بازگشت

احتجاجاته علي معاوية و بني امية


لم يـمـنـع التـزام الامـام (ع) بـالهـدنـة والمـتـاركـة مـن إعـلانـه المـتـواصـل عـن اعـتـراضـه عـلي مـنـكـرات مـعـاويـة وعـلي نـقـضـه شـروط الهـدنـة، واحـتـجـاجـه المتواصل عليه وعلي ولاته في انحرافهم عن الاسلام وظلمهم الامّة.

ومـن أشـمـل احـتجاجات الامام (ع) علي معاوية ذلك الكتاب الذي بعث به إليه جوابا لكتاب دعا معاوية فيه الامام (ع) إلي رعاية الهدنة، وحذّره فيه من مغبّة الفتنة وشقّ عصا الامّة بزعمه.

وهـذا نـصّ جوابه (ع): (...أمّا بعدُ: فقد بلغني كتابك، تذكر أنّه قد بلغك عنّي أمور أنت لي عنها راغب، وأنا لغيرها عندك جدير، فإنّ الحسنات لايهدي لها ولايسدّد إليها إلاّ اللّه.

وأمـّا مـا ذكـرت أنـّه انـتـهـي إليك عنّي، فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاؤون بالنميم، ومـاأريـد لك حـربـا ولاعليك خلافا، وأيمُ اللّه إنّي لخائف للّه في ترك ذلك، وما أظنّ اللّه راضـيـا بـتـرك ذلك ولاعـاذرا بدون الاعذار فيه إليك، وفي أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة والمصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولايخافون في اللّه لومة لائم، ثمّ قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الاَيمان المـغـلّظـة والمـواثـيـق المـؤكـّدة لاتـأخذهم بحدثٍ كان بينك وبينهم، ولابإحنة تجدها في نفسك. [1] .


أولستَ قاتل عمرو بن الحمق [2] صاحب رسول اللّه (ص) العبد الصالح الذي أبلته العبادة، فنحل جسمه، وصفرت لونه، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنـزل إليـك مـن رأس الجـبـل، ثـمّ قـتـلتـه جـرأة عـلي ربـّك واسـتـخـفـافـا بـذلك العهد.


أولسـت المـدّعـي زيـاد بـن سميّة [3] المولود علي فراش عبد ثقيف!؟ فزعمت أنّه ابن أبيك، وقد قـال رسـول اللّه (ص): (الولد للفـراش وللعـاهـر الحـجـر)، فـتـركـت سـنـّة رسـول اللّه تـعـمـّدا وتـبـعـت هـواك بـغـير هدي من اللّه، ثمّ سلّطته علي العراقين، يقطع أيدي المـسـلمـيـن وأرجـلهـم، ويـسـمـّل أعـيـنـهـم، ويـصـلّبـهـم عـلي جـذوع النخل، كأنّك لست من هذه الامّة، وليسوا منك!.
أولست صاحب الحضرميّين [4] الذين كتب فيهم ابن سميّة أنّهم كانوا علي دين عليٍّ صـلوات اللّه عـليـه، فـكـتـبـت إليـه: أن اقـتـل كـلّ مـن كـان عـلي ديـن عـليّ، فـقـتـلهـم ومـثـّل بهم بأمرك. ودين عليّ (ع) واللّه الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الذي جلست، ولولاذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين. [5] .

وقـلت فـيـما قلت: [6] (أنظر لنفسك ولدينك ولامّة محمّد، واتّق شقّ عصا هذه الامّة وأن


تـردّهم إلي فتنة)، وإنّي لاأعلم فتنة أعظم علي هذه الامّة من ولايتك عليها، ولاأعلم نظرا لنفسي ولديني ولامّة محمّد (ص) وعلينا أفضل من أجاهدك، فإن فعلتُ فإنّه قربة إلي اللّه، وإن تركتُه فإنّي أستغفر اللّه لديني (لذبني)، وأسأله توفيقه لارشاد أمري.

