بازگشت

الامام في المدينة يتحدث عن مصرعه في العراق


مـلفـتٌ للانـتـباه أنّ الامام الحسين (ع) مع قصده المرحلي في الخروج من المدينة إلي مكّة المكرّمة كـان قـد أعـلن لاهـل بـيـتـه وشـيـعـته عن قصده النهائي في الخروج إلي أرض العراق وهو في المـديـنـة لمـّا يـخـرج عـنـهـا بـعـدُ، فـهـا هـي أمّ سـلمـة رضـي اللّه عـنـهـا تـقـول له: (يـا بـنـيّ لاتـحـزنـّي بـخـروجـك إلي العـراق، فـإنـّي سـمـعـتُ جـدّك يـقـول: يـُقـتـل ولدي الحـسـيـن بـأرض العـراق فـي أرض يـُقـال لهـا كـربـلاء) فـيـقـول (ع): (يـا أمـّاه وأنـا، واللّه أعـلم ذلك، وإنـّي مـقـتـول لامـحـالة...)، ويـقـول (ع) لاخـيـه عـمـر الاطـرف: (حـدّثـنـي أبـي أن رسـول اللّه (ص) أخـبره بقتله وقتلي، وأنّ تربتي تكون بقرب تربته...)، وهناك نصوص أخري تؤكّد هذه الحقيقة.

ويستفاد من هذه الحقيقة علي صعيد التحليل التأريخي ـ إضافة إلي البعد الاعتقادي الحاكي عن أنّ الامـام الحـسين (ع) كان يعلم بكلّ تفاصيل ما يجري عليه بعلمٍ إلهي موهبيّ لكونه إماما ـ أنّ الامـام الحـسـيـن (ع) عـلي ضـوء درايـتـه السـيـاسـيـّة الاجـتـمـاعـيـّة كـان يـري أنّ العـراق أفـضـل أرض يختارها مسرحا للمواجهة


وللمعركة الفاصلة بينه وبين السلطة الامويّة، وأنّ العراق أفضل بقعة يختارها للمصرع المحتوم (وإنّي مقتولٌ لامحالة)، وذلك لما في العراق من كـمٍّ شـيـعـيٍّّ كـبير، أَو قُل كمّ كبير محبّ لاهل البيت (ع)، برغم ما في هذا الكمّ الكبير من مرض الازدواجـيـّة فـي الشـخـصـيـّة (قـلوبـهم معك وسيوفهم عليك)، ولانّ العراق لم ينغلق لصالح الامـويـّيـن كـمـا انـغـلقـت الشـام تـمـامـا، الامـر الذي يـجـعـل أرض العـراق أفضل البقاع للتأثّر بإشعاعات الثورة الحسينيّة وفاجعة الطفّ.

ويـؤكـّد التـأريـخ فـي نـصـوص كـثـيـرة أنّ الشـيـعـة فـي العـراق كـانـوا عـلي اتـّصـال دائم بـالامـام الحـسـين (ع) في زمن معاوية منذ عهد الامام الحسن (ع)، وكانوا يسألونه القـيـام والخـروج عـلي الحـكـم الامـويّ، ويـبـدون استعدادهم للنصرة والتضحية، غير أنّ الامام الحسين (ع) كان يأمرهم بالصبر والاحتراس والترقّب مادام معاوية حيّا.

من هنا يستفاد أنّ نيّة التوجّه إلي العراق كانت منعقدة عند الامام (ع) منذ البدء علي ضوء درايته السـيـاسـيـّة الاجـتـمـاعـيـّة وعـلي ضـوء صـلتـه وارتـبـاطـه بأهل العراق.

أي أنّ نـيـّة التـوجـّه إلي العـراق لم تـنـعـقـد عـنـد الامـام (ع) بـسـبـب رسـائل أهـل الكـوفـة بـعـد مـوت مـعـاويـة، بـل كـانـت هـذه النـيـّة وهـذا العـزم عـنـد الامـام (ع) قـبـل هـذه الرسـائل، عـلي أسـاس مـنـطـق الشـهـيـد البـاحـث عـن أفـضـل أرض مـخـتـارة لمـصـرعـه المـحـتـوم، ومـا شـكـّلت رسائل أهل الكوفة إلاّ حجّة ظاهرة لتأكيد هذه النيّة وذلك التصميم.