إذ إنّ هناك فرقا بين ما هو منظور بالنسبة إلينا وبين ما هو واقع الشيء بنفسه.


وفـي مـقام الاثبات يلاحظ المتأمّل أنّ علماء الاسلام مع إقرارهم بأنّ الامر بالمعروف والنهي عـن المـنـكـر مـن أسـمـي الواجـبـات الديـنـيـّة وأعـظـمـهـا، لكـنّ قيمة هذا المبداء ودرجة أهمية هذا الاصـل الاسـلامـي والاولويـّة المـمـنـوحـة له قـضـيـّة تـفـاوتت فيها نظراتهم في تفصيلات الاحكام المـسـتـنـبـطـة فـي إطـار مـبحث هذا الاصل خصوصا بلحاظ قضيّة الضرر (المتيقّن أو المظنون أو المحتمل احتمالايُعتدُّ به) المترتّب علي القيام بهذا الواجب.

فـتـتـصـاعـد القـيـمـة والاهـمـيـة والاولويـّة التـي يـتـمـتـّع بـهـا هـذا الاصـل الاسـلامـي فـي عالم الاستنباط: من النظرة الاجتهاديّة التي تري أنّ من شرائط القيام بهذا الواجـب: (أن لايـلزم مـن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضررٌ في النفس أو في العرض أو في المال، علي الامر أو علي غيره من المسلمين، فإذا لزم الضرر عليه أو علي غيره لم يجب شي...)، [1] ثمّ لم تتحدّث عن أكثر من ذلك!.

إلي النـظرة الاخري التي تضيف إلي ما سبق فتقول: (...هذا فيما إذا لم يحرز تأثير الامر أو النـهـي، وأمـّا إذا أُحرز ذلك فلابدّ من رعاية الاهمية، فقد يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتّب الضرر أيضا، فضلاعن الظنّ به أو احتماله). [2] .

إلي النـظـرة الاخـري التـي تـعـتـمـد فـي شـرائط هـذا الواجـب شـرط عـدم حصول المفسدة، وتري في جملة ما تري في إطار هذا المبحث:

(: لو وقعت بدعة في الاسلام، وكان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب أعلي اللّه كلمتهم موجبا لهتك الاسلام وضعف عقائد المسلمين يجب عليهم


الانكار بأيّة وسيلة ممكنة، سواء كان الانكار مؤثـّرا فـي قـلع الفـساد أم لا، وكذا لو كان سكوتهم عن إنكار المنكرات موجبا لذلك، ولايلاحظ الضرر والحرج بل تلاحظ الاهمية.

: لوكان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب أعلي اللّه كلمتهم خوف أن يصير المنكر معروفا أو المـعـروف مـنكرا يجب عليهم إظهار علمهم، ولايجوز السكوت ولو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل، ولايُلاحظ الضرر والحرج مع كون الحكم ممّا يهتمّ به الشارع الاقدس جدّا.

: لوكـان فـي سـكـوت عـلماء الدين ورؤساء المذهب أعلي اللّه كلمتهم تقوية للظالم وتأييد له والعـيـاذ بـاللّه يـحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الاظهار ولو لم يكن مؤثّرا في رفع ظلمه). [3] .

هذه النماذج التي أوردناها ـ علي سبيل المثال لاالحصر ـ شاهدٌ علي تفاوت النظر الاجتهادي في إطار مبحث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفـي صدد ما نحن فيه: فليس قصدنا أنّ ثورة الامام الحسين (ع) قد غيّرت أو رفعت من القيمة والاهـمـيـة الواقـعـيـّة المـوضـوعـة فـي متن الاسلام لاصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أهميته في مقام الثبوت.

يقول الشهيد آية اللّه الشيخ مرتضي مطهري في هذه النقطة:

(مـا أقصده هو أنّ النهضة الحسينيّة إنّما رفعت من إمكانيّات الاستنباط والاجتهاد لعلماء الاسلام والمسلمين، بشكلٍ عامٍّ، في دائرة أصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.


وعليه، فإنّني عندما أقول بأنّ الحسين بن علي (ع) قد رفع من قيمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ قصدي هوالقول بأنّه (ع) قد رفع هذه القيمة في عالم الاسلام، وليس في الاسلام.

ذلك أنّ الحـسـيـن بـن عـلي (ع) قـد بـيـّن للعـالم أجمع أنّ مسألة الامر بالمعروف والنهي عن المـنـكـر قـد تـصـل إلي درجـة يـتطلّب فيها من الانسان أن يضحّي بنفسه وماله وكلّ ما يملك في سـبـيـل هـذا الاصـل، ويـتـحـمـّل فـي سـبـيـل ذلك كـلّ أنـواع اللوم والانـتـقـاد، كـمـا فعل الحسين نفسه.

فـهـل هـنـاك أحـد فـي الدنـيـا منح قيمةً لاصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقدار ما أعطاه الحسين بن علي (ع)!؟

إنّ مـعني النهضة الحسينيّة يفيد بأنّ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالغ القيمة إلي الحدّ الذي يمكن فيه للمرء أن يضحّي في سبيله بكلّ شي). [4] .


پاورقي

[1] منهاج الصالحين (آية اللّه العظمي السيّد المحسن الحکيم)، 1: 489.

[2] منهاج الصالحين (آية اللّه العظمي السيّد أبوالقاسم الخوئي)، 1: 352.

[3] تـحـريـر الوسـيـلة (آيـة اللّه العـظـمـي الامـام الخـمـيـنـي)، 1: 473، المسائل: 7 و 8 و 9.

[4] الملحمة الحسينيّة، 2: 106 و107 و115.