وقـلت فيما قلت: (إنّي إن أنكرتك تنكرني وإن أكدك تكدني)، فكدني ما بدا لك، فإنّي أرجو أن لايضرّني كيدك فيّ، وأن لايكون علي أحد أضرّ منه علي نفسك، لانّك قد ركبت جهلك، وتـحـرّصـت عـلي نـقـض عـهدك، ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذيـن قـتـلتـهـم بـعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقـتـلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقّنا، فقتلتهم مخافة أمرٍ لعلّك لو لم تقتلهم متَّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فـأبـشـر يـا مـعـاويـة بـالقـصـاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ للّه تعالي كتابا لايغادر صـغـيـرةً ولاكبيرةً إلاّ أحصاها، وليس اللّه بناسٍ لاخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه علي التهم، ونـفـيـك أوليـاءه مـن دورهـم إلي دار الغـربـة، وأخـذك الناس ببيعة ابنك، غلام حدث، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب.

لاأعـلمـك إلاّ وقـد خـسـرت نفسك وتبّرت دينك وغششت رعيتك وأخزيت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقيّ لاجلهم، والسلام).

فلمّا قراء معاوية الكتاب قال: لقد كان في نفسه ضبٌ ما أشعر به!

فقال يزيد: يا أمير المؤمنين، أجبه جوابا يصغّر إليه نفسه، وتذكر فيه أباه بشرّ فعله.

قال: ودخل عبداللّه بن عمرو بن العاص.


فقال له معاوية: أما رأيت ما كتب به الحسين؟

قال: وما هو؟

قال: فأقراءه الكتاب.

فـقـال: ومـا يـمـنـعـك أن تـجـيـبـه بـمـا يـصـغـّر إليـه نـفـسـه؟ وإنـّمـا قال ذلك في هوي معاوية.

فقال يزيد: كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأيي؟

فـضـحـك مـعـاويـة، فـقـال: أمـّا يـزيـد فـقـد أشـار عـلي بمثل رأيك!

فقال عبداللّه: فقد أصاب يزيد.

فـقـال مـعـاويـة: أخـطـأتـمـا، أرأيـتـمـا لو أنـّي ذهـبـت لعـيـب عـليٍّ مـحـقـّا، مـا عـسـيـتُ أن أقول فيه!؟ ومثلي لايحسن أن يُعيب بالباطل وما لايُعرف، ومتي ما عبت به رجلابما لايعرفه الناس لم يُحفل بصاحبه، ولايراه الناس شيئا وكذّبوه، وما عسيتُ أن أعيب حسينا، واللّه ما أري للعـيـب فـيـه مـوضـعـا، وقـد رأيـتُ أن أكـتـب إليـه أتـوعـّده وأتـّهـدّده، ثـمّ رأيـت أن لاأفعل ولاأمحكه). [7] .

و (لمـّا قـتـل مـعـاويـة حـجـر بـن عـديّ وأصـحـابـه حـجّ ذلك العـامّ، فـلقـي الحـسـين بن عليّ (ع). فقال: يا أباعبداللّه، هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه، وشيعة أبيك؟

فقال (ع): وما صنعت بهم!؟

قال: قتلناهم، وكفنّاهم، وصلّينا عليهم!


فـضـحـك الحـسـين (ع)، ثمّ قال: خصمك القوم يا معاوية، لكنّنا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم، ولاصـلّيـنا عليهم، ولاقبرناهم. ولقد بلغني وقيعتك في عليٍّ، وقيامك ببغضنا، واعتراضك بني هاشم بـالعـيـوب، فـإذا فـعـلت ذلك فـارجـع إلي نـفـسك ثمّ سلها الحقّ عليها ولها، فإن لم تجدها أعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية فلاتوترنّ غير قوسك، ولاترمّينّ غير غـرضـك، ولاتـرمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنّك واللّه لقد أطعت فينا رجلاما قدُم إسلامه، ولاحدث نفاقه، ولانظر لك فانظر لنفسك أودع ـ يعني (عمروبن عاص). [8] .

