بازگشت

الرواية 3


(وقـال عـمـر بـن سـُبـيـنـة: حـجّ يزيد في حياة أبيه، فلمّا بلغ المدينة جلس علي شراب له، فـاسـتـأذن عـليـه ابـن عـبـّاس والحـسـيـن فقيل له: إنّ ابن عبّاس إن وجد ريح الشراب عرفه، فحجبه وأذن للحسين، فلمّا دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب.

فقال: للّه درُّ طيبك ما أطيبه! فما هذا؟

قال: هوطيب يصنع بالشام.


ثمّ دعا بقدح فشربه، ثمّ دعا بآخر، فقال: إسق أباعبداللّه.

فقال له الحسين: عليك شرابك أيّها المرء لاعين عليك منّي!

فقال يزيد:



ألايا صاح للعجب

دعوتك ثمّ لم تجب



إلي الفتيات والشهوا

ت والصهباء والطرب



وباطية مكلّلة

عليها سادة العرب



وفيهنّ التي تبلت

فؤادك ثمّ لم تتب



فنهض الحسين وقال: بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت). [1] .

إنّ عـمـر بـن سـُبـينة أو (عمر بن سبيئة: كما في الكامل في التأريخ: 3: 317) إدارة الطباعة المـنـيـريـّة ـ مـصـر ـ الطـبـعـة الاولي) أو عـمـر بـن سـمـيـنـة عـلي إحـتـمـال ثـالث، ليـس ‍ له تـرجـمـة فـي كـتـب الرجـال المـعـروفـة. أمـّا احـتـمـال كـونـه عـمـر بـن سـفـيـنـة فـقـد قـال فـيـه الذهـبـي فـي مـيـزان الاعـتـدال: (لايـُعـرف... وقـال البـخـاري إسـنـاده مـجـهـول) [2] وعـلي احـتـمـال كـونـه عـمـر بـن شـيـبـة؛ فـقـد قـال فـيـه الذهـبـي أيـضـا فـي مـيـزان الاعتدال: (مجهول). [3] .

أمـّا مـن جـهـة محتواها فهو أيضا يغنينا في تكذيبها عن متابعة نوع سندها، ذلك لانّه علي فرض أنّ يـزيـد قـد ذهـب للحجّ فعلا، فقد ذهب في السنين الاواخر من عمر أبيه معاوية، والاقوي أن أباه دفعه إلي الحجّ بعد أو أثناء محاولاته لاخذ البيعة


له بولاية العهد من بعده، لتشيع عنه مقالة الايمان والصلاح والتقوي خدعة، ودلائل هذه الحقيقة عديدة منها أنّ معاوية لما أراد أن يـأخـذ البـيـعـة ليـزيـد مـن الناس، طلب من زياد أن يأخذ بيعة المسلمين في البصرة، فكان جـواب زياد له: (فما يقول الناس إذا دعوناهم إلي بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبّغ ويدمن الشراب، ويمشي علي الدفوف، وبحضرتهم الحسين بن علي، وعبداللّه بن عبّاس، وعبداللّه بن الزبير، وعبداللّه بن عمر!؟

ولكـن تـأمـره ويـتـخـلّق بـأخـلاق هـؤلاء حـولاأو حـوليـن، فـعـسـانـا أن نـُمـَوِّه عـلي النـاس!!). [4] .

وهـذا دليل علي أنّ خدعة التخلّق بمظاهر التديّن في حياة يزيد إنّما كانت تمهيدا لاخذ البيعة له بولاية العهد، وما كان هذا إلاّ بعد وفاة الامام الحسن (ع)، أي في العقد الاخير من حياة معاوية.

وقـد نـصّ اليـعـقـوبـي فـي تـأريـخـه أنّ يـزيـد وليَ الحـجّ سـنـة إحـدي وخـمـسـيـن للهـجـرة، [5] وكـذلك قـال ابـن الاثـيـر فـي تـأريـخـه، [6] وكـذلك قال الطبري في تأريخه. [7] .

وفـي تـلك الايـّام، كـان فـسـق وفـجـور يـزيـد أظـهـر مـن أن يـخـفـي عـلي أكـثـر النـاس بدليل نفس نصّ جواب زياد لمعاوية! فكيف يخفي ذلك علي الحسين (ع)!؟

في تلك الايّام خاطب الامام الحسين (ع) معاوية بصدد يزيد قائلا:

(وفـهـمـت مـا ذكـرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامّة محمّد، تريد أن توهم الناس في


يزيد كأنّك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ! وقد دلّ يزيد من نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عندالتحارش، والحمام السُّبَّق لاترابهنّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول...). [8] .

وفي تلك الايّام قال (ع) لمعاوية أيضا:

(...هذا هو الافك والزور، يزيد شارب الخمر مشتري اللهو خير منّي...!؟). [9] .

إذا كـان هـذا، فـكـيـف نـصـدّق أنّ الامـام الحـسـيـن (ع) يـسـتـأذن للدّخول علي يزيد في المدينة، وهو علي هذه المعرفة التامّة بفسق يزيد وفجوره!؟

أليـس في دخوله عليه ومجالسته معني التأييد والدعم له!؟ وكيف يوافق هذا معارضة الامام (ع) الشديدة والصريحة لمعاوية في مسألة البيعة ليزيد!؟ إنّ هذا ما لايفعله مؤمن عاديّ يدرك الاثـر السـياسي والاجتماعي لمثل هذا الفعل، فما بالك بالامام الحسين (ع)!؟ وهو يعلم أنّ في كلّ حركة أو سكنة منه إشارة ذات معني للامّة.

ثمّ كيف يجسر يزيد علي مثل هذا التصرّف بمحضر الامام (ع) ـ علي فرض أنّهما اجتمعا فعلاـ خـصـوصـا وأن سـفـر يـزيـد إلي مـكـّة والمـدينة كان لاظهار تديّنه وصلاحه وإظهار لياقته للخلافة!؟

لقـد عـلّق المـؤرّخ المـصـري الشـيـخ عـبـدالوهـّاب النـجـّار فـي حـاشـيـة (الكامل في التأريخ) علي هذه الرواية قائلا:


(أعـتـقـد أنّ هـذه الابـيـات مـصـنوعة منحولة، فلم يكن يزيد من البلاهة بحيث يعرض ‍ ذلك علي الحـسـيـن ويـوجـد عـليـه مـقـالا، وإذا نـظـرنا من جهة أخري إلي أنّ معاوية إنّما ولّي ابنه الحجّ لتشيع عنه قالة الخير، ويوصف بالدين والتقوي، فلانشك في أنّ يزيد كان في حجّه يتسمّت ويـظـهـر التـمسّك بالدين وهذا ينافي هذه الرواية. وقد أحسن ابن جرير (الطبري) كلّ الاحسان في إهمالها ولعلّها اخترعت بعد زمانه!). [10] .


پاورقي

[1] الکامل في التأريخ، 4: 127.

[2] ميزان الاعتدال، 3: 201.

[3] نفس المصدر، 3: 205.

[4] تأريخ اليعقوبي، 2: 220.

[5] نفس المصدر، 2: 239.

[6] الکامل في التأريخ، 3: 490.

[7] تاريخ الطبري، 4: 213.

[8] الامامة والسياسة، 1: 187.

[9] نفس المصدر، 1: 190.

[10] الکامل في التأريخ، 3: 317 (إدارة الطباعة المنيرية ـ مصرـ الطبعة الاولي).