بازگشت

احتجاجه علي العلماء و دعوتهم إلي نصرة الحق


ومـن كـلام له (ع) فـي الامـر بـالمـعـروف والنـهـي عـن المـنـكـر يـخـاطـب بـه أهـل العـلم مـن الصـحابة خاصّة والتابعين عامّة، يحتجّ عليهم فيه ويدعوهم إلي نصرة الحقّ وإتّخاذ الموقف المشرّف اللاّئق بأهل العلم.


قـال (ع): (اعـتـبـروا أيـّهـا النـاس بـمـا وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه علي الاحبار إذ يـقـول (لولايـنـهـاهـم الربـّانـيـّون والاحـبـار عـن قـولهـم الاثـم) وقال: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل ـ إلي قوله ـ لبئس ما كانوا يفعلون)، وإنّما عاب اللّه ذلك عـليهم لانّهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلاينهونهم عن ذلك رغـبـة فـيـمـا كـانـوا يـنـالون مـنـهـم ورهـبـة مـمـّا يـحـذرون، واللّه يـقـول: (فـلاتـخـشـوا النـاس واخـشـونِ) وقـال: (المـؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) فبداء اللّه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة مـنـه، لعـلمـه بـأنـّهـا إذا أُدّيت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها، هيّنها وصعبها، وذلك أنّ الامر بـالمـعـروف والنـهـي عـن المـنـكر دعاء إلي الاسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفي والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها.

ثمّ أنتم أيّتها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبـاللّه فـي أنـفـس النـاس مـهـابـة، يـهـابـكـم الشـريـف ويـكـرمـكم الضعيف، ويؤثركم من لافـضـل لكـم عـليـه، ولايـد لكـم عـنـده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلاّبها، وتمشون في الطـريـق بـهـيبة الملوك وكرامة الاكابر، أليس كلّ ذلك إنّما نلتموه بما يُرجي عندكم من القيام بـحـقّ اللّه، وإن كـنـتـم عـن أكـثـر حـقّه تُقصّرون، فاستخففتم بحقّ الائمّة، فأمّا حقّ الضعفاء فـضيّعتم، وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم، فلامالابذلتموه ولانفسا خاطرتم بها للّذي خلقها، ولاعشيرة عاديتموها في ذات اللّه، أنتم تتمنّون علي اللّه جنّته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه!

لقـد خـشـيـت عـليـكـم أيّها المتمنّون علي اللّه أن تحلّ بكم نقمة من نقماته لانّكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فُضّلتم بها، ومن يعرف باللّه لاتُكرِمون، وأنتم باللّه في عباده تُكرَمون، وقد تـرون عـهـود اللّه مـنـقـوضـة فـلاتـفـزعـون، وأنـتـم لبـعـض ذمـم آبـائكـم تـفـزعـون، وذمـّة رسـول اللّه (ص) محقورة، والعميُ والبكم والزُمنَّ في المدائن مهملة، لاترحمون ولافي منزلتكم تعملون، ولامن عمل فيها تُعينون، وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كلّ ذلك ممّا أمركم اللّه بـه مـن النـهـي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم


عليه من مـنـازل العـلماء لو كنتم تشعرون، ذلك بأنّ مجاري الامور والاحكام علي أيدي العلماء باللّه، الامـنـاء عـلي حـلاله وحـرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلاّ بتفرّقكم عن الحقّ، واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم علي الاذي وتحمّلتم المؤونة فـي ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع، ولكنّكم مكّنتم الظلمة من مـنـزلتـكـم واسـتـسـلمـتـم أمـور اللّه في أيديهم، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات، سـلّطـهـم عـلي ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحيوة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء فـي أيـديـهـم، فـمـن بـيـن مـسـتـعـبَد مقهور وبين مستضعف علي معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك بـآرائهـم ويـسـتـشعرون الخزي بأهواءهم اقتداء بالاشرار وجرأة علي الجبّار، في كلّ بلد منهم عـلي مـنـبـره خـطـيـب يـصـقـع، فـالارض لهـم شـاغـرة وأيـديـهـم فـيـهـا مـبـسوطة، والناس لهم خـَوَل لايـدفـعـون يـد لامـس، فمن بين جبّار عنيد، وذي سطوة علي الضَّعَفة شديد، مطاع لايعرف المبديء المعيد.

فـيـا عـجـبـا، ومـا لي لاأعـجـب، والارض مـن غـاش غـشـوم ومـتـصـدّق ظـلوم وعـامـل عـلي المـؤمـنـيـن بهم غير رحيم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

أللّهـمّ إنـّك تـعـلم أنـّه لم يـكـن مـا كـان مـنـّا تـنـافـسـا فـي سـلطـان ولاالتـمـاسـا مـن فضول الحطام، ولكن لنُري المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك.

فإنّكم إلاّ تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم، وحسبنا اللّه وعليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير). [1] .



پاورقي

[1] تحف العقول: 171 ـ 172.