وروي أنّ الامـام الحـسـيـن (ع) كـتب إلي معاوية كتابا يقرّعه فيه ويبكّته بأمور صنعها، كان فـيـه: (ثـمّ ولّيـت ابـنـك وهو غلام يشرب الشراب، ويلهو بالكلاب، فخُنت أمانتك وأخربت رعيّتك، ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فكيف تولّي علي أمّة محمّد من يشرب المسكر!؟ وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الاشرار، وليس شارب المسكر بأمين علي درهم فكيف علي الامّة!؟ فعن قليل ترد علي عملك حين تُطوي صحائف الاستغفار). [9] .

وكـان مـعـاوية يحيط علما بالكثير من حالات وأوضاع الامام الحسين (ع) لكثرة جواسيسه وعيونه الذيـن يـرصـدون الصغيرة والكبيرة من حياة الامام (ع) الخاصّة والعامّة، ولقد ضاقت ذات يد الامام (ع) لكثرة جوده وسخائه، فركبه الدين.

فـاغـتـنـم الفـرصـة مـعاوية، فكتب إلي الامام (ع) يريد أن يشتري منه (عين أبي نيزر) التي حـفـرهـا أمـيـر المـؤمـنـيـن عـليّ (ع) بـيـده الشـريـفـة، وأوقـفـهـا عـلي فـقـراء أهل


المدينة وابن السبيل، وأرسل معاوية مع الكتاب مائتي ألف دينار.

فـأبـي الامـام الحـسـين (ع) أن يبيعها وقال: (إنّما تصدّق بها أبي ليقي اللّه بها وجهه حرّ النار! ولست بائعها بشي). [10] .

وروي أنـّه كـان بـيـن الامـام الحـسـيـن (ع) وبـيـن مـعـاويـة كـلام فـي أرض للامـام (ع)، فـقـال له الامـام الحـسـيـن (ع): (اخـتـر خـصـلة مـن ثـلاث خـصـال: إمـّا أن تـشـتـري مـنـّي حـقـّي، وإمـّا أن تـردّه عـليّ، أو تجعل بيني وبينك ابن الزبير وابن عمر، والرابعة الصَّيلَم.

قال: وما الصيلم؟

قال: أن أهتف بحلف الفضول.

قال: فلاحاجة لنا بالصيلم). [11] .

وروي عن محمّد بن السايب أنّه قال:

(قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن عليّ (ع): لولافخركم بفاطمةبم كنتم تفتخرون علينا!؟

فـوثـب الحـسـيـن (ع) ـ وكـان (ع) شديد القبضة ـ فقبض علي حلقه فعصره، ولوي عمامته علي عنقه حتّي غشي عليه، ثمّ تركه.

وأقـبـل الحـسـيـن (ع) عـلي جـمـاعة من قريش، فقال: أنشدكم باللّه إلاّ صدّقتموني إن صدقت، أتـعـلمـون أنّ فـي الارض حـبـيـبـيـن كـانـا أحـبّ إلي رسول اللّه (ص) منّي ومن أخي؟)

قالوا: أللّهمّ لا.


قـال: وإنـّي لاأعـلم أنّ فـي الارض مـلعـون بـن مـلعـون غـيـر هـذا وأبـيـه، طـريـدي رسـول اللّه، واللّه مـا بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والاخر بباب المغرب رجلان مـّمـن يـنـتـحـل الاسـلام أعدي للّه ولرسوله ولاهل بيته منك ومن أبيك إذا كان. وعلامة قولي فيك أنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!

قـال: فـواللّه مـا قـام مـروان مـن مـجـلسـه حـتـّي غـضـب، فـانـتـفـض وسـقـط رداؤه عـن عـاتـقـه). [12] .

و (استعمل معاوية مروان بن الحكم علي المدينة، وأمره أن يفرض لشباب قريش ‍ ففرض لهم.

فـقـال عليّ بن الحسين (ع): فأتيته.

فقال: ما اسمك؟

فقلت: عليّ بن الحسين.

