بازگشت

موت معاوية بن أبي سفيان


حـكـم مـعـاوية حوالي اثنين وأربعين سنة من عمره البالغ أكثر من سبعين سنة، منذ أن عيّنه عمر بن الخطّاب في السنة الثامنة عشرة من الهجرة واليا علي دمشق خلفا لاخيه يزيد بن أبي سفيان الذي توفّي فيمن توفّي في طاعون عمواس، إلي أن توفي معاوية في سنة ستّين للهجرة.

مـنـها سبع عشرة سنة تقريبا واليا في عهد كلّ من عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان، وخمس سنوات تقريبا متمردا باغيا في عهد أميرالمؤمنين عليٍّّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ تسع عشرة سنة وبـضـعـة أشـهـر مـلكـا عـلي جـمـيـع البـلاد الاسـلامـيـّة، وهوالقائل:

(أنا أوّل الملوك) [1] و (رضينابها ملكا) [2] .

ولو أغـمضنا عن أهمّية وخطورة الدور الرئيس الذي قامت به قيادة حزب السلطة في تأسيس الانحراف لرأينا معاوية بن أبي سفيان أهمّ الرجال خطرا وأثرا علي الاسلام وعلي حياة المسلمين، وفيما مضي من هذا الكتاب أدلّة عديدة كافية


لاثبات هذه الحقيقة.

ومعاوية بن أبي سفيان ليس بدعا من الطواغيت الذين تحكّموا في حياة الامم ومصائرها، وأُشربوا حـبّ الدنـيا في قلوبهم، وانقادوا لشهواتهم في كلّ لذائذها انقياد منهوم لايروي ولايشبع، إذا دنا منهم الاجل وأحسّوا بمرارة الفوت ولوعة الفراق وانتهاء المهلة، وأشرفوا علي العذاب المقيم، تـمـنـّوا أن لم يـكـونـوا قـد فـعـلوا مـا فعلوا، (ولورُدّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون). [3] .

قال المسعودي:

(وذكـر مـحـمـّد بـن إسـحـاق وغـيـره مـن نـقـلة الاثـار: أنّ مـعـاويـة دخـل الحـمـّام فـي بـدء عـلّتـه التـي كـانـت وفـاتـه فـيـهـا، فـرأي نـحـول جـسـمـه، فـبـكـي لفـنـائه ومـا قـد أشـرف عـليـه مـن الدثـور الواقـع بـالخـليـقـة، وقال متمثّلا:



أري الليالي أسرعت في نقضي

أَخَذْنَ بعضي وتركن بعضي



حَنَيْنَ طولي وحَنَيْنَ عرضي

أقعدنني من بعد طول نهضي



ولمـّا أَزف أمـره، وحـان فـراقـه، واشـتـدّت عـلّتـه، وآيـس مـن بـُرئِهِ، أنـشـاء يقول:



فياليتني لم أُعْنَ في الملك ساعة

ولَمْاءك في اللذات أعشي النواظر



وكنتُ كذِي طِمْرَين عاش ببُلْغَةٍ

من الدهر حتّي زار أهلَ المقابر) [4] .



وعـلي كـثـرة جـرائمـه الموبقة التي لاتحصي، والدماء الزاكية المحرَّمة التي سفكها، والاعراض المصونة التي هتكها، قيل إنّه لمّا تناهبت جسمه العلّة، وشعر بدنوّ أجله، كان أشدّ ما يحزنه من تـلك الجـرائم التـي اقـتـرفـهـا جـريـمـتـه المـنـكـرة فـي


قـتـل حـُجـر بـن عـديٍّّ الكـنـدي (ره) وأصـحـابـه المـيـامـيـن، فـقـد كـان يقول:

(ويلي منك يا حجر) و (إنّ لي مع ابن عديٍّّ ليوما طويلا!) [5] .

وكـان مـعـاويـة أواخـر أيّامه يستشعر ملل الامّة منه وسئمها من وجوده، حتّي لقد روي أنّه قد خطب قـبـل مـرضـه فـقـال: (إنـّي كـزرعٍ مـستحصد وقد طالت إمرتي عليكم حتّي مللتُكم ومللتموني وتـمـنـّيـت فـراقـكـم وتـمـنـّيـتـم فـراقـي...) [6] ، كـمـا كـان مـعـاويـة يـسـتـشـعـر قـبـيـل وفـاتـه أنّ النـاس شـامتون به لقرب رحيله إلي دار الجزاء ولمصيره الاسود عند اللّه تعالي، فقد روي أنّه:

(لمّا ثقل معاوية، وحدّث الناس أنّه الموت، قال لاهله: احشوا عينيٍّّ إثمدا وأوسعوا رأسي دهنا. فـفـعـلوا وبـرّقـوا وجـهـه بـالدهـن، ثـمّ مـُهِّدَ له، فـجـلس وقـال: أسـنـدونـي، ثـمّ قـال: إئذنـوا للنـاس فـليـسـلّمـوا قـيـامـا ولايـجـلس أحـدٌ، فـجـعـل الرجـل يـدخـل فـيـسـلّم قـائمـا فـيـراه مـكـتـحـلامـدهـّنـا، فـيـقـول: يـقـول النـاس هـو لمـا بـه، وهـو أصـحّ النـاس!!، فـلمـّا خـرجـوامـن عـنـده قال معاوية:



وتجلّدي للشامتين أريهم

أنّي لريب الدهر لاأتضعضع



وإذا المنيّة أنشبت أظفارها

ألفيت كلّ تميمة لاتنفعُ



قال: وكان به النفاثات [7] فمات من يومه ذلك.). [8] .


وهـلك مـعـاويـة فـي النـصـف مـن رجـب، وقـيـل: مـات لهـلال رجـب، وقيل:لثمانٍ بقين منه. [9] .


پاورقي

[1] البداية والنهاية، 8:144.

[2] محاسن الوسائل في معرفة الاوائل: 268.

[3] سورة الانعام: الاية 28.

[4] مروج الذهب، 3:58.

[5] الفتنة الکبري،2:224.

[6] الکامل في التأريخ، 4:5.

[7] النـفاثات: لعلّه من الامراض الصدرية التي فيها النفث: وهو خروج القشع أو الدم أو القيح أو غير ذلک.

[8] تاريخ الطبري، 4 :240 ـ 241.

[9] الکامل في التأريخ، 4:6.