فقال: ما اسم أخيك؟

فقلت: عليّ.

فقال: عليّ وعليّ! ما يريد أبوك أن يدع أحدا من ولده إلاّ سمّاه عليّا!!

ثمّ فرض لي، فرجعت إلي أبي فأخبرته.

فـقـال: ويـلي عـلي ابـن الزرقـاء دبّاغة الاُدُم، لو ولد لي مائة لاحببت أن لاأسمّي أحدا منهم إلاّعليّا). [13] .


وروي أنّه (خطب الحسن (ع) عائشة بنت عثمان، فقال مروان: أزّوجها عبداللّه بن الزبير.

ثـمّ إنّ معاوية كتب إلي مروان وهو عامله علي الحجاز يأمره أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبداللّه بن جـعـفـر لابـنـه يـزيـد، فـأبـي عـبـداللّه بـن جـعـفـر، فـأخـبـره بـذلك، فقال عبداللّه: إنّ أمرها ليس اليَّ إنّما هو إلي سيّدنا الحسين وهو خالها.

فـأخـبـر الحـسـيـن بـذلك فـقـال: أستخير اللّه تعالي، أللّهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد.

فـلمـّا اجتمع الناس في مسجد رسول اللّه أقبل مروان حتّي جلس إلي الحسين (ع) وعنده من الجلّة، وقـال: إنّ أمـير المؤمنين أمرني بذلك، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ، ومع صلح ما بين هذين الحيّين، مع قضاء دينه، واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لاكفو له، وبوجهه يستسقي الغمام، فرُدَّ خيرا يا أباعبداللّه!!

فقال الحـسين (ع): الحمد للّه الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا علي خلقه)، إلي آخر كلامه.

ثـمّ قـال: يـا مـروان قـد قـلت فسمعنا، أمّا قولك مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ، فلعمري لو أردنـا ذلك مـا عـدونـا سـنـّة رسـول اللّه فـي بـنـاتـه ونـسـائه وأهل بيته، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما!

وأمّا قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتي كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا!؟

وأمـّا صـلح مـا بـيـن هـذيـن الحـيـّيـن فـإنـّا قـوم عاديناكم في اللّه، ولم نكن نصالحكم للدّنيا، فلعمري فلقد أعيي النسب فكيف السبب!؟

وأمـّا قـولك: العـجـب ليـزيـد كيف يستمهر، فقد استمهر من هو خيرٌ من يزيد ومن أب


يزيد ومن جدّ يزيد.

وأمـّا قـولك: إنّ يـزيـد كـفـو مـن لاكـفـوله، فـمـن كـان كـفـوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا.

وأمـّا قـولك: بـوجـهـه يـسـتـسـقـي الغـمـام، فـإنـّمـا كـان ذلك بـوجـه رسول اللّه (ص).

وأمـّا قـولك: مـن يـغـبـطـنـا بـه أكـثـر مـمـّا يـغـبـطـه بـنـا، فـإنـّمـا يـغـبـطـنـا بـه أهل الجهل، ويغبطه بنا أهل العقل.

ثـمّ قـال بـعـد كـلام: فاشهدوا جميعا أنّي قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبداللّه بن جعفر من ابن عمّها القـاسـم بـن مـحـمـّد بـن جـعـفـر عـلي أربـعـمائة وثمانين درهما، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أوقـال: أرضـي بـالعـقـيـق، وإنّ غلّتها في السنة ثمانية آلاف دينار، ففيها لهما غنيً إن شاء اللّه.

قال: فتغيّر وجه مروان، وقال: أغدرا يا بني هاشم، تأبون إلاّ العداوة.

فـذكـّره الحـسـيـن (ع) خـطـبـة الحـسـن عـائشـة وفـعـله ثـم قال: فأين موضع الغدر يا مروان!؟...). [14] .

وروي أنـّه (ع) كـان جـالسـا فـي مـسـجـد النـبـيّ (ص) فـسـمـع رجـلامـن بـنـي أمـيـّة يـقـول ويـرفـع صـوتـه ليـسـمـع الامـام (ع): إنـّا شـاركـنـا آل أبي طالب في النبوّة حتّي نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب، ونلنا من الخلافة ما لم ينالوا، فبم يفخرون علينا!؟ وكرّر هذا القول ثلاثا.

فـأقـبـل عـليـه الحـسـيـن (ع) فـقـال له: (إنـّي كـفـفـت عـن جـوابـك فـي قـولك الاوّل حـلمـا، وفـي الثـانـي عـفـوا، وأمـّا فـي الثـالث فـإنـّي مـجـيـبـك. إنـّي سـمـعـت أبـي يـقـول: إنّ فـي الوحـي الذي أنزله اللّه علي محمّد (ص): إذا قامت القيامة الكبري حشر اللّه بني أمـيـّة فـي صـور الذرّ، يـطـأهـم النـاس ‍


حـتـّي يـفـرغ من الحساب، ثمّ يؤتي بهم فيحاسبوا، ويُصار بهم إلي النار).

فلم يُطقَ الامويّ جوابا وانصرف وهو يتميّز من الغيظ. [15] .


پاورقي

[1] حـجـر بـن عـدي الکـنـّدي: قـال عمرو بن عبد البرّ في کتاب الاستيعاب: کان حجر من فـضـلاء الصـحـابـة مـع صـغـر سـنـّه عـن کـبـارهـم: وقـال غـيـره: کـان مـن الابـدال: وکـان صـاحـب رايـة النبيّ:(ص) وهو يُعَدُّ من الرؤساء والزهاد، ومحبّته وإخلاصه لامير المـؤمـنـيـن أشهر من أن تذکر، وکان علي کندة يوم صفّين: وعلي الميسرة يوم النهروان: وکان يـُعـرف بـحـجـر الخـيـر... قـال الاعـمـش: أوّل مـن قـتـل فـي الاسـلام صـبـرا هـو حـجـر بـن عـديّ وأوّل رأس أُهدي من بلدٍ إلي بلدٍ رأس عمرو بن الحمق (الدرجات الرفيعة: 423 ـ 429).

وقـال له أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع): کـيـف لي بـک إذا دُعـيـت إلي البـراءة مـنـّي، فـمـا عـسـاک أن تـقـول؟ فـقـال: واللّه يـا أمـيـر المـؤمنين: لو قطّعت بالسيف إربا إربا، وأضرم لي النار وألقـيـت فـيـهـا، لاثرت ذلک علي البراءة منک. فقال (ع): وفّقت لکلّ خيرٍ يا حجر، جزاک اللّه خيرا عن أهل بيت نبيّک. (سفينة البحار، 1: 223).

وفـي سـنـة ثـلاث وخـمـسـيـن قـتـل مـعـاويـة حـجـر بـن عـديّ الکـنـّدي، وهـو أوّل مـن قـتـل صـبـرا فـي الاسـلام، حـمـله زيـاد مـن الکـوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهـل الکـوفـة وأربـعـة مـن غيرها... ولمّا صار إلي مرج عذراء علي إثني عشر ميلامن دمشق، تقدّم البـريـد بـأخـبـارهـم إلي مـعـاويـة، فـبـعـث بـرجـلٍ أعـور... فـلمـّا وصـل إليـهـم قـال لحـجـر: إنّ أمـيـر المـؤمـنـيـن قـد أمـرنـي بـقـتـلک يـا رأس ‍ الضـلال ومـعـدن الکـفـر والطـغـيـان المـتـولّي لابـي تـراب وقـتـل أصـحـابـک، إلاّ أن تـرجـعـوا عـن کـفـرکـم، وتـلعـنـوا صـاحـبـکـم وتـتـبـرّؤا مـنـه. فـقال حجر وجماعة ممّن کان معه: إنّ الصبر علي حدّ السيف لايسر علينا ممّا تدعونا إليه، ثمّ القـدوم عـلي اللّه وعـلي نـبـيـّه وعـلي وصـيـّه أحـبّ إليـنـا مـن دخـول النـار،...فـلمـّا قـدّم حـجـر ليـقـتـل قـال: دعـونـي أصـليّ رکـعـتـيـن، فـجـعـل يـطـوّل فـي صـلاتـه، فـقـيـل له: أ جـزعـا مـن المـوت!؟ فـقـال: لا، ولکـنـّي مـا تـطهّرت للصّلاة قطّ إلاّ صلّيت، وما صلّيتُ قطّ أخفّ من هذه!...ثمّ تقدّم فـنـُحـر، وألحـق بـه مـن وافـقـه عـلي قـوله مـن أصـحـابـه. وقيل إنّ قتلهم کان في سنة خمسين. (مروج الذهب، 3: 12 ـ 13).

وقـتـل مـع حـجـر (ولده هـمـام، وقـبـيـصـة بـن ضـبـيـع العـبـسـي، وصـيـفـي بـن فـسـيـل، وشـريـک بـن شـدّاد الحـضـرمـي، ومـحرز بن شهاب السعدي، وکرام بن حيّان العبدي) (الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 428).

وقـالت عـائشـة لمـعـاويـة: سـمـعـت رسـول اللّه (ص) يقول: سيقتل بعذراء أناس يغضب اللّه لهم وأهل السماء.

وذکـر کـثـيـر مـن أهـل الاخـبـار أنّ مـعـاويـة لمـّا حـضـرتـه الوفـاة جـعـل يـغـرغـر بـالمـوت ويـقـول: إنّ يـومـي مـنـک يـا حـُجـر بـن عـدي لطويل.

وسـئل ابـن إسـحـاق مـتـي ذلّ النـاس؟ قـال: حـيـث مـات الحـسـن بـن علي (ع) وادّعي معاوية زيادا وقتل حجر بن عديّ. (الدرجات الرفيعة: 429).

[2] عـمـرو بن الحمق الخزاعي: صاحب رسول اللّه (ص)، ومن حواريّ أمير المؤمنين عليّ(ع)، وشهد معه مشاهده کلّها (اختيار معرفة الرجال، 1: 248). ألقي زياد بن سميّة القبض غدرا علي حـجـر بـن عـديّ(ره) وطـلب أصـحـابـه، (فـخـرج عـمـروبـن الحـمـق حـتـّي أتـي المـوصـل ومـعـه رفـاعـة بـن شـدّاد فـاخـتـفـيـا بـجـبـل هـنـاک، فـرفـع خـبـرهـمـا إلي عامل الموصل، فسار إليهما، فخرجا إليه، فأمّا عمرو فقد استسقي بطنه ولم يکن عنده امتناع، وأمـّا رفـاعـة فـکـان شـابـّا قـويـّا فـرکـب فـرسـه ليـقـاتـل عـن عـمـرو، فـقـال له عـمـرو: مـايـنـفـعـنـي قـتـالک عـنـّي؟ أنـجُ بـنـفـسـک! فـحـمـل عـليـهـم فـأفـرجـوا له فـنـجـا، وأخـذ عـمـرو أسـيـرا... فـبـعـثـوه إلي عـامـل الموصل وهو عبدالرحمن بن عثمان الثقفي الذي يُعرف بابن أمّ الحکم، وهو ابن أُخت معاوية... فـکـتـب فـيـه إلي معاوية، فکتب إليه: إنّه زعم أنّه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص معه، فـاطـعـنـه کـمـا طـعـن عـثـمـان، فـأُخـرج وطـُعـن، فـمـات فـي الاولي مـنـهـنّ أو الثـانـيـة. (الکـامـل فـي التـأريـخ، 3: 477) وبـعـث بـرأسـه إلي مـعـاويـة، فـکـان رأسـه أوّل رأس حـمـل فـي الاسـلام (نـفـس المـهـمـوم: 143) فـنـصـبـه عـلي رمـح، وهـو أوّل رأس نـصـب فـي الاسـلام. (اخـتـيـار مـعـرفـة الرجال،1:250) وبعث معاوية برأسه إلي امـرأتـه، فـوضـع فـي حجرها، فقالت: سترتموه عنّي طويلا، وأهديتموه إليَّ قتيلا، فأهلاوسـهـلامـن هـديـّة غـيـر قـاليـة ولامـقـليـة، بـلّغ أيـّهـا الرسـول عـنـّي مـعـاويـة مـا أقـول: طـلب اللّه بـدمـه، وعـجـّل الوبـيـل مـن نـقـمـه، فـقـد أتـي أمـرا فـريـّا وقتل بارّا تقيّا.... (الاختصاص:17).

وکـان مـعـاوية قد کتب إلي عمرو بن الحمق يؤمنه قائلا: (أمّا بعدُ: فإنّ اللّه أطفاء النائرة، وأخـمد الفتنة، وجعل العاقبة للمتّقين!، ولست بأبعد أصحابک همّة، ولاأشدّهم في سوء الاثـر صـنـعـا، کـلّهـم قـد أسـهل بطاعتي وسارع إلي الدخول في أمري، وقد بطاء بک ما بطاء، فـادخـل فيما دخل فيه الناس، يمح عنک سالف ذنوبک ويحي داثر حسناتک، ولعلّي لاأکون دون مـن کـان قـبلي إن أبقيتَ واتّقيتَ ووقيتَ وأحسنت، فأقدم عليّ آمنا في ذمّة اللّه وذمّة رسوله (ص) محفوظا من حسد القلوب وإحَن الصدور، وکفي باللّه شهيدا)، (الاختصاص: 16).

وقـال عـمـرو بـن الحـمـق يـخـاطـب عـليـّا(ع): (واللّه مـا جـئتـک لمـال مـن الدنـيـا تـعـطـيـنـيـهـا، ولالالتـمـاس السـلطـان تـرفـع بـه ذکـري، إلاّ لانّک ابن عمّ رسـول اللّه صـلوات اللّه عـليـهما، وأولي الناس ‍ بالناس، وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين (س)، وأبـو الذريـّة التـي بـقـيت لرسول اللّه (ص)، وأعظم سهما للاسلام من المهاجرين والانـصار، واللّه لو کلّفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي أبدا حتّي يأتي عليّ يومي وفـي يـدي سـيفي أهزّ به عدوّک، وأقويّ به وليّک (ويُعلي) ويعلو به اللّه کعبک ويفلج به حـجـّتـک، مـا ظـنـنـت أنـّي أدّيـت مـن حـقـّک کـلّ الحـقّ الذي يـجـب لک عـليّ). فـقال أمير المؤمنين عليّ(ع): (أللّهمّ نوّر قلبه باليقين، واهده إلي الصراط المستقيم. ليت فـي شـيـعـتـي مـائة مـثلک!!)، (الاحتجاج، 14: 15)، ورواه المنقري بتفاوت (وقعة صفّين: 103 ـ 104).

وکـان أمـيـر المـؤمـنـيـن عليّ(ع) قد أخبر حواريّه عمروبن الحمق بمقتله قائلا: (يا عمرو، وإنّک لمـقـتـول بـعـدي، وإنّ رأسـک لمـنـقـول، وهـو أوّل رأس ينقل في الاسلام، والويل لقاتلک)، (الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 433).

[3] تـعـتـبـر قضية استلحاق معاوية زياد بن عبيد الرومي کأخ له من أبي سفيان بلابيّنة شرعيّة مثلامن الامثلة الکثيرة علي استخفاف معاوية بأحکام الشريعة الاسلاميّة، وقد احتجّ الامام (ع) عـلي مـعـاويـة بـهـا فـي هـذا البـعـد، ويـلاحـظ هـنـا أنـّه (ع) کـشـف عن بعد آخر من أبعاد هذا العـمـل المـنکر وهو البعد النفسيّ الذي شکّل الغاية من هذا الاستلحاق، بقوله: (ثمّ سلّطته...) ذلک لانّ زيـادا قبل الاستلحاق کان يتعصّب للموالي لانّه يري نفسه عبدا لثقيف، فيحنو عليهم ويـدراء عـنـهـم مکائد الحقد القوميّ العربي، کما فعل في ردّ عمر عن خطّته في الفتک بالموالي والاعـاجـم التـي کـتب بها إلي أبي موسي الاشعري. وقد لامه معاوية بعد الاستلحاق علي ذلک فـي کـتابه السرّي إليه قائلا: (فشاورک أبوموسي في ذلک فنهيته، وأمرته أن يراجع فـراجـعـه، وذهـبت أنت بالکتاب إلي عمر، وإنّما صنعتَ ما صنعتَ تعصّبا للموالي وأنت يومئذ تـحـسـب أنـّک عـبـد ثـقـيـف، فلم تزل بعمر حتّي رددته عن رأيه...)، (سليم بن قيس: 174 ـ 179).

فـلمـّا اسـتـلحـقـه مـعـاويـة تـحـرّر مـن عقدة الموالي وانفصل نفسيّا عنهم، فانطلق يبطش بهم ـ وجلّ الشيعة منهم ـ بوحشية لانظير لها کما وصف الامام (ع).

[4] الحـضـرمـيـّون هـم: عبداللّه بن يحيي الحضرمي وجماعته، قتلهم زياد بن سميّة بأمر معاوية ومثّل بهم کما وصف الامام (ع).

(وروي عـن أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) أنـّه قـال لعـبـداللّه بـن يـحـيـي الحـضـرمـي يـوم الجـمـل: أبـشـر يـا ابـن يـحـيـي، فـأنـت وأبـوک مـن شـرطـة الخـمـيـس حـقـّا، لقـد أخـبـرنـي رسـول اللّه (ص) بـاسـمـک واسـم أبـيـک في شرطة الخميس، واللّه سمّاکم شرطة الخميس علي لسان نبيّه (ع)، (إختيار معرفة الرجال،1:24،رقم 10).

وشـرطـة الخـمـيـس: الخـمـيـس الجـيـش لانـّه يـتکوّن في تلک الايّام من خمس فرق: المقدّمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. شرطة الخميس هم أوّل کتيبة تشهد الحرب وتتهيّاء للموت. وشرطة الخـمـيـس فـي جـيـش أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) کـانـوا سـتـّة أو خـمـسـة آلاف رجـلٍ. وسـأل رجـل الاصـبـغ بـن نـبـاتـه قـائلا: (کـيـف سـمـّيـتـم شـرطـة الخـمـيـس يـا أصـبـغ؟ قـال: إنـّا ضـمـّنـا له الذبـح، وضـمن لنا الفتح، يعني أمير المؤمنين (ع).، (إختيار معرفة الرجال، 1: 25 و321 رقم 165).

[5] يعني بالرحلتين: رحلة الشتاء والصيف.

[6] مرّت بنا بعض فقرات هذه الرسالة في موارد سابقة من البحث، وقد أتينا بتمام هذه الرسالة هنا کنصّ إحتجاجي شامل کاشف عن أحد المعالم العامّة لنهج الامام (ع) في مواجهة معاوية.

[7] إخـتيار معرفة الرجال، 1: 252 ـ 259 رقم 99؛ واعتمدنا المفردات الواضحة المعني من نصّ بحار الانوار، 44: 212 ـ 214 رقم 9 بدلامن مفردات غامضة في نصّ الکشّي.

[8] الاحتجاج، 2: 19 ـ 20.

[9] دعائم الاسلام، 2: 133، حديث 468.

[10] الکامل للمبرّد، 3: 208.

[11] الاغاني، 17: 189.

[12] الاحتجاج، 2: 23 ـ 24.

[13] الکافي، 6: 19، حديث 7.

[14] مناقب آل أبي طالب، 4: 38 ـ 39.

[15] حـيـاة الامـام الحـسـيـن بـن عـلي (ع)، 2: 35 نـقلاعن المناقب والمثالب للقاضي نعمان المصري (ص